الصمودُ والسيادة .. بقلم/ عبدالحفيظ الرميمة
الصمود والسيادة مقدمة ونتيجة سبب ومسبب وَشرط ومشروط، لازم وملزوم، قضايا عقلية متولدة في متلازمة يصعب تحديد أيها السبب وأيها المسبب، الصمود يولد السيادة أم السيادة هي التي تولد الصمود جدلية فلسفية يقتضيها النظر العقلي وتشغل حيزاً في الفضاء الذهني المُجَـرّد في ضوء تصورات أملتها وقائع تاريخية مادية تخضع لمتوالية التاريخ غالبًا.
لكن، هناك وقائع خرجت في مساراتها الزمنية والغائية والموضوعية عن قضايا العقل وَمتوالية التاريخ لتشكل خرقاً للعادة كما يصفها المؤرخون في مدوناتهم وموسوعاتهم، فهي أمر معجز، يقف العقل حائراً عن تفسيرها؛ لأَنَّ كينونتها ببساطة مغايرة لمنطقه وخارج نطاق سلطته هي في منطقة الوجدان منطقة الإيمَان بإله يخلق أسباب لا يدركها العقل توصل إلى مسببات مشخصة في دنيا الناس تكون حجّـة عليهم.
في لقاء موسى وسحرة فرعون ما كان العقل يجوز انتصار موسى الذي خرج خائفاً يترقب ولم يتعلم أسباب السحر ولم يتعاط فنونه..
ولإيمَان فرعون بقضايا العقل هذه حشر الناس جميعاً من أصقاع مملكته ليشهدوا هزيمة موسى وانتكاسته.. لكن كان خلف تدبير فرعون تدبير رب فرعون وموسى تدبير الله العظيم القوي فتشخّصت في المدائن واقعة التهمت عصا موسى فيها سحرَهم على نحو خارق لعادتهم وقوانينهم فما كان منهم إلا التسليم والإيمَان لرب موسى الذي تجلت عظمته في لحظة فارقة وخارقة.
وإبراهيم اتقى جسده النار في واقعة انعدم فيها الإحراق كأثر للنار خلافاً لقضايا العقل والعادة.. وهكذا.
خوارق العادات لها حيز في دنيا الناس تبدو في كينونتها منفلتة عن قضايا العقل، والحق أنها ليست كذلك في جميع مصاديقها هي خاضعة لقانون الحق “الانتصار للمظلومين والدفاع عن حقوق المغلوبين وحرياتهم” يعبر عنها بقوله تعالى: “وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ”.
يحكي العارفون في مروياتهم أن الأمر الخارق للعادة قد يكون معجزة على يد نبي أَو كرامة على يد ولي وَذلك فضل الله يختص به من يشاء من عباده المتجردين للحق كقيمة لا منفعة والباذلين مهجهم في سبيله ابتغاء مرضاة الله.
سبع سنوات عجاف ومن قبلهن سنون عجاف لا سمان فيهن ولا سنبلات خضر ولا سنابل يابسات.. ولا مدافن يوسف ولا كنوز يحنتوب.
حمم من كتل نارية تتلظى سعرت في ليل مظلم تلتهم مظاهر الحياة في جغرافية يقيمون عليها الفقراء البسطاء المنهكين في صراعات اختلقتها السلطات المتعاقبة لحسابات إقليمية ودولية.
ترسانة العالم العسكرية والمالية بكل ثقلها في حلف يتزعمه طغيان القوة المادية -سلاحاً ومالاً وإعلاماً- ومعارك عسكرية واقتصادية وثقافية لاستئصال شأفة قوم قالوا ربنا الله ومنهجنا القرآن، ولاحتلال المناطق الجيوسياسية والاستبداد بقرارها السيادي.
وحشية وهمجية لا ترعوي لقيمة ولا ترتهن لمبدأ ولا تؤمن بدين ولا تعترف بأخلاق ولا تخضع لقانون، إنها ثارات الشر المتراكمة منذ طرد إبليس من حضرة الرب، وفظائع الانتقام من إنسانية الإنسان، تبدت في صورة تذهل من هولها العقول الراسخات.
ذبحت الطفولة بساطور الحقد على محط الكراهية وأحرقت النساء بالنار في مخادعهن وتجمعاتهن على مرأى ومسمع ودمّـرت المناطق الحيوية صناعية وتجارية وزراعية وسياحية وضرب الحصار جواً وبراً وبحراً في إجرام لم يشهد لهُ التاريخ مثيلاً يتجاوز عصور ما قبل التاريخ، كُـلُّ ذلك تفريغٌ لحمولات من الحقد تسافلت بها نفوسُ الخصوم المنحطة.
وحدها كلمات القائد الصادحة في فضاء صنعاء الملتهب من بددت فزع الخائفين وهدأت من روع المرتبكين وألهمت قلوب الخاشعين وأبانت الطريق للتائهين وَأنارت السبيل للمستوحشين وكشفت الغطاء عن المتربصين ورسمت المسار للمدافعين فتدافع لصداها الناس أفواجاً وانتظمت الجهود ببركاتها فأثمرت في ميادين الدفاع عزة وَكرامة.
ومن ردة الفعل المتزن في لحظة عدتها الكلمة وَعتادها الكلمة والكلمة فقط في مواجهة ترسانة يرعب توصيفها انتظام الكلم هنا.
لكنه الإيمَان بالله والثقة به مجسداً في كلمات القائد في لحظة غرور قوة العدوّ، حروف نفخ فيها الكرامة فبعثت نفوساً تواقة للقاء ومصرة على النصر وقد حصلت أسبابه في بيئة فقيرة معدمة مقفرة زادها العدوان حرقًا ودمارًا.
صواريخ ومسيَّرات أنتجتها ورش بدائية تقف ترسانة العالم العسكرية التكنولوجية وقد استغرقت مليارات الدولارات انفاقاً على إنتاجها وتسويقها عاجزة أمامها.
سقط طغيان المال وغرور القوة لحلف العدوان والتهب ليل الرياض كما التهب ليل صنعاء لكن لا كلمات صادقة لقائد جسور تبدد وحشة ليل الرياض كتلك الكلمات التي بددت وحشة ليل صنعاء وأبدلته نوراً في قلوب المؤمنين ونشوة بالنصر في وجدان مجاميع الشعب الميامين، ليسفر عن فجر الانتهاض المبين في زمان يغاير أزمنة الطغاة المستبدين.
أمر خارق للعادة يعجز العقل عن تفسيره لكنها كرامة على يدي ولي من أولياء الله، صدق الله فصدقه الله وعده.
فسلام على قائد ألقى كلماته فاذا هي سواعد وَصواريخ ومسيَّرات تلقف ما يجمعون.
وسلام على قائد مؤمن بالله واثق بنصره، يحدثونك عن طواغيت الكون ويحدثك عن الله.
سلام سلام سلام على سيد وشعب الصمود.