مدير عام فرع هيئة المواصفات والمقاييس بالحديدة إبراهيم الدولة في حوار لصحيفة “المسيرة”: لن نقبلَ بأية مساعدات فاسدة وما يصل إلينا هي أسوأ بضائع ومنتجات العالم
برنامج الأغذية العالمي يتعامل باستخفاف مع المساعدات المقدمة لليمن وضبطنا مؤخّراً 250 ألف كيس دقيق أبيض غير صالحة للاستهلاك الآدمي
المسيرة – حاوره إبراهيم العنسي
أكّـد مدير عام فرع هيئة المواصفات والمقاييس بالحديدة، إبراهيم الدولة، أن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة يتعامل باستخفاف مع المساعدات المقدمة لليمن، ولا يلتفت إلى الملاحظات التي يتم تقديمها من اليمن بشأن المساعدات الفاسدة التي يتكرّر وصولها إلى بلادنا.
وقال الدولة في حوار خاص مع صحيفة “المسيرة” إنهم ضبطوا مؤخّراً 250 ألف كيس دقيق أبيض غير صالحة للاستهلاك الآدمي، وأن من يأكلها فسوف يتعرض لمرض الفشل الكلوي، مؤكّـداً عدم القبول بأية مساعدات فاسدة والتي هي أسوأ بضائع ومنتجات العالم.
إلى نص الحوار:
– يتحجّج برنامج الأغذية العالمي أن تلف وفساد المعونات مرتبط بالتخزين السيئ وطول مدة بقاء المساعدات في المخازن قبل توزيعها.. فماذا عن اكتشاف المواصفات والمقاييس لشحنات فاسدة على متن السفن للبرنامج؟
بدايةً.. ليقل برنامج الغذاء ما يريد، لكن الأكيد من الناحية الفنية أن البرنامج يتعامل مع المساعدات المقدمة لليمن بنوع من الاستخفاف بدليل وصول عشرات الشحنات الفاسدة من الأغذية المقدمة كمساعدات لليمن، سواءٌ أكانت قمحاً، أَو دقيقاً، أَو بقوليات، أَو غيرها والتي كان آخرها شحنة الدقيق الأبيض بحوالي 12.5 ألف طن والتي وصلت الميناء كشحنة يمكن اختصار القول بأنها مساعدات فاسدة.
– كيف تعاملتم مع هذه الكمية الكبيرة من الدقيق الفاسد خَاصَّة وأن سُمعةَ مساعدات برنامج الغذاء تسبق وصولها كسمعة سيئة؟
تعاملنا مع هذه الباخرة ومع مساعدات البرنامج كما نتعامل مع أي شحنة تصل الميناء وتكون خاضعة للفحص، وقد أخذنا عينات من الشحنة، وأجرينا لها الفحوصات الظاهرية بداية الأمر والتي أظهرت أن هناك حشرات في أول عينة، ثم أجرينا فحوصات لكل عنابر السفينة، فأخذنا عينة كبيرة من العنابر بحوالي ٧٠ كيساً، تم نخلها كاملة، وأضفنا للتأكّـد من فحوصاتنا ٦٠ كيساً إضافياً، تم نخلها بالكامل ووجدنا أن هذه الشحنة الكبيرة التي تحوي ٢٥٠ ألف كيس دقيق أبيض غير صالحة للاستهلاك الآدمي، وأن كُـلّ الفحوصات أكّـدت احتواء الدقيق على “سوس حي” وَ”سوس ميت”، وهذا مخالف للمواصفات القياسية، فالسوس بمُجَـرّد أن يخرج يتكاثر بشكل كبير ويتحول في وقت قصير إلى حشرات تبيض فيما بعد من ٦٠- ٨٠ بويضة، وهذا يجعلها تتكاثر في متوالية هندسية كبيرة جِـدًّا، ومع عمليات التخزين والنقل للشحنات ستخرج وتتكاثر هذه اليرقات التي تنتج سموماً في مادة الدقيق التي يستهلكها المواطن، وبالتالي فَـإنَّ من قد يتناولون هذه المساعدات سيكونون عرضة على المدى الطويل لأمراض أقلها “الفشل الكلوي”.
– مقابل هذه المساعدات الفاسدة لبرنامج الغذاء.. هل تقومون بإبلاغ البرنامج برفض شحنة المساعدات “الفاسدة”؟
بالتأكيد، ولدينا إحصائيات كاملة للشحنات الفاسدة التي وصلت من البرنامج، ومع كُـلّ شحنة يتضح لنا أنها فاسدة نقوم برفع ملاحظات للبرنامج مدعومة بالرأي الفني للتصحيح والتعديل الذي يمكن أن يساعد مسؤولي البرنامج على تلافي ما هو حاصل، وهذا الكلام يتم على مدار سنوات مع مواجهتنا لشحنات المساعدات الفاسدة التي رفضت سواءٌ أكانت دقيقاً، أَو قمحاً، أَو بقوليات، أَو غيرها.
– لكن الملاحظ أن البرنامج لا يكترث أَو لا يعير أي اهتمام بما تسردونه لهم؟
هذا واضح من تكرار الأخطاء، بل وتزايدها مؤخّراً بشكل يفوق ما كان في السابق.
– ماذا عن رفض هيئة المواصفات بالحديدة لشحنة البقوليات الأخيرة نهاية العام 2021.. لما تم رفضُ هذه المساعدات أَيْـضاً؟
نهايةَ العام الماضي رفضنا مساعداتِ بقوليات بحوالي 66 حاوية لأسباب تشابه إلى حَــدّ ما أسباب رفضنا لشحنات الدقيق والقمح منها وجود حشرات، أَو ارتفاع نسبة البذور المكسورة، أَو وجود هذه البذور منخورة، وهذا يظهر لنا أنها كانت مخزَّنة لفترات طويلة، وُصُـولاً إلى انخفاض جودتها.
– ألا يعني هذا أن البرنامجَ يختار لمعوناته الأصناف التي يُهلِكُها العالمُ ويقوم بتصديرها إلينا كمساعدات؟
حقيقة أن ما يصلنا هي مساعدات رديئة، وأستطيع القول إن ما يصلنا من مساعدات دولية هي أسوأ بضائع ومنتجات العالم.
– يلاحظ أن معونات الغذاء العالمي الفاسدة لليمن زادت في السنتين الأخيرتين أكثر مما كان مع بدايات العدوان على البلاد.. ما صحة هذا؟
بتتبع الإحصائيات منذ السنوات الأولى للعدوان وحتى اليوم يمكن ملاحظة زيادة المخالفات وزيادة عدد الشحنات التي رفضت من اليمن لبرنامج الغذاء العالمي، وهذا ظاهر في مقارنتنا ما بين أول عامين للعدوان، وآخر عامين، أي 2020 وَ2021 اللذين فعلاً سجلا أعلى نسبة مخالفات لبرنامج الغذاء العالمي، وأظهرا حجم الاستهتار من قبل العاملين عليه، فيما يخص فساد وانتهاء صلاحية المساعدات الإنسانية التي تصل اليمن، وهذا الأمر يظل في جانب فني بحت يعتمد المواصفات والمقاييس سواء فيما يخص شحنات برنامج الغذاء، أَو حتى شحنات التجار الذين يظهرون التزاماً مع ملاحظات هيئة المواصفات والمقاييس على عكس البرنامج العالمي الذي لم يلتزم بمراعاة الشروط المطلوب توافرها في شحنات مساعداته الواصلة رغم تعهداته بالالتزام وهي كثيرة إلَّا أنها ظلت حبراً على ورق.
– مع تكرار عمليات الشحن لمساعدات فاسدة مرة تلو أُخرى ألا يوحي ذلك بأن هناك فساداً يشوب عمل هذه المنظمات؟
اليمن مستهدف من كُـلّ الاتّجاهات وهذا ظاهر وواضح وجلي وربما يكون هناك تواطؤ حتى على مستوى المساعدات، بحيث يترابط مع الحصار الاقتصادي والذي يعني أَلَّا يدخل هذه البلاد إلَّا أسوأ المنتجات والمساعدات، وُصُـولاً للتجويع غير المباشر، ويمكن إعطاء مثال على ذلك بالبقوليات التي تصل أصناف منها كمساعدات أمام العالم غير أنها تُرمى حالها كحال الدقيق الفاسد، فمثلاً عندما يدرك البعض ممن يحصلون على مساعدات منها أنها لا تنفع للاستهلاك، فيما البعض يضطر لاستخدامها، ثم يفاجأ أنها تحتاج لوقت كبير لطبخها وانضاجها، وبالتالي استهلاكها لكميات أكبرَ من غاز الطبخ حتى تكون ناضجةً، ما يعني أن تكلفة الغاز المستهلك يفوق بصورة ما ثمنَ هذا الصنف من المساعدات.
– من المساعدات ما يتعرض للتلف سريعاً مثل الدقيق في ظل التخزين السيئ وارتفاع الحرارة.. هل يعقل أن مسؤولي برنامج الغذاء لا يستوعبون مثل هذه الملاحظات؟
برنامجُ الغذاء في حال وصول شحنة مساعداته إلى الميناء سليمة يعتبر نفسه وكأنه أخلى مسؤوليته، ولا يهتم بأن تكون سلسلة النقل والتخزين والتوزيع سليمة حتى اكتمال المهمة بتوزيعها على الناس وهناك حالات عدة رصد فيها فساد المساعدات بعد تخزينها؛ كون شروط التخزين كانت مهملة ولم تراعِ حساسية المساعدات خَاصَّة الدقيق بأيام الصيف الحار، فأشهر قليلة كافية بانتشار السوس، وفساد المخزون في ظل إهمال أماكن التخزين المناسبة وعدم وجود التهوية المناسبة… إلخ.
وهذا يجعلنا نتلقى رسائل واتصالات سواء من سلطات محلية، أَو جهات أمنية، وغيرها تستفسر عن شحنات معينة يظهر وقت توزيعها أنها فاسدة، ونؤكّـد لهم أنها خرجت سليمة، وفق محاضر رسمية تشترك فيها جهات مختلفة؛ لضمان توثيق ما يتم دخوله إلى البلاد.
– أخيرًا.. برأيكم لما لا يلتزم برنامج الغذاء باشتراطات المواصفات والمقاييس؟
حقيقة لا ندري لماذا يصر مسؤولو البرنامج على تجاهل ما أوصلناه لهم من ملاحظات وإيضاحات حول شحنات المعونات الفاسدة لسنوات، وَكما أشرت فنحن على تواصل بهم وقد أبلغناهم مراراً وتكراراً بالحاجة إلى مراعاة مواصفات وَشروط النقل والتخزين الجيد من بلد التصدير، وحتى الوصول إلى اليمن، وَكذلك ضرورة توزيع المساعدات سريعاً، وعدم إبقائها طويلاً في المخازن خَاصَّة في فصل الصيف، بالاتّفاق والتنسيق مع الجانب الحكومي، ومتعهديهم حول هذه المسائل لإخلاء المسؤولية بمُجَـرّد وصول الشحنات إلى الميناء والتذرع بعد أن التخزين وسرعة عمليات التوزيع للمساعدات ترتبط بالمنظمات والجهات المتعاونة والمتعهدين الذين يتولون هذه العملية، فهذا يعني أن سلسلة النقل والتوزيع ليست سليمة وغير مكتملة ويشوبها القصور، وهذه الملاحظات تخص بالطبع المساعدات السليمة التي يتم قبولها والتي لا بُـدَّ من تخزينها جيِّدًا وتوزيعها سريعاً حتى نتلافى تلفها في المخازن، أما ما يأتي فاسداً وهو كثير على متن سفن مساعدات برنامج الغذاء، فأهم ملاحظة لنا فيه أنه يجب ألا تصلنا؛ لأَنَّنا سنرفضها، ونمنع دخولها وسيضطر البرنامج العالمي لإعادة شحنها إلى بلد التصدير كشحنات فاسدة.