تأكيداتُ قائد الثورة ومبادرة الرئيس وضربات “كسر الحصار” تلتقي عند نقطة تحول تأريخية في مسار “حسم” المواجهة .. القيادة اليمنية تؤمِّنُ مكاسبَ “النفَس الطويل”: واقعٌ جديدٌ على بعد 3 أيام فقط
المسيرة | ضرار الطيب
في ظل الأحداثِ المتسارعة مؤخّراً، برزت بوضوحٍ ملامحُ واقعٍ جديدٍ كليًّا بدا أن القيادةَ اليمنيةَ أعدت له العُــدَّةَ منذ مدة، في إطار استراتيجية “النفس الطويل”، فعمليات “كسر الحصار” وتأكيدات قائد الثورة بخصوص المرحلة المقبلة، ومبادرة الرئيس المشاط المزمنة تلتقي بشكل جلي عند نقطة مفصلية هامة تمضي منها المواجهة نحو جولة مختلفة أقرب إلى “الحسم” من كُـلّ الجولات السابقة.
مبادرةُ الرئيس تدخل حيِّزَ التنفيذ
بحسب وزارة الخارجية، فقد دخلت مبادرة السلام الجديدة والشجاعة التي أعلنها رئيس المجلس الأعلى مهدي المشاط حيز التنفيذ، مساء أمس الأحد، عند الساعة السادسة، بانتظار التجاوب معها من قبل تحالف العدوان خلال ثلاثة أَيَّـام، وهو الأمر الذي تنقسم فيه توقعات المراقبين والمحللين.
مع ذلك، هناك إجماع على أن السعوديّة لا تمتلك قرار السلام، وأن الولايات المتحدة الأمريكية هي صاحبة الشأن في هذا الصدد، ويبدو أن محاولة الرياض إبداء نوع من “الاستقلالية” مؤخّراً لا تغير الكثير.
بغض النظر عن الاستجابة، فالمبادرة تمثل فرصة حقيقية وذهبية للسلام، وهذا ما تؤكّـده أَيْـضاً تفاصيلها، فبالرغم من أن المضمون هو نفسه الذي احتوت عليه المبادرة الرئاسية التي تلت ضربة “توازن الردع الثانية” عام 2019؛ لأَنَّه المضمون الوحيد الذي يحقّق السلام الفعلي، إلا أن المبادرة الأخيرة اختلفت كَثيراً عن سابقاتها من عدة أوجه أبرزها أن هذه المبادرة جاءت مفصّلة وتضمنت إعلانَها كُـلَّ المِلفات الرئيسية، بل إن بعض هذه الملفات يحتوي بالفعل على كُـلّ محدّدات وآليات الحل المنصف كما هو شأن مِلف مأرب ومبادرة قائد الثورة بشأنها، الأمر الذي يكشفُ مدى تماسك وترابط مواقف صنعاء التراكمية والتي تستند إلى قاعدة واحدة رئيسية للحل، كما أن هذا يسُدُّ جميعَ الثغرات التي لطالما أراد العدوّ أن يستغلَّها أَو حتى يختلقها أصلًا للالتفاف على السلام الفعلي.
في هذا السياق أَيْـضاً، كان من أبرز ما ميّز المبادرة الجديدة، هو توقيتُها الزمني المحدّد بعنايةٍ وبصورة تعكسُ بوضوح موقفَ القوة التي انطلقت منه، والبعضُ يعتبرُ أن هذا هو العنصرُ الأهمُّ والمحوري؛ لأَنَّ دلالاته مرتبطة بشكل وثيق بالتطورات الاستراتيجية التي شهدتها المعركة مؤخّراً، فتحديد ثلاثة أَيَّـام يعني إغلاقَ الباب تماماً أمام أية محاولة للمرواغة، بما في ذلك محاولة تجزئة الحل، وهو ما يعني بدوره تجريد تحالف العدوان ورعاته من كُـلّ وسائله وأوراقه التقليدية، وبشكل مفاجئ لا يتيح للعدو فرصة للبحث عن أوراق التفافية أُخرى.
من هذه الزاوية فَـإنَّ المبادرة تُرجمت بأفضل وأذكى صورة ممكّنة إعلان قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي في خطابه التاريخي الأخير، عن أن “أية مشاريع التفافية على السلام الحقيقي لن تجديَ شيئاً”، فالخياراتُ أمام تحالف العدوان اليوم هي فقط: السلامُ الفعلي كاملًا، أَو الحرب.. وهذا الخيار الأخير أصبح اليوم مختلفًا تماماً، وقد حرصت القيادةُ على إعلان المبادرة فيما لا زالت أعمدةُ الدخان تتصاعدُ من أرامكو جراء الضربة التي حملت رسالةً واضحةً بأن صبرَ صنعاء بدأ ينفدُ (وإن لم يكن نفَسُها الطويلُ كذلك)، وهو ما جاء أَيْـضاً ضمن التطور الكبير المتمثل بإعلان مسار ردع عسكري ببنك أهدافٍ خَاصَّة عنوانه “كسر الحصار”.
هكذا تلتقي بوضوحٍ مساراتُ الموقف السياسي والعسكري لصنعاء في توقيت مميز للغاية، وبصوة مدهشة عند نقطة تحول استراتيجية وتاريخية، تؤكّـدُ أننا على مشارفِ واقعٍ جديد كليا: إما سِلمًا أَو حربًا.
نقطةُ تحول: القادمُ سيكونُ مختلفًا
قائدُ الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي كان قد ضمّن في خطابه الأخير ما يكفي من الإشارات الصريحةِ والتأكيدات على أن المرحلة القادمة ستكون مختلفةً وثقيلةً للغاية على العدوّ في كُـلّ المجالات، فعلى المستوى العسكري مثلًا، وإلى جانب التفاصيل التي حرص القائدُ على تسليط الضوء عليها بشكل غير مسبوق حولَ التصنيع والتطوير، كان هناك وعيدٌ قوي الوقع بأن العام الثامن سيشهد “تنكيلاً” كَبيراً بالعدوّ، وليس فقط بواسطة أسلحة الردع بل أَيْـضاً على الميدان، وهو ما يشير إلى أن خططًا مهمة على وشك التنفيذ.
وبحسبِ خطاب القائد نفسه فَـإنَّ اختلافَ المرحلة القادمة لن يكون متعلقًا فقط بتصاعد ضربات الردع والنشاط الميداني، بل بدخول معطيات استراتيجية جديدة ستغيّر الموازين تماماً، وقد جاءت “القوةُ البحرية” على رأس هذه المعطيات وسلّط عليها القائدُ الضوءَ بشكلٍ خاصٍّ لا يمكنُ تفويتُه، وبعبارات قوية.
محللون رأوا أَيْـضاً أن حرصَ القائد على استعراضِ تداعيات ونتائج الحصار بالأرقام كان نوعًا من تذكير العدوّ بالدَّين الثقيل الذي ما زال عليه أن يدفعَه لقاءَ ما ارتكبه بحق الشعب اليمني، وهو ما يمكنُ أن تؤكّـدَه عملياتُ “كسر الحصار”.
الرئيس المشاط ووزير الدفاع كانا أَيْـضاً قد تكلَّما بوضوح عن مرحلةٍ جديدة قادمة “مختلفة بشكل مرعب” للعدو، وأن العالم سيسمع فيها “زئير اليمنيين” بعد أن تجاهَلَ أنَّاتهم، وهو ما حمل إشارةً إلى أن صنعاء لن تنتظر طويلًا حتى يقتنعَ العالَمُ بضرورة وقف العدوان، وهذا يعني أن الخياراتِ السياسيةَ والعسكرية ستصبح أكثر حزمًا، وهو بالفعل ما عكسته الضربات الأخيرة، ومبادرة السلام في الوقت نفسه.
أقربُ إلى “الحسم”
استطاعت صنعاءُ منذ البداية أن تحتفظَ بامتلاك “عُنصر المفاجأة” في تحَرُّكاتها، غير أن هذه الميزةَ قد تطوَّرت بشكل كبير ولم تعد تقتصر فقط على اختيار توقيتٍ غير متوقع، فالضربةُ القادمةُ على العُمق السعوديّ قد تحصل بعد ثلاث أَيَّـام بالضبط إذَا لم يستجب تحالفُ العدوان للمبادرة الرئاسية، وهو ما سيمثِّلُ صفعةً قويةً للرياض ورُعاتها؛ لأَنَّها ستوسع نطاق فضيحة فشلهم وعجزهم الدفاعي، بحكم أن الضربة كانت متوقَّعةً، كما أنها ستحطِّمُ ما تبقى من صورة “القوة” التي يحرص السعوديّون والأمريكيون على الظهور بها، وسيعني ذلك أن هزيمتَهم -في نظر العالم كله- لم تعد سوى مسألة وقت.
من هنا، فَـإنَّ المرحلةَ المقبلة ستثبت بشكل واضح أن معادلة صنعاء للحرب والسلام هي الثابتة على الميدان وعلى الطاولة وأمام العالم، فحتى إن استجاب العدوّ للمبادرة وانتهت الحرب (وهو الحلّ المنصف للجميع بالمناسبة) سيكون بذلك قد برهن على فشل وسائل الهيمنة الاستعمارية العالمية وإمْكَاناتها وإرهابها المقنن والمنظم والعابر للقارات.
هذا أَيْـضاً ما تؤكّـدُه منذ الآن أيةُ مقارنة منصِفة بين وَقْعِ المبادرة الرئاسية المعلَنة من صنعاء، و”المشاورات” المعلَنة من الرياض، ففي الوقت الذي تجتذبُ فيه مبادرةُ صنعاء انتباهَ المراقبين والمحللين كحَدَثٍ محوري قد يُغَيِّرُ كُـلَّ شيء، تتحول “مشاوراتُ” الرياض يوماً بعد آخر إلى موضوعٍ “هزلي” بالكامل.
في كُـلّ الأحوال، ووفقًا للمعطيات السابقة، يبدو بوضوح أن المرحلةَ القادمةَ أقربُ في مفاعيلها ومعادلاتها إلى “الحسم” من كُـلّ المراحل السابقة، ومن الجلي أن صنعاءَ قد أعدت العُــدَّةَ لهذا الأمر، فيما يبدو أن التحالُفَ ليس فقط غير مستعدٍّ، بل عاجزٌ عن الاستعداد.