وكيل وزارة المالية أحمد حجر في حوار ل”المسيرة”: الحربُ الاقتصادية على اليمن أمريكيةٌ بامتياز ودول العدوان كانت تسيطرُ على الاقتصاد اليمني قبل 2015
أكّـد وكيلُ وزارة المالية لشؤون التخطيط، الدكتور أحمد حجر، أن تحالُفَ العدوان مارَسَ على الشعب اليمني كُـلَّ أساليب الحروب الاقتصادية المحرمة دوليًّا، مُشيراً إلى أن الحرب الاقتصادية على اليمن أمريكية بامتيَاز توجّـهها واشنطن نحو كُـلّ خصومها في العالم.
ونوّه في حوار خاص لصحيفة “المسيرة” إلى أن تزوير العُملة وطباعتها دون غطاء جاءت كخيارات بعد فشل كُـلّ الأوراق التي استخدمتها أمريكا في حربها على الشعب اليمني.
ولفت وكيل وزارة المالية إلى أن القرصنة على سفن المشتقات النفطية تعتمد عليها واشنطن بشكل كبير في حربها الاقتصادية؛ كون الوقود هو المحرك الأَسَاس لكافة القطاعات الخدمية والصحية والحيوية.
واستعرض الدكتور حجر جانبًا من الأضرار التي تعرض لها الاقتصاد اليمني بفعل الحرب الاقتصادية الأمريكية، مُشيراً إلى أن انهيار العُملة في المناطق المحتلّة كان نتاج سياسات خاطئة تعمدت دول العدوان تمريرها عبر مرتزِقتها للإضرار بالشعب اليمني، لافتاً إلى أن السياسات الاقتصادية الناجحة التي اتّخذتها صنعاء نجحت بشكل كبير في الحيلولة دون تحقيق الأهداف التي سعت دول العدوان بقيادة أمريكا لتحقيقها من وراء الخطوات العدوانية المتتالية في الحرب الاقتصادية.
وتطرق وكيل وزارة المالية إلى الارتهان الاقتصادي اليمني للخارج في عهد الحكومات السابقة، منوِّهًا إلى أن دول العدوان اتخذت خطوات الحرب الاقتصادية بناء على المعلومات التي كانت تمتلكها عن الاقتصاد اليمني، مضيفاً “كانت دول الخليج تحضر اجتماعات الحكومات اليمنية مع صندوق النقد الدولي، وكانت على اطلاع بكل المعلومات عن الاقتصاد اليمني”، وهو الأمر الذي يكشف جانباً من الارتهان والارتماء الذي كان ينتهجه النظام السابق في أحضان الدول التي تشن اليوم العدوان على اليمن.
وأشَارَ الدكتور حجر إلى أن حكومة الإنقاذ تسعى في إيجاد التدابير والحلول لمواجهة الحرب الاقتصادية بناء على التجارب التي مرت بها كُـلّ الدول التي تعرضت للحرب الاقتصادية الأمريكية، رغم شُحَّةِ الإمْكَانيات وانعدام معظمِها في ظل تصاعُدِ الحرب الاقتصادية، موضحًا أن دولَ العدوان تحاولُ جَنْيَ المكاسب غيرِ المشروعة من وراء الحرب الاقتصادية والحصار بعد فشلها في تحقيق تلك الأهداف من خلال الحرب العسكرية وكلّ الممارسات العدوانية التي مارستها بحق الشعب اليمني.
وعرّج الدكتور حجر على جانبٍ من التوصيات والمعالجات، فيما تطرّق إلى جُملةٍ من القضايا ذات الصلة، تستعرضها صحيفة المسيرة في نص الحوار، على النحو التالي:
المسيرة: حوار إبراهيم العنسي
– بداية دكتور.. كيف تنظُرُ إلى لجوء العدوان لتصعيدِ حربه الاقتصادية على البلاد في الآونة الأخيرة رغم تعالي بعض الأصوات الخارجية عن حاجة اليمن للمساعدات والإغاثة العاجلة؟
كما نعلَمُ فالحربُ الاقتصادية لدول العدوان ليست بالجديدة وليست حتى وليدة العام 2015 كما يظُنُّ البعض، فقد ظهرت بصورة جلية قبل العدوان، حَيثُ سعت دول العدوان إلى التضييق على عمليات التحويلات الخَاصَّة وهذا كان واضحًا في ٢٠١٤ أي قبل العدوان بعام، حَيثُ زعزعت استقرار البلاد بالتفجيرات والاغتيالات وقطع شبكات الكهرباء القادمة من مأرب، وهذا أَدَّى إلى انخفاض الناتج المحلي للبلاد بحوالي ١١ %، وبالتالي كانت هذه السنوات السابقة لإشعال فتيل العدوان على البلاد مقدمة لوجود اختلالات اقتصادية تسمح بانهيار سريع بداية العدوان لكن بفضل الله عز وجل لم يتحقّق لهم ذلك.
كما أن دولَ العدوان لديها معلوماتٌ كثيرة وبالأخص أنها كانت تشاركُ اجتماعات صندوق النقد الدولي مع اليمن وبالتالي كان لديها المعلومات الضرورية أن اليمن يعتمد بشكل كبير جِـدًّا على العالم الخارجي سواء في توفير السلع الأَسَاسية للغذاء أَو مدخلات الإنتاج أَو الاستثمار وبالتالي كانت أولى خطوات هذا العدوان السيطرة على مناطق الثروة الطبيعية لليمن حَيثُ كانت تعلم أن عائدات النفط والغاز لليمن كانت تمثل ٢٤ % من الناتج المحلي و٤٥ % من الإيرادات العامة للدولة في ٢٠١٤، إضافة إلى أن عائدات الاقتصاد القومي كانت تمثل ما يقارب ٣٥ % من النقد الأجنبي.
وإذا أضفت لهذه الأرقام القروض والمساعدات التي قطعت ستجد أن ٥٠ % من عائدات الاقتصاد القومي قد تم إخراجها من الخدمة وتم تحييدها تماماً.
وفي الوقت الذي تعتمد فيه البلاد على أكثر من ٣٤ % من الطلب المحلي على العالم الخارجي، فكان السيناريو المرسوم أن يكونَ هناك شُحَّةٌ في النقد الأجنبي وانخفاض في الناتج المحلي واعتماد على العالم الخارجي، وكُلُّ ذلك سيؤدّي بالتالي للانهيار الاقتصادي قبل الانهيار العسكري، وهكذا أرادوا أن يستعجلوا الانهيارَ لتنفيذ مخطّطهم على نحوٍ سريع.
– لكن هذا لم يحصل.. ما السبب؟
بفضلِ الله عز وجل وفي ظل المجتمع اليمني الصابر الجسور وحكمة بعض السياسات الاقتصادية التي تم الأخذُ بها هي من حالت دون ذلك، لتفشل معها حيّل العدوّ على كُـلّ المسارات.
– بعد هذا الفشل، كيف لجأ العدوان إلى أساليب أُخرى ومرحلة أُخرى من التصعيد؟
عندما فشلوا لجأ العدوان إلى نقل البنك المركزي اليمني إلى عدن ونقل نظام المعاملة الدولية “سويفت”؛ بهَدفِ حرمان الاقتصادِ الوطني من النقد الأجنبي واحتياطيات البنك المركزي اللازمة لتوفير السلع الأَسَاسية والسيطرة على القروض والمساعدات الآتية من الخارج إلى جانب استخدام أدوات السياسة النقدية في الحرب الاقتصادية.
ومن آثار ذلك أن قاموا بطباعة العُملة وأُغرقت السوقُ المحلي بها إلى جانب أنها قامت برفع أسعار الفائدة؛ مِن أجلِ زيادة عبء الدين العام وتكاليف الاستثمار وقامت في نفس الوقت برفع سعر الصرف الرسمي إلى حدود مرتفعة حتى ينعكسَ سعرُ الصرف على أسعار السلع الأَسَاسية حين يتم تمويلُها وبالتالي ترتفع أسعارُها.
وإضافة إلى أنها تخلت عن إدارة أعباء الدين العام والذي كان يمثل العبء الأكبر على الموازنة العامة ويعتبر المحرك الرئيسي للجهاز المصرفي بحيث تكون عبئاً ثقيلاً على الدولة في صنعاء فإما أن ينهار الجهاز المصرفي وإما أن تتحمل الحكومة أعباءه، وبالتالي تحملت حكومة الإنقاذ في صنعاء أعباء هذا الدين الداخلي وإدارته رغم الظروف التي كانت حاصلة وقتها، حَيثُ كانت تكاليف عبء هذا الدَّين حوالى ٥٠ % من ميزانيةِ الدولة في ظل الظروف السيئة.
ما يعني أن الحرب الاقتصادية كانت في أَشَدِّها وبمختلف أدوات الحرب الاقتصادية التي استخدمت جميعها.
كما أن دول العدوان عندما رأت إرادَةً حقيقيةً من المجتمع لتحمل أعباء العدوان مع إدارة الدولة ببعض السياسات للحد من الآثار السلبية ونجاحها في ذلك إلى جانب النجاح العسكري، بعدها اعتبرت قوى العدوان أن الأدَاةَ الرئيسيةَ لانهيار الاقتصاد هو في إصدار العُملة المزوَّرة وقبلها المطبوعة بدون غطاء.
– لماذا هذا الأمر برأيك؟
تزويرُ العُملة الذي لجأ إليه العدوُّ لم يكنْ مِن أجلِ حركة النشاط الاقتصادي؛ كون العُملة الرسمية الموجودة في الاقتصاد تفوقُ احتياجات المجتمع، إلى جانب أن الجزءَ الأكبرَ من السيولة النقدية المتوفرة هي بيد دول العدوان وليست في صنعاء.
والهدف أن يقوم كبار العملاء والمرتزِقة والخلايا النائمة الاقتصادية بسحب النقد الأجنبي من الاقتصاد المحلي.
– سحبُ هذا النقد لصالح حكومة المرتزِقة أم لصالح العملاء والهوامير؟
ليس لحكومة المرتزِقة هناك ولا لإدارة الاقتصاد بل لتهريبها للخارج، وبالتالي كان هدفهم بهذا الفعل أن يوصلونا للعجز عن استيراد أي شيء؛ لأَنَّ الاستيرادَ -كما هو معروف- يتم بالنقد الأجنبي.
بمعنى أنك لا تستطيعُ أن تستورد غذاء أَو دواء أَو مشتقات نفطية أَو مدخلات إنتاج، وبالتالي الوصول للانهيار الاقتصادي.
وهكذا كان سيناريو طباعة وتزوير العُملة غير القانونية كورقة من أوراق المواجهة الاقتصادية بدليل أن المحافظات الجنوبية لديها عائدات النفط والمساعدات والقروض وجزء من التحويلات إضافة إلى أنهم لا يتجاوزون ٢٠ % من السكان أي أن متطلباتهم محدودة.
ورغم ذلك سعر الصرف لديهم عال، والسبب أن النقد الأجنبي الذي يتم نهبه من تلك المحافظات أَو من هنا يحول مباشرة إلى الخارج للمفسدين من العملاء ومفسدي دول العدوان نفسها، هناك هوامير الفساد التي لديها استثماراتها الخارجية.
وأوضح دليل على ذلك ما كشفته مجموعة دول أن بعضَ المسؤولين اليمنيين أصبحوا في المراكز الأولى في دول مثل تركيا والأردن ومصر وماليزيا.
– إلى جانب أن هناك تقديراتٍ تتحدث عن ما يزيد على ١٠٠ مليار دولار كاستثمارات يمنية في الخارج؟
بالفعل فقد قدرت بعض المنظمات أن هناك حوالى ١١٠ مليارات دولار استثمارات يمنية خارجية وهذا ما هو ظاهر للآن وما خفي كان أعظم.
وبهذا فَـإنَّ ألطافَ الله عز وجل والصمود الأُسطوري لليمنيين وما حقّقته المؤسّسةُ العسكرية من تطورات على مستوى الإنتاج العسكري مع النصر العسكري الكبير لجيشنا ولجاننا الشعبيّة، كُـلّ هذا أفشل العدوّ ورده خائباً.
– مع فشل العدوان والمرتزِقة في سحب العُملة الأجنبية واستمرار صنعاء في شراء احتياجات البلاد.. هل تبدو مسألة حجز المشتقات النفطية خيار آخر لحربها الاقتصادية؟
هو كذلك مع أن هذه السفن المحملة بالوقود تخضع للتفتيش الدولي، ومع العلم أن هذا الفعل محرَّمٌ أَسَاساً على المستوى الدولي، والهدفُ الرئيسي هو خنقُ الاقتصاد والشعب معاً، فالوقودُ يدخل في كُـلّ الأنشطة الاقتصادية الصناعية والزراعية والصحية والخدمية وكلّ المجالات.
وبالتالي عند حجز تلك السفن ترتفعُ تكاليف تأخير التفريع إلى جانب ما تأخذُه حكومةُ العملاء من إتاوات إلى جانب تكاليف الشحن والتأمين التي تبقى مرتفعة؛ كون مناطق التفريغ ذاتِ خطورة مرتفعة كمناطق حرب وكُلُّ هذه عوامل ترفعُ من تكلفة الإنتاج ومستوى العام للأسعار إلى جانب عمليات النقل والتحميل، وكُلُّ هذا في ظل انخفاض مستوى الدخل.
أي السعي لإيصال الدولة لمرحلة الفشل فالدولة عندما لا تستطيع أن توجد أنشطة اقتصادية ستنعدم إيراداتها وستنهار ويصل المجتمع إلى مرحلة عدم التحمل وهذا ما لم يحقّقوه ولن يحقّقوه؛ لأَنَّهم لم يعرفوا هذا الشعبَ جيِّدًا بصبره وبأسه وكرامته
– كيف أثّرت القيودُ التي فرضها العدوان على الحوالات والمعاملات البنكية في الخارج على البنوك اليمنية؟
حقيقةً أن هذه القيودَ هي إحدى وسائل الضغط التي تستخدمُها أمريكا في حروبها مع الدول، كالصين وإيران وسوريا وروسيا وغيرها من الدول، لكن هذه الدولَ استطاعت أن تضعَ دراساتٍ لمعالجة هذه المشكلة.
– مقابل هذه القيود كيف لصنعاء تجاوزها كما تفعل الدول التي تفرض عليها نفس العقوبات؟
لدى الحكومةِ في صنعاء فرصةٌ لدعم فنيين من الجهات المختصة لعمل دراسات علمية لتقييم الواقع وإيجاد حلول منطقية للمشكلة.
من المفترض أن يتم فتح منافذ أُخرى مع دول شرق آسيا التي تضاهي اليوم الاقتصاديات الكبرى، عوضاً عن أي تعامل اقتصادي مع دول العدوان، لتعويض السوق المالية، فالعديدُ من هذه الدول لا تشترطُ وارداتِك بالدولار، كما يمكنُ لصنعاء أن تصدِّرَ لهذه الدول بعضَ المنتجات اليمنية التي يمكنُ أن تساعدَ في رفد الاقتصاد الوطني كالعسل والفواكه والخُضار وغيرها.
– كخبيرٍ ومتابِعٍ للمشهد، ومقابلَ أرقام وإحصائيات المنظمات الدولية حول حاجة اليمنيين للغذاء.. أين هو الرأيُ العام العالمي؟
الرأيُ العام العالمي مغيَّبٌ عن الصورة، وإن بدأت بعض الأمور تتضحُ له ويرى مَـا هو العدوان على اليمن كعدوان استعماري سافر يعتمد أقذر الأدوات.
وأنا في تصوري أن الرأيَ العام يغيَّبُ؛ بسَببِ موجّهات الإعلام الغربي والمال السعوديّ الإماراتي في تعتيم الصورة.