خبراء ومحللون سياسيون لـ “المسيرة”: الكيان الذي جاء بترخيص بريطاني لا يمكن التعويل عليه في أي موقف جامعة الدول العربية.. انحيازٌ “عبري” ضد اليمن
المسيرة- محمد الكامل
يكثّـِفُ العدوانُ الأمريكي السعوديّ الإماراتي من عملياته التصعيدية على بلادنا، حيثُ زادت بوتيرة عالية مؤخّراً، تمثلت في استهداف المنشآت الحيوية وارتكاب المجازر الوحشية في حَقِّ الكثير من المدنيين في محافظات صنعاءَ وعمران وصعدة والحديدة وغيرها من المحافظات.
ورافق هذا التصعيد قصفٌ وتدميرُ مرافق ومباني الاتصالات وقتل النزلاء في السجن الاحتياطي بصعدةَ في جريمةٍ مُرَوِّعةٍ راح ضحيتَها أكثرُ من 90 شهيداً ومئات الجرحى، في واحدة من الجرائم التي تبكي لهولها الحجرُ والشجر قبل البشر، ومثلما حدث كذلك من مجازر مُرَوِّعة بحق أسرة آل الجنيد في صنعاء، وضحايا قصف مبنى الاتصالات بالحديدة.
وفي الوقت الذي توالت فيه إدانات المنظمات الحقوقية وأحرار العالم، ضد هذا التوحش الإماراتي الإسرائيلي ضد المدنيين في بلادنا، خرجت ما تسمى بجامعة الدول العربية ببيان يساند الجلاد ضد الضحية، ويتماهى مع العدوان بصورة فجة ووقحة.
وتضمن البيانُ الذي أصدرته الجلسة الختامية لمجلس الجامعة عدداً من التوصيات والدعوات التي تكشف تماهيَ هذه الجامعة مع المجرم والمعتدي وتجاهل حقوق الشعوب العربية ومظلوميتها، بالإضافة إلى أن تسييرَها وقراراتها وفق ما يخدم ويمرر دائماً مصالح دول الاستكبار وعلى رأسها أمريكا والكيان الصهيوني.
ودعا البيان الذي شهد تضامن أغلب الدول الإقليمية والإسلامية مع دويلة الإمارات إلى تصنيف جماعة “أنصار الله” “منظمة إرهابية”.
ورحّب البيان بما سماه بالموقف الموحد الذي عبر عنه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالإجماع في بيانه الصادر يوم 21 يناير2022، الذي أدان فيه أعضاءُ المجلس عملياتِ الرد اليمنية على تصعيد العدوّ الإماراتي بأشد العبارات التي تنصف الجلاد من الضحية كما جرت العادة في مجتمع عربي ودولي بكل مؤسّساته هي تحت وطأة الشيطان الأكبر أمريكا.
وفي مضمون ذلك، أكّـد رئيس الوفد الوطني محمد عبد السلام أن بيانَ مجلس الأمن عدوانٌ على الإنسانية، وتشجيعٌ للمعتدي لمواصلة عدوانه وحصاره على اليمن، وغطاء لارتكاب المزيد من المجازر الوحشية كما حصل في الحديدة وسجن صعدة”، موضحًا في بيان مقتضَبٍ نشره على حسابه بموقع تويتر “أن تاريخَ مجلس الأمن مبنيٌّ على المصالح ولا يعول عليه في أخذ أي حق، علاوة على أنه يقف دائماً ضد إرادَة الشعوب”.
من جانبه، وصف نائب وزير الخارجية، حسين العزي، مواقف مجلس الأمن بالمخيبة للآمال، موضحًا أن القرارات الدولية منحازة للجلاد ولا تفسير لهذه الإدانات سوى أنهم يهدرون حياة الشعب اليمني”، مؤكّـداً أن “هناك جرائم ترتكبها الإمارات ودول تحالف لم يتطرق إليها مجلس الأمن في بيانه”.
مطالِبُ سخيفة
وأمام هذا الحجم الهائل من التباكي الأممي والعبراني مع دويلة الإمارات، وعدم الانتصار للمظلومية اليمنية، نعيش في أحلك الظلمات العالمية، وفي عالم تسوده ثقافة الغاب، وعدم الانتصار للمظلومين.
وترى وزارة الخارجية بصنعاء أن “لجوء الإمارات إلى كيانٍ هزيلٍ وبائسٍ وفاقدٍ للشرعية مثل الجامعة العربية يعكسُ حجمَ إفلاسها والعُزلة القاتلة التي تعيشُها دولُ العدوان”، لافتة إلى أن “طلبَ تصنيف جهة يمنية أصيلة تمثل الغالبية العظمى من الشعب اليمني ووصمها بالإرهاب سخيف وبائس وينُمُّ عن غباء فاحش وجهل مركب بالواقع اليمني”، مؤكّـدة أن “بيان جامعة الدول العربية الصادر مؤخّراً مدفوع الأجر ولا يعبر عن الضمير العربي ولا الرأي العام للشعوب العربية”، وَأن “الجامعة العربية فقدت شرعيتَها وقيمتَها وماتت في الضمير العربي منذ 40 عاماً وهي اليوم معزولة ومفصولة تماماً عن شعوب أمتنا”.
ويؤكّـد الكثيرُ من المحللين والخبراء السياسيين أن الجامعة العربية لم تقدم أي شيء للعرب، حَيثُ تتماهى هذه الجامعة في كُـلّ سياساتها وقرارات مع المصالح الأمريكية والصهيونية حتى أصبحت جامعة الدول العربية جامعة عبرية وصهيونية أكثر من الصهاينة أنفسهم.
وتسعى هذه الجامعة إلى شرعنة العدوان الأمريكي السعوديّ الإماراتي على اليمن من جهة وسقوطها في غيبوبة طويلة، فيما يخُصُّ الأُمَّــة العربية والقضايا التي تمُسُّ احتياجات شعوبها وتهدّد وجودهم وأمنهم واستقرارهم، والعمل على إجهاض أية مشاريع التحرّر والاستقلال والسيادة العربية وخروج الشعوب العربية الحرة من تحت عباءة التبعية والخيانة والعمالة للغرب من خلال تمييع القضايا العربية وتحويل العدوّ الأول للأُمَّـة العربية والإسلامية إلى صديق حميم عبر الدفع بالأنظمة العربية الخائنة إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني المغتصب لأرض فلسطين وشعبها المقاوم والصامد.
ويقول الكاتبُ والمحلل السياسي زيد الغرسي: إن بيانَ الجامعة العربية يعكس حقيقةَ الدور لهذه الجامعة ذلك الدور المتواطئ مع كيان العدوّ الصهيوني والأمريكي ومشروعه عُمُـومًا في المنطقة.
ويؤكّـد الغرسي في تصريح خاص لصحيفة “المسيرة” أن الجامعة العربية لم تقدم أي شيء للعرب ولم تعمل في صالحهم وفي خدمة قضاياهم الحقيقية وعلى رأسها القضية الفلسطينية، ومؤخّراً زاد تعريها بشكل أكبر في تبنيها لكل تحَرّكات للمشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة، سواء في سوريا أَو في ليبيا أَو حتى مؤخّراً في اليمن، منوِّهًا إلى أنه لا غرابة في مواقف هذه الجامعة؛ لأَنَّ الذي يديرها هي أنظمة عميلة لأمريكا وللعدو الصهيوني، ومع أنها لا زالت تحمل مسمى الجامعة العربية إلا أنها أصبحت كما يردّد الكثير من أبناء الشعب اليمني الجامعة العبرية وليست عربية.
ويشير الغرسي إلى أن دعواتها لتصنيف أنصار الله “منظمة إرهابية” وهو المكون الشعبي اليمني الواسع في لا يخدم سوى كيان العدوّ الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي انجرت وسارعت إلى تبني طلب من قبل دويلة الإمارات، مؤكّـداً أن هذا يسقط عنها القناع ويكشف حقيقتها ودورها المتواطئ في العدوان على اليمن واعطائه الشرعية ما تسمى بالعربية في العدوان على اليمن.
من جهته، يقول الباحث والمحلل السياسي الدكتور أنيس الأصبحي: إننا أمام عهد جديد للجامعة العربية لن يكون أحسن من قبل، بل سيكون أسوأ مما كانت عليه، بفضل أمينها العام وما يمتلكه من علاقات جيدة مع الكيان الصهيوني، فضلاً عن أن أعضائها يرون فيها منتزه لبعض مسئوليها.
ويقول الأصبحي في تصريح لصحيفة “المسيرة”: إننا أمام جامعة تحتضر، فيما يخُص ُّقضايا الوطن العربي ووقوفها مشلولة الأيدي في مواجهة مخاطر الأُمَّــة العربية الحقيقية، وفى المقابل تُضخ فيها دماء جديدة؛ مِن أجلِ التطبيع مع الكيان الصهيوني والعمل على تحويل ذلك العدوّ الأول للشعوب العربية إلى الصديق الحميم الذي ينبغي أن تكون العلاقات معه في أحسن حال، وهكذا فَـإنَّنا سنكون أمام جامعة للتطبيع العربي وليس جامعة للدول العربية.
ويزيد بالقول: لقد سقطت جامعة الدول العربية (العبرية) أخيرًا بعد غيبوبة طويلة استمرت منذ التدخل البريطاني في لحظة التأسيس لهذه المنظمة بعد الحرب العالمية الثانية خدمة للمخطّطات الاستعمارية في المنطقة العربية وإجهاض لمشاريع التحرّر والاستقلال والوحدة العربية، موضحًا أنها لم تكن نتاجاً عربياً أصيلاً، بل جاءت بفعل ترخيص بريطانيا للعرب بإنشائها واصطبغت بناء على ذلك بالصبغة الانجليزية معوضة (سياسية فرق تسد بسياسة وحد وأحكم).
ويؤكّـد الأصبحي أن محاولتها تصنيفَ أنصار الله بالجماعة الإرهابية إنما تعبر عن سقوطها المريع عن كُـلّ المواثيق الدولية ومنظماتها وميثاق الجامعة العربية (المادة الثامنة) التي تمنع التدخلَ في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء ونصَّت المادتان الخامسة والسادسة من الميثاق على تحريم اللجوء إلى استعمال القوة لفض المنازعات التي تنشأ بين الدول الأعضاء وأن من حق الشعوب الكفاحَ المشروعَ ضد الاحتلال وكفاحها للتحرّر والاستقلال وحق الشعب النضال للتخلص من العدوان والحصار والاحتلال.
ويشير إلى أن الجامعة العربية منذ تأييدها للمبادرة الخليجية، قد سلمت المِلَفَّ لدول العدوان وأصدرت بياناً في جلسة لها عقدت بشرم الشيخ في مارس آذار 2015م أشَارَت فيه إلى تأييدها الكامل لما يقوم به تحالف العدوان من إجراءات عسكرية وحصار وتجويع للشعب اليمني ولم تقوم بدورها لتطبيق ميثاقها والمواثيق الدولية والإنسانية والقيام بحل الصراع، وانما ساهمت به.
ويضيف: وهي بذلك تساهم بإعطاء الذرائع للدول الاستعمارية والكيان الصهيوني التي تتخذ من الإرهاب الأمريكي المعولم ذريعةً للقيام بأعمال عنف وعدوان وقصف وحصار وأعمال انتقامية ضد الشعب اليمني الرافض لسياسات الإرهاب وجرائم العدوان والاحتلال والإبادة، وَهي بذلك تريد تمرير المشاريع الاستعمارية وضرب للأمن القومي العربي وتمرير مشاريع التطبيع مع الكيان الصهيوني على جغرافية اليمن الاستراتيجية.
ويستطرد الأصبحي: “ليست هذه المرة الأولى لجامعةِ الدول العربية في التشريع للجرائم والاعتداء على البلدان العربية وارتكابها أَيْـضاً وكمثال حي سابقًا في أحداث ليبيا 2011، فَـإنَّ مجلس الجامعة هو من طلب من مجلس الأمن أن يتحمّل مسؤولياته وأن يفرض حظراً جويًّا وإقامة مناطق آمنة، أي أن مجلس الجامعة العربية قد قام بتدويل الأزمة في خروجٍ عن ميثاق الجامعة وبدليل قاطع على عجز الجامعة وعدم قدرتها القيام بمهامها.
ويتابع كلامه: “وفي سوريا عام 2011، عقدت الجامعة خلال أربعة أَيَّـام فقط اجتماعين طارئين لمجلسها بتاريخ 12/11 و16/11/2011 في ظاهرةٍ لم تحدث في تاريخها، فاتخذت مجموعةً من الإجراءات والعقوبات بشكل مفاجئٍ وسريعٍ ضد سوريا، منها: تجميد عضويتها (حالةٌ غير منصوص عليها في الميثاق، تم ابتداعها سابقًا مع مصر) في مخالفةٍ لنص المادة 18 منه، والاتصال مع أطياف المعارضة في الخارج ودعوتهم للاجتماع معهم في مقر الجامعة بالقاهرة، وإغلاق السفارات فيها. كما رفضت تقريرَ بعثة المراقبين التي شكّلتها بنفسها وما لبثت أن أنهت مهامَّها. وفي شهر مارس من العام 2013، قامت بمنح مقعد سوريا إلى الائتلاف السوري المعارض ودعت إلى تسليحه (وذلك في القمة الرابعة والعشرين في الدوحة). قامت الجامعة بتدويل الأزمة ونقل المِلف السوري إلى مجلس الأمن، وطلب فرض حظر جوي وتدخّل عسكري على أراضيها.
ويؤكّـد أن ما تقوم به الجامعة العربية لا يدعُ مجالاً للشك أن تنفيذَ “صفقة القرن” احتاجت إلى الكثير من الفوضى الخلّاقة، وإلى الكثير من “اتّفاقيات التطبيع” لكي يتم تمريرها.
ويُنهِي كلامَه بالقول: “لقد سقطت جامعة الدول العربية أخيرًا بعد غيبوبةٍ طويلةٍ استمرت منذ نشأتها، ولم يعد هناك من مبرّر لوجودها، فربما تكون الجامعة اليوم قد أنجزت سابقةً هي الأولى من نوعها، وساهمت في توحيد الأنظمة العربية في كلمة حقّ، لتعلن نبأ وفاتها.
من جانبه، يشير الباحث والمحلل السياسي وجدي الصراري إلى أنه لا يمكن قراءةُ موقف الجامعة العربية بعيدًا عن موقف السعوديّة التي تتحكم بالقرار فيها.
ويؤكّـد الصراري في تصريخ خص به صحيفة “المسيرة” أنه لا يمكنُ التعويلُ على أي موقف من قبل هذه المنظمة والتي على مدار تاريخها لم تقدم أية خدمة حقيقية لأيٍّ من قضايا الأُمَّــة العربية التي يفترض أنها تعبر عنها سواء القضية الفلسطينية أَو غيرها من القضايا كغزو العراق والحرب على سوريا، كاقتصار دورها على عقد القمم التي يتبادل فيها قادة الدول الأحاديث التي لا طائل منها.
وينهي الصراري حديثه قائلاً: “إن جامعة الدول العربية تحتاجُ إلى إصلاحٍ شاملٍ لتمارسَ دوراً ريادياً في تحسين أوضاع وخلق حلول لقضايا الأُمَّــة وتشكيل أدوات تعاون اقتصادي واجتماعي وإنساني بين رابطة الدول المشاركة فيها”.
ونخلُصُ مما سبق أن الهجومَ العسكري الكبيرَ على اليمن يرافقُه هجومٌ على كافة المستويات، تشترك فيه الأدوات العربية الطيعة لأمريكا وإسرائيل، سواء في الجانب الإعلامي أَو السياسي أَو الثقافي، فالمعركة شاملة، وهي تتجاوز الحدود العسكرية إلى مواجهة على كافة المستويات.
ويعد الانحيازُ الأممي و”العبراني” مع قوى العدوان على بلادنا، أبرزَ أسباب استمرارية الحرب، وهو المشجِّعُ للعدوان على تجاوز كُـلّ الخطوط المحرمة، واستهداف المدنيين بصورةٍ فجة وسافرة.