جئتُ الحسينَ
مرتضى الحسني
سيدي لم آتي إليكَ زيديّاً باحثاً عن تجديدٍ في المذهبِ أَو طالباً خروجاً عن وليِّ أمرٍ ظالمٍ، ولم آتي إليكَ شافعيّاً باحثاً وجودَ زلّاتِ وتناقُضاتٍ بين المذهبَين، ولم آتيكَ وَهَّـابياً تكفيرياً لألقيَ عليك الشتيمةَ وَالسِّبَابَ والتقبيح، بل جئتُكَ طائشاً تائهاً حاملاً لتراكُماتِ دعواتٍ صادقةٍ من فؤادِ أُمٍّ بسيطةٍ متضرعةٍ باللهم أَنِـــرْ دربَه واهدِ قلبَه، ومع كُـلّ استجابة لكلِّ دعوةٍ إلا وَقدمايَ تهوي إليك ويُنسَجُ في قلبي طيفٌ لنورِك حتى وصلتُكَ واكتملَ نورُ بدرِك في وجداني.
جئتُكَ يا بضعةَ بتولِ المصطفى من مدينةٍ تُسمَّى العُدَينُ، تكسوها الخُضْرةُ وَالكثافةُ من الأشجار ويتخللُها الصفاءُ والنقاءُ والبساطةُ في أفئدةِ أهلِها إلى أن غزتها الجَهَالاتُ النجديةُ فجعلَتْ منها مُستنقعاً للشائعاتِ والخُرافاتِ والتدليسِ، نزغات قرنِ الشيطانِ ذاتِها التي جاهدتَها بالقُرآنِ وقاتلَتْك وحاصرتْكَ وقتلتْكَ مظلوماً شهيداً.
يا سيدي جئتُكم وقد اصطفاكمُ اللهُ بالشهادةِ وقرَّبكم منه فشدَّني إلى ملازمِكم نورٌ من وهجِها القرآني فمكثتُ أُقلِّبُها فوجدتُكم الحسينَ وزيداً والنفسَ الزكية في دُرُوسٍ من وحي عاشوراء ثُوَّاراً وأباة، ووجدتُكم صرخةً في وجهِ المستكبرين شامخاً غيرَ منكسِرٍ، ووجدتُ فيكم دبلوماسيةَ موسى وهارون في دروسٍ من سورةِ البقرةِ، ووجدتُكم الرَّسِّي إمامةً وحِكمةً في مديحِ القرآن، ووجدتُ فيكم المسيحَ مظلوميةً وقهراً ووجعاً وقتلاً.
سيدي لقد وجدتُ نفسي فَزِعاً من هولِ الضَّلالِ المحيط، وخنوعِ الرعاعِ والرَّعيةِ، وسَوْط الحاكمِ المستبدِ، مستضعَفاً لا أجد مَن أهتدي سبيلاً، ولا أجدُ رُكناً شديداً، ولما ركبتُ السفينةَ نجوتُ مع الناجين وهلكَ في اليَمِّ البقيةُ، وما أكثرَ الهالكين وأوسعَ السفينة!!، وبك اليوم ها أنا شامخاً شجاعاً أبياً، أحملُ القرآنَ في يميني وسراجَ الثورةِ في شمالي ومنطلقاً بعظمةِ مسيرتِكَ قُدُماً قُدُماً لا تُثنيني إرجافاتُ مرجفين ولا تُرهقُني قوةُ مستكبِرين ولا تصُدُّني جُدُرُ مَن ضُربت عليهم الذِّلةُ والمسكنةُ، وجعلتُ من دمي مُغتسَلاً من الخُنُوع ومن عظمي رُدينةً أجتثُّ به صياصَ وقلاعاً كانت أوكاراً للقتلِ والدمارِ وإطفاء نورِ الذي لن ينطفِ.
اليوم في ذكرى استشهادك سيدي يقفُ الموتُ حائراً وَمتأمِّلاً في عجزِه عن أخذِك من بين أنصارك وعظمتِك، وكلُّ هذا وأنت لم تَعِشْ إلا القليل، وقد صدق ابن عطاءِ الله السكندري عندما قال (رُبَّ عُمُرٍ اتسعت آمادُه وقلَّت إمدَادُه، ورب عمر قليلةٌ آمادُه كثيرةٌ إمدَادُه، فمَن بورك له في عمره أدرك في يسير من الزمن من مِنَنِ الله ما لا يدخل تحت دوائر العبارة ولا تلحقه الإشارة).