تفتُّقُ الأذهان في زمن العدوان
د. شعفل علي عمير
بسم الله الرحمن الرحيم قال تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شيئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شيئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَالله يَعْلَم وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَونَ) العدوانُ وما خلّفه من مآسٍ ودمار إلا أن ألطاف الله أرادت أن يكون لهذا العدوان والحصار جانبٌ إيجابي تمثل في إعمال العقل وتحفيز الحكة اليمانية، ومما لا شك فيه أن العدل الإلهي يقتضي أن تكون ألطاف الله التي تنزل على عباده المظلومين تكون بقدر ما أصابهم من ظلم الظالمين، فما وقع على اليمنيين من ظلم وعدوان مهول وكبير إلى الحد الذي لا تستطيع أية دولة مواجهته وتحمل تبعاته، فقد شمل كُـلّ جوانب الحياة فأراد الله أن يجعل من هذا الشعب قُدوة الصابرين وأول من صرخ في وجه المتكبرين بوعي وبصيرة المؤمنين، فزادهم الله حكمة وأنعم عليهم بعلمه تفتقت أذهانهم واستنارت عقولهم ففاجأوا العالم بما آتاهم الله من علوم ومعارفَ في شتى المجالات.
لم يعد الإنسانُ اليمني قبل العدوان هو نفسه ما بعد العدوان، والشواهدُ على ذلك كثيرة، ما قبل العدوان كان المجتمع يعيش دون أن يعيَ دورَه في الحياة، دون أن يستشعر مسؤوليته أمام الله، دون أن يعرف عدوه الحقيقي، كنا نعيش لأجل الحياة فقط، كان كُـلّ يوم يمر علينا هو خطوة إلى القبور، خطوة إلى الخلف ليس إلا، هذا هو حالنا قبل العدوان، كنا ننظر إلى ما يصنعه الآخرون بإعجاب بانبهار ولم نفكر يوماً أن بإمْكَاننا أن نكون أفضل منهم أَو حتى مثلهم لم يعد لدينا ثقة في أنفسنا كنا نرى الممكن مستحيل.
وبعد العدوان أصبحنا نرى أي اعتداء على أي جانب من جوانب حياتنا يمثل فرصة لاكتشاف مكامن ضعفنا وابتكار البدائل التي تكون خارج نطاق سيطرة العدوان، منعوا علينا استيراد الأسلحة للدفاع عن أنفسنا بعد ما دمّـروا ما كان موجودا فتوكلنا على الله وحقّقنا الاكتفاء الذاتي من الأسلحة، قطعوا علينا إمدَادات الغذاء فاعتمدنا استراتيجية وطنية لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء بقيادة اللجنة الزراعية والسمكية العليا التي حقّقت الكثيرَ من الأهداف.
أراد أعداءُ الله مكراً بنا فمكر الله لنا، اعتدوا علينا ليلاً فأيقظوا فينا نورَ الحكمة وأيقظوا المارد اليماني، أيقظوا فينا القوة لنكتشف في أنفسنا هذه الحكمة التي أودعها الله فينا والقوة التي زوّدنا الله بها، لم نكن نعرف بما وهبنا الله به من حكمة بالرغم من علمنا بحديث رسولنا الكريم عليه وعلى آله أفضلُ الصلاة والسلام القائل (الإيمان يمانٍ والحكمة يمانية) وهو الرسول الذي لا ينطقُ عن الهوى، لم نسأل أنفسنا يوماً لماذا اختص الله اليمنيين بالحكمة لم نبحث أن مكامن الحكمة في أنفسنا، فجاء المعتدون علينا بعد أن انغمسوا في أوحال العمالة والانحطاط بعد أن والوا أعداء الله ليقتلونا ليميتونا فأحيَوا فينا ما كان ميتاً، أيقظونا من سبات الغفلة فهيأ لنا الله القيادةَ الحكيمةَ التي نفّذ الله بها وعدَه للمؤمنين ووعيدَه للطغاة المتكبرين، فأصبحنا بعد العدوان نعيشُ الحياةَ الحقيقية التي وُجِدنا لأجلها في هذه الحياة التي جعلت من الإنسان اليمني يرى المستحيلَ ممكناً.
تلك الحياة التي جعلت كُـلَّ يوماً يمر من حياتنا خطوة إلى الكرامة بعد أن كانَ خطوة إلى القبور، أصبح كُـلّ يومٍ من حياتنا يمثل خطوة إلى الأمام بعد أن كان خطوةً إلى الخلف، فأية نعمة وأي لطف أكرمنا الله به، لم نكن نملك بل لم يكن مسموحا لنا أن نحلم مُجَـرّد حلم أن تكون لدينا قوة وقدرة في صناعة الأسلحة التي نواجه بها من يعتدي علينا، كنا نرى قدرتنا في صناعة الصواريخ البالستية والطيران المُسَـيَّر ضرباً من الخيال، فأصبح بعد العدوان والحصار أمراً واقعاً أذهل العالم وكسر شوكة المعتدين، فالحمد لله الذي لا يُحمد سواه ولا يُعبَدُ غيرُه.