السعوديّة.. وحركةُ الالتفاف على السلام .. بقلم/ عبد الرحمن مراد
تحاول السعوديّة أن تلتفَّ على مفردات اللُّعبة السياسية في اليمن، فكان مؤتمر المشاورات الذي تنظمه في الرياض يصب في هذا الاتّجاه وربما غاب عنها حقائق الواقع في اليمن، فمن الغباء أن تغرد خارج السرب بعد كُـلّ هذه التجارب التي مرت بالعلاقات اليمنية السعوديّة، قد يكون ابن سلمان غراً أحمقَ لا تجارب لديه وربما لا يسمع إلى النصحاء، ولا يستفيد من تجارب الماضي، لكن لديه تجربة سبع سنوات من العدوان على اليمن قادرة أن تجعله بصيراً بمجريات الأمور والأحداث، وتكشف حقائق النعال التي ينتعلها في اليمن، لكنه مصر على ممارسة الغباء في أبشع الصور، فهو يحاور أدواته أَو يحاول أن يجعل أدواته تحاور نفسها، ولا أدري مَـا هِي الحكمة في ذلك، فالطيف الذي حضر إلى الرياض لا قضية لهم إلا مع المال الذي يصل إلى خزائنهم وحساباتهم ولا سوى ذلك من أمر يشغلهم، ولذلك ربما أراد منهم أن يكونوا مطاياً لبلوغ غاياته في الحفاظ على ماء الوجه والخروج من مأزق الهزيمة في اليمن.
حقائق الواقع كلها ومفرداته ومعطياته تقول: إن السعوديّة هُزمت في اليمن، وخاب مشروعها وخسر، وهي اليوم تتجرع ويلات الهزائم والانكسارات بعد أن ظنت أن المال قادر على تحقيق الانتصار لها في اليمن، بل كانوا يقولون أن الحرب نزهة ربيع في اليمن وسوف يعودون منها في ظرف يوم أَو يومين حتى طال بهم الأمد، فوجدوا أنفسهم في شباك لا يمكن الخلاص منها إلا بقبول شروط الاستسلام، ومثل ذلك صعب على نفوسهم التي أغراها المال فوقعت في المأزق حتى لا تكاد تجد لنفسها خلاصاً منه، وقد نصحها عقلاء القوم فلم تع ما كانوا يقولونه.
لا يمكن لمشاورات الرياض أن تهدي السعوديّة سلاماً ولن تجد السلام إلا في صنعاء ومن صنعاء، وعلى قادة الغباء السعوديّ أن ينزلوا إلى مستوى هذه الحقيقية إن أرادوا سلاماً حقيقيًّا، وقد قالت صنعاء مَـا هِي ملامح السلام وقد حدّدها قائد الثورة ورئيس المجلس السياسي الأعلى وهي في محدّدات ثلاث: وقف العدوان، رفع الحصار، إنهاء الاحتلال لليمن، بدون ذلك لا نظن أن سيحدث سلاماً مطلقاً، فالحصار الذي يفرضه العدوان ودول التحالف على صنعاء وعلى اليمن عدوان في حَــدّ ذاته، ولو توقفت العمليّات العسكرية وفق إعلان التحالف، ولا خيار للتحالف إلَّا إظهار حسن النوايا بحيث يتبع وقف العمليّات العسكرية في اليمن خطوات في رفع الحصار البري والبحري والجوي، ويأمر جنوده وثكناته العسكرية بالعودة إلى عواصمهم وتسليم اليمن إلى أهلها وشعبها ثم الشروع في حوار يمني شامل لا يستثني أحداً حتى يتوافق أهل اليمن على بناء دولتهم كما يرغبون هم لا كما ترغب أمريكا وإسرائيل ومن بعدهما السعوديّة فذلك أمر لا يفضي إلى سلام مطلقاً.
ما يحدث في الرياض مهزلة لا معنى لها، كما أن وقف العمليّات العسكرية مهزلة لا قيمة لها طالما واليمن تحاصر ويمنع عنها الغذاء والدواء والمشتقات النفطية وكل مقومات الحياة المعاصرة، فلا جزيرة عربية ولا خليج عربي بدون اليمن، لن يكون هناك بلد آمن دون أن يشعر اليمن بالأمن، ولا يمكن أن يعيش اليمن ويده مكتوفة ويستسلم للجوع والقصف والحصار، وقد قالت الأيّام للسعوديّة ولمن تحالف معها إن اليمن عصي على أشداقهم وعلى بطونهم، وقالت لهم عمليات كسر الحصار إن اليمن بعد سبع سنين عجاف عاشها قد شب عن الطوق ولن يكون لقمة سائغة تلوكها أشداقُ الطامعين مهما بلغت درجة قوتهم.
العالم يتحَرّك اليوم ويعيد ترتيب نسقه وبناء ذاته خارج النظام القديم، وربما بدأت الملامح تتضح للنظام العالمي الجديد من خلال ما يحدث اليوم من كشف حقائق كان النظام القديم يتخذ منها ذرائع حتى يستمر في ممارسة ثنائية الهيمنة والخضوع على الدول، كشفت المعامل البيولوجية كيف كان يتم صناعة الجائحات التي تصيب البشر ومن كان يديرها، وكيف يتم تقويض أمن البلدان واستقرارها، فأمريكا تتداعى أركانها وينهار نظامها، وهي آيلة للسقوط، وكما تركت أوكرانيا تواجه مصيراً مجهولاً سوف تترك ربائبها في الجزيرة والخليج يواجهون مصيراً مجهولاً، وعليهم أن يتعظوا من ذلك فالسلام في اليمن يشكل اليوم بعداً استراتيجياً للجزيرة والخليج وعلى السعوديّة أن تعيَ ذلك جيِّدًا قبل أن ينهار الجدار على المعبد ثم لا يبقي ولا يذر.