“أرامكو” تتلقّى ضربةً أولى من حساب ردع جديد: “كسرُ الحصار” عسكرياً
القوات المسلحة تدشّـن مسارًا ناريًّا عابرًا الحدود ردًّا على احتجاز سفن الوقود:
– تسع طائرات تقصفُ مصفاة ومنشآت نفطية وأهداف أُخرى في العمق السعوديّ
– سريع يعلنُ حالةَ تأهب عسكرية قصوى لتنفيذ المزيد من الضربات
المسيرة | ضرار الطيب
دشّـنت القواتُ المسلحة، أمس الجمعة، مسارًا جديدًا لعمليات الردع العسكرية العابرة للحدود، حَيثُ أعلنت تنفيذَ “عملية كسر الحصار الأولى” ضد منشآتٍ تابعةٍ لشركة “أرامكو” النفطية السعوديّة، عصب اقتصاد المملكة، رَدًّا على استمرار تحالف العدوان باحتجاز سفن الوقود ومنعها من الوصول إلى ميناء الحديدة ومضاعفة الأزمة الإنسانية في اليمن، وهي عمليةٌ حملت العديدَ من الرسائلِ الاستراتيجية لدول العدوان ولرعاتها الدوليين الذين باتوا اليوم أكثر تأثرًا بتداعيات ضربات الردع اليمنية على منشآت النفط السعوديّة، في ظل الوضع الحسَّاس الذي يشهده العالم، الأمرُ الذي يحوِّلُ رفعَ الحصار من ورقة “ابتزاز” بأيديهم إلى “ضرورة” لا يستطيعون تجاوزها.
العمليةُ -بحسب ناطق القوات المسلحة العميد يحيى سريع- نُفذت بتسع طائرات مسيرة، منها ثلاثُ طائرات “صمَّـاد3” استهدفت مصفاةَ “أرامكو” في العاصمة السعوديّة الرياض، وسِتُّ طائرات “صمَّـاد1” استهدفت منشآتٍ أُخرى تابعة للشركة إلى جانب مواقع حسَّاسة في أبها وجيزان.
النظامُ السعوديّ اعترف بالعمليةِ قبل الإعلان عنها، لكنه لجأ إلى محاولةِ التقليل منها، حَيثُ زعم أن طائرةً مسيَّرةً واحدةً استهدفت مصفاة الرياض، وتسبب بحريقٍ تمت السيطرة عليه، وهو أمر يُسَلِّطُ الضوء مجدّدًا على المأزق الذي تعيشُه المملكة في ظل عجزِها الدفاعي، وفشل كُـلّ محاولاتها لتجاوز هذه المشكلة، بما في ذلك محاولات التضليل الإعلامي التي باتت مكرّرة إلى حَــدّ أنها تكذب نفسها بنفسها.
يمكن القول إن حدوثَ الضربة -بغض النظر عن تفاصيلها- كان متوقعًا، حَيثُ وجهت صنعاءَ خلال الفترة الأخيرة رسائلَ وعيد واضحةً أكّـدت على أن عواقب الأزمة التي سببها احتجازُ سفن الوقود ستطال المنشآت النفطية في دول العدوان، ويبدو أن الرياض قد اختارت كالعادة تجاهل تلك التحذيرات فقط لتختبرها بشكل عملي!
لكن، وبشكل متميز عن كُـلِّ ضربات الردع السابقة، جاءت هذه العمليةُ واضحةً ومباشرةً تماماً وبصورة مفاجِئة في أهدافها ومدلولاتها، فعنوانُها كان إعلانًا صريحًا عن تدشين مسار عسكري خاص لـ “كسر الحصار”، والإشارة إلى كونها عمليةً “أولى” كانت دلالةً على أن هناك استراتيجيةً عسكريةً معدة ومتكاملة لتحقيق الهدف المعلن لهذا المسار، في حال استمر تحالف العدوان بالتعنت.
هذا أَيْـضاً ما حرصت القواتُ المسلحة على التأكيد عليه بعبارات صريحة، حَيثُ أوضح العميد سريع أن “القواتِ المسلحةَ لن تتردّدَ في الردِّ المشروعِ على الحصارِ الظالمِ وأنها في حالةِ تأهبٍ قصوى لتنفيذِ عملياتٍ عسكريةٍ رَدًّا على منعِ دخولِ المشتقاتِ النفطية”.
وإذن، فالمسألةُ ليست مسألةَ كميات وقود يجبُ الإفراجُ عنها الآن فحسب، فالتوجُّـهُ المعلَنُ لكسر الحصار عسكريًّا، يعني أن “الحصارَ” نفسَه كسلاح وكـ”ورقة” في يد العدوّ، أصبح جُزءًا من معادلة ردع جديدة تقومُ على مبدأ “العينُ بالعين” شأنُه شأن التصعيد العسكري في الجبهات أَو ضد المدنيين، وهذا يعني تحوُّلًا جذريَّا وضخمًا في المشهد؛ لأَنَّ العدوّ قد فشل فعليًّا وبشكل تام في الميدان العسكري.
تحوُّلٌ من شأنه أن يقلِبَ الطاولةَ التي حاول تحالفُ العدوان طيلةَ الفترة الماضية، وبحرص أمريكي معلَن، على أن تكون “الصفقةُ” الوحيدةُ المطروحة عليها هي مقايضةَ الواردات المشروعة بتنازلات عسكرية وسياسية.
الآن انعكست “الصفقةُ” لتحل “سلامةَ” المنشآت النفطية للعدوان محل “التنازلات” التي كان يطمح إليها، وهذه معادلة ليست جديدًا كليًّا، فاستهدافُ عصب الاقتصاد السعوديّ كان دائماً جزءًا من كُـلّ مسارات الردع الصاروخي والجوي تقريبًا، كما أن القوات المسلحة قد أعلنت سابقًا عن اعتبار الحصار عملًا عسكريًّا، لكن تخصيصَ مسار ردع كامل لمواجهة منع سفن الوقود (إلى جانب بقية إجراءات الحصار) هو أمر جديد، ومقلقٌ للغاية بالنسبة للسعوديّين والأمريكيين.
و”كسر الحصار” عسكريًّا ليست معادلةً يمكن للرياض أَو واشنطن “احتواؤها” أَو الالتفافُ عليها؛ لأَنَّ احتمالاتِها غيرُ محدودة، وَإذَا اعتبرت العملية “الأولى” نموذجًا أوليًّا، فيمكنُ القولُ قبل كُـلّ شيء أن فرصَ تعرض “أرامكو” للقصف تضاعفت كَثيراً، وأن كلفةَ “تجاهل” تحالف العدوان لمتطلبات لمعادلة المفروضة ومحاولات كسب الوقت للالتفاف عليها ستكون كبيرة جِـدًّا، وهذا فقط بالنسبة لأرامكو، لكن الاحتمالاتِ أكبر من ذلك، وستشمل المطارات والموانئ بلا شك.
وتمتلكُ صنعاءُ في هذا السياق كُـلَّ نقاط القوة المطلوبة لجعل هذه المعادلة أمرًا واقعًا لا يمكن تجاوزه، فالقدراتُ العسكرية تتعاظم بتسارع كبير، ووفقًا لمؤشر التصاعد في تطور العمل العسكري تصنيعًا وتخطيطًا وتنفيذًا، فَـإنَّ صنعاءَ تمتلكُ بالفعل القدرةَ على شن هجمات أوسع وأشدَّ تدميرًا من كُـلّ ما سبق تنفيذه منذ بدء العدوان وبشكل يتجاوز التوقعات، كما أن تجارب السنوات الماضية يؤكّـد بوضوح تميزًا مدهشًا في التعامل مع عنصر التوقيت، وبـ”نَفَسٍ طويل” لا يمكن وضع سقف لمواجهته.
عمليةُ “كسر الحصار الأولى” جسّدت مجدّدًا هذا التميُّزَ في التعامل مع عنصر التوقيت، فاستهدافُ “أرامكو” اليوم، برغم أن عددَ الطائرات المستخدمة فيه أقلُّ مما استخدم في عدة عمليات سابقة، إلا أن تداعياتِه أكثرُ حساسيةً وإرعابًا للنظام السعوديّ الذي يواجه ضغوطًا أمريكية لزيادة إنتاج النفط؛ مِن أجلِ التعامل مع التأثير الكبير للصراع في أوكرانيا على إمدَادات الوقود العالمية.
وبالتالي فرسائلُ معادلة “كسر الحصار” موجَّهةٌ أَيْـضاً وبصورة مباشرة إلى الولايات المتحدة، والإدارة الدولية للعدوان؛ لأَنَّ شَنَّ المزيد من الضربات (التصاعدية في شدتها وسعتها) على منشآت النفط في دول العدوان، يعني قفزَ أسعار النفط في العالم نحو مستويات ربما غير مسبوقة أبدًا، وبمنطقِ واشنطن نفسها فَـإنَّ هذه “ورقةٌ” أقوى بكثير من ورقة احتجاز سفن الوقود في البحر الأحمر.
خلاصةُ هذه الرسائل أن رفعَ الحصار على اليمن أصبح اليومَ “ضرورةً” ملحةً لتحالف العدوان ورُعاته الدوليين أكثرَ من أي وقت مضى، وهي ضرورةٌ تدرجت شدةُ إلحاحِها على امتداد السنوات الماضية لكنها قد وصلت اليوم بحنكة القيادة اليمنية إلى نقطةٍ حسَّاسَةٍ للغاية سيكونُ تجاهُلُها مجازفةً خطيرةً.
ليس من المتوقَّعِ أن تتعاطى الولاياتُ المتحدةُ مع هذه الحقائق، ومنهجُ إدارة بايدن بشأن اليمن يرجِّحُ احتمالاتِ اللجوء إلى المناورة مجدّدًا؛ ولذا فمن المتوقَّعِ أن تُفصِحَ معادلةُ “كسر الحصار” العسكرية عن المزيد من تفاصيلها في عمليات قادمة، لكن الرسائلَ قد وصلت بالفعل في هذه العملية، ولجوء العدوّ إلى محاولة الالتفاف على مقتضيات هذه المعادلة لن تعنيَ أن لديه مخرجاً، بل ستعني أنه يكابر، أَو أنه يواصلُ الفرارَ من استيعاب الحقيقةِ التي رآها منذ العامِ الأولِ للعدوان، وهي أن اليمنَ لن يُهزَمَ في هذه المواجهة.