المشروع القرآني تحصينٌ للأُمَّـة في صراعها مع أعدائها
أم الحسن أبوطالب
في ذكرى استشهاد شهيد القرآن السيد حسين البدر سلام الله عليه صاحب المشروع القرآني ومؤسّس المسيرة القرآنية وبعد ثمانية عشر عاماً على ذكرى رحيله نجدد الولاء ونجدد العهد بالوفاء على ذات الدرب الذي رسمه الشهيد القائد وسار عليه وبذل روحه ودمه دفاعا عنه درب الهدي القرآني درب الحرية والكرامة ومواجهة الطواغيت ورفض التبعية لهم أَو الخضوع لهيمنتهم والصرخة في وجه كُـلّ المستكبرين في الأرض.
من منطلق الشعور بالمسؤولية ومن الحرص الشديد على الأُمَّــة والاهتمام بها والحزن على ما آلت إليه الأمور فيها من ضعف وضياع ومن هيمنت أعدائها عليها وتدخلاتهم وفرض سيطرتهم على سياساتها وتوجّـهاتها، كانت انطلاقة الشهيد القائد في مشروعه القرآني الذي تكمن أُسسه وقوته على ارتباطه بالهدي القرآني الذي فيه هدى ونور لمن سار وفق نهجه ووفق هديه وتوجيهاته، وفيه تبيانٌ لكل شيء، والذي ومن خلاله عرف الشهيد القائد حقيقة الأمور وماهيتها من خلال نظرة قرآنية صائبة تقرأ الأحداث بواقعية وتربطها بنتائج تترتب على المواقف التي يمكن اتِّخاذها تجاه كُـلّ حدث وما ستؤول إليه الأمور إن نحن تخاذلنا وتكاسلنا تجاه المواقف التي تتطلب حركة ووعي وكل ذلك من منظور قرآني متكامل.
المشروع القرآني جاء كتحصين للأُمَّـة الإسلامية التي وصلت إلى حالٍ سيءٍ جِـدًّا استطاع فيه أعدائها بسط نفوذهم عليها لإخضاعها وإحكام سيطرتهم عليها، في إطار تحسين واقعهم العدائي تجاه الأُمَّــة الإسلامية ليخدعوا أُولئك الذين لا يملكون وعيا ولا بصيرة في فهم الأمور فأصبحوا يستجيبون شيئاً فشيئاً لتلك الدعاوى وتنطلي عليها تلك المحاولات لحرف بوصلة العداء عن العدوّ الحقيقي المتمثل في أمريكا وإسرائيل إلى جهات أُخرى تظهر العداء لهما فتوجّـهوا إلى عناوين شتى لتحقيق تلك الغاية فمرة تأتي باسم السلم والتعايش مع الآخر وتارة أُخرى تأتي باسم الدين.
من هناء برزت أهميّة المشروع القرآني في التصدي لتلك المسميات وفضح أباطيلها وكشف حقيقتها من خلال النصوص القرآنية الواضحة والصريحة، والوقائع والأحداث التي تؤكّـدها على مر التاريخ، والتأكيد أن ما يروج له الأعداء من أن اليهودية والنصرانية ديانتان سماويتان هو باطل ولا يجوز التصديق به أَو التعامل معهم على هذا الأَسَاس وذلك في ظل ما تعرضت له الكتب السماوية التي نزلت على انبيائهم من تحريف وتبديل وكذب وافتراء منهم وتبديلهم لما فيها وفق أهوائهم وبما تشتهي أنفسهم، فأصبحوا بذلك خارج دائرة الدين التي أرادها الله لهم والتي تأتي كلها في إطار الدين الإسلامي الواحد الذي قال الله تعالى عنه في كتابه “ومن يبتغِ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين”.
لقد استطاع الشهيد القائد من خلال المشروع القرآني رسم ملامح لحقيقة الصراع مع العدوّ الأمريكي والإسرائيلي والتأكيد عليه وأنه لا يمكن حقيقةً أن ينتهي أَو يتغير أَو يتبدل تبعاً لمواقف مسالمة أَو خاضعة له فالقرآن الكريم أكّـد على ذلك وشرح نفسيات الأعداء وحقيقة توجّـهاتهم ومساعيهم وخبثهم ومكرهم ووضح تلك النظرة العدائية والدونية والمليئة بالحقد والكراهية التي يحملها أُولئك الأعداء للإسلام والمسلمين بل وللبشرية جمعاء وأكّـد أَيْـضاً أنها ثابته لديهم ولا يمكن تغييرها أَو تبدلها بأي حالٍ من الأحوال.
المشروع القرآني جاء في إطار توجّـهات الشهيد القائد لنصرة دين الله والمستضعفين في أرضه والنهوض بالأمة من غفلتها وذلها وهوانها جاء أَيْـضاً بما يضمن استمرار هذه النهضة وهذه المسيرة وهو الوعي والبصيرة وفهم حقيقة المواقف والأحداث من خلال رؤية قرآنية ثاقبة تتجلى فيها الحقائق وتنجلي معها كُـلّ الأباطيل والملابسات التي يروج لها الأعداء عبر عملائهم في الداخل فمتى ما عرفنا عدونا الذي عرَّفنا الله به في القرآن عرفنا توجّـهاته ومساعيه ونفسياته وأهدافه استطعنا من خلال تحَرّكنا بحركة القرآن أن نحصن أنفسنا من مكائده واختراقاته واستهدافه لنا والنجاة بأمتنا من المستنقع الذي يحاول العدوّ جاهدا جرنا إليه لنخسر دنيانا وآخرتنا.
إن استهداف الشهيد القائد من قبل الأعداء، يؤكّـد بما لا يدع مكان للشك صوابية هذا المشروع القرآني الذي أسسه الشهيد القائد وتأثير المواقف التي يتبناها هذا كسلاح المقاطعة والصرخة في وجه المستكبرين وأن المشروع القرآني يمثل الخلاص لأمتنا من حالة الخنوع والخضوع لأعدائها وهو من سيعيد لأمتنا العزة والكرامة والشرف والحرية الحقيقية هذه الحالة التي يسعى الأعداء لسلبها منا وإبعادنا عن ما يمكن أن يوصلنا إليها؛ لأَنَّها تشكل خطرًا حقيقيًّا عليهم في إطار توجّـهاتهم لاستعباد الآخرين وسلبهم حرياتهم والسيطرة عليهم.
نعم لقد حقّقوا غايتهم باستهدافهم للشهيد القائد واستشهاده كان بمثابة نصرٍ كبيرٍ لهم كونهم اعتقدوا بأنهم بذلك قضوا على المشروع القرآني وهدّوا أركانه ناسين ومتجاهلين أن بقاء المشروع القرآني محفوظ بحفظ الهدي الذي قام عليه وجاء منه، ومكفول بقيام المؤمنين بمسؤولياتهم وَتأدية الأدوار التي يحب عليهم تأديتها والقيام بها في إطار الجهاد وبذل المال والنفس في سبيل هذا المشروع العظيم، رحل الشهيد القائد عنا جسدًا وتجسدت باستشهاده في أروحنا كُـلّ معاني التضحية والعطاء والبذل وبات حياً فينا بمشروعه ورؤيته القرآنية وتحليلات تلك الوقائع والأحداث التي حكى لنا عنها وشاهدناها واقعا ملموسا نعيشه بكل تفاصيله وتدرجاته.
سلام الله على شهيدنا القائد وعلى هديه الذي اخرج أمتنا من الخضوع والمذلة، المشروع الذي غيّر واقعنا وأعزنا الله به وأكرمنا ونلنا به حريتنا وتحدينا به طواغيت الأرض غير آبهين بعدتهم وعتيدهم فمن يعرف اللهَ حقَّ معرفته محالٌ أن تخيفَه قوةُ أي مخلوق آخر.