عالميةُ القيادة من عالمية المشروع .. بقلم د. فاطمة بخيت
واقعٌ مظلم، صراعات، انحرافات، باطل مهيمن، صوتُ الحق لا يكاد يُسمع، أُمَّـةٌ خانعةٌ وذليلة، سيطرَ عليها الخوفُ والرعب؛ بسَببِ قوى الاستكبار، حكامٌ مسلمون أصبحوا جنوداً للباطل، إسلامٌ طُمِسَت معالمُه، تَيْهٌ مريب، وضعٌ متدهور من سيء إلى أسوأ.
في ظل ذلك الوضع اقتضت العدالةُ الإلهيةُ وسُنَّةُ الله في الهداية أن يصدَحَ صوتُ الحق في وجه قوى الكفر والضلال ليعيدَ الأُمَّــةَ إلى جادة الصواب وينتشلَها من مستنقعِ الخُسرانِ والشقاءِ، فكان أن اصطفى الله من العترة الطاهرة من يستشعر المسؤولية تجاه هذا الدين وهذه الأُمَّــة، أُمَّـة جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.
فجاء السيدُ حسين بدرالدين الحوثي –رضوانُ الله عليه- هادياً ومعلّماً ومربياً وقائداً للأُمَّـة إلى بَرِّ الأمان، حاملاً هَمَّها ومستنهضاً لها لمواجهةِ الخطر المحدِق بها من كُـلّ اتّجاه، موضِحًا الأساليبَ والوسائلَ التي يستخدمها العدوُّ في حربه لها.
فكانت دروسُه ومحاضراتُه منهجَ حياة متكاملاَ يستقي معينه من هدي القرآن، منهج الفوز والنجاة للبشرية من الضلال والضياع، دروسٌ يهتدي بها من وعاها وجعلها دستوراً لحياته، دروسٌ شغف بها الكثيرون لما تحويه من الهدى والنور، دروسٌ رسخت معنى الهُــوِيَّة الإيمَانية التي عُرف بها هذا الشعبُ منذ القدم، الهُــوِيَّة التي يسعى الأعداءُ لسلبها منه، ليعيشَ بلا دين ولا هُــوِيَّة ولا قيم ولا مبادئ، ليسهُلَ عليهم ضربُه والسيطرةُ عليه من خلال مشاريعهم التدميرية التي تمضي وفق المشروع الصهيوني الإمبريالي العالمي، ليتسنى لهم رسم معالم “الشرق الأوسط الجديد” الذي يمكِّنُهم من الهيمنة والتحكم بكل شيء وسلبِ الحقوق والحريات.
لقد تنبَّهَ الشهيدُ القائدُ –رضوانُ الله عليه- لخطورةِ الوضعِ من خلال الواقعِ والأحداث وربطها بآيات القرآن الكريم ليخرجَ برؤية قرآنية تعطي نظرةً استباقيةً لما ستؤول إليه الأحداثُ، في خطوة عظيمةٍ لتأصيلِ المشروع القرآني الذي يربطُ الواقعَ بالقرآن، كمنهجِ حياة متكامل يكفل السعادة لبني البشر.
لكن؛ لأَنَّ الباطل يضيق ذرعاً بكل صوت يصدح بالحق، كُـلّ صوت يناهض مشروعهم الشيطاني، فقد سعوا بكل طاقاتهم وإمْكَاناتهم الهائلة والحديثة، وجيوشهم الكبيرة لمواجهة ذلك المشروع عن طريق السلطة الظالمة والعميلة في ذلك الوقت، حرب وحشية وظالمة بكل المقاييس، ستخلدها صفحات التاريخ السوداء، لتعكس مدى المظلومية التي تعرض لها الشهيد القائد مع ثلة من المؤمنين المجاهدين الصادقين، الذين بذلوا الأموال والأرواح فداء لهذا المشروع، وراهنوا على قوة الله في التصدي لكل تلك القوى التي سعت للقضاء عليه.
إنّ الكلام عن المشروع القرآني والتضحيات التي قدمها الشهيد القائد –رضوان الله عليه- لا يمكن أن ينحصر بمدة زمنية معينة، أَو مناسبة معينة، بل كلام عن حدث غيَّرَ الكثيرَ من المفاهيم وصحَّحَ الكثيرَ من الرؤى والتوجّـهات، حدثٌ يمكنُ أن نربطَه بأي حدثٍ يجري في هذه الفترة الزمنية أَو تلك؛ لأَنَّه متعلقٌ بالمشروع الإلهي الذي يتعلق بكل أبناء هذه الأُمَّــة التي تعيش المصيرَ نفسَه، وتواجه التحديات والمؤامرات نفسها، وما تزال حربُهم على هذا المشروع العظيم قائمةً، وما تزال التضحيات مُستمرّةً حتى يومنا الحالي، عن طريقِ مواجهة هذا العدوان الكوني الغاشم الذي يشكلُ امتداداً لحروبهم على الشهيد القائد ومن بعده السيد القائد -رضوانُ الله عليهما- والذي ضمَّ أعتى قوى الأرض، يرافقُه سكوتٌ مخزٍ من قبل أدعياء الإنسانية وحقوق البشر، ليقفَ هذا الشعبُ بالنيابةِ عن الكثيرِ من شعوب العالم في مواجهة قوى الباطل والضلال، وعلى مدى سبعة أعوام.
وها هو اليومَ يتأهَّبُ لتدشين العامِ الثامن للصمود الأُسطوري الذي أذهل به العالَمُ، لعدمِ تكافُؤ الفريقين عُدَّةً وعتاداً، بل أثبت فشلَ قوى الشر ومَن تحالف معهم؛ لأَنَّ السُّنَّةَ الإلهية حالت دون ما يريدون، وسينتصرُ مَن يسعى لإعلاء كلمة الله ومواجهة أعدائه، طال الزمانُ أم قَصُرَ.