العدو يقع مجدّدًا في فخ “سوء التقدير”: عواقب “تفخيخ” الهُدنة
المسيرة | خاص
يكشفُ سُلُوكُ تحالف العدوان الأمريكي السعوديّ الإماراتي خلال الفترة الأخيرة بوضوح أن موافقتَه على “الهُدنة” كانت خطوةً “اضطراريةً”؛ لتجنب الضربات المتصاعدة التي شنتها القواتُ المسلحة على المنشآت النفطية السعوديّة، وكسب الوقت لخلطِ الأوراق وترتيبِ الصفوف، وليس لإحلال السلام، فمن جهة يشير الاستمرارُ باحتجاز سفن الوقود والخروقات الميدانية في الجبهات وعدم تنفيذ الاتّفاق المتعلق بمطار صنعاء إلى إصرار كبير على التمسك بالحصار كورقة ابتزاز، فيما تشير خطوة إعلان ما يسمى “المجلس الرئاسي” للمرتزِقة من جهة أُخرى إلى نوايا لاستغلال الهُدنة كغطاءٍ لخطوات تصعيديه على كافة المستويات، وهو ما يعيد إلى الواجهة تحذيرات صنعاء العسكرية الواضحة من عواقب استمرار التعنت.
ليست هذه المرة الأولى التي تستخدمُ فيها الولاياتُ المتحدة ودولُ العدوان “السلام” كغطاء لترتيبِ الأوراق وشق طرق ملتوية للالتفاف على متطلبات السلام الفعلي المعلنة من صنعاء، وقد مثل تجاهل مبادرة الرئيس المشاط والموافقة على هُدنة مؤقتة، دليلًا واضحًا على انعدامِ الرغبة في الحل، وهو ما يجعلُ كُـلَّ سلوكيات تحالف العدوان تُقرَأُ من زاوية خلط الأوراق والمراوغة.
والحقيقةُ أن تحالُفَ العدوان لم يحاولْ حتى أن يُظهِرَ أدنى قدر من “الالتزام” بالتهدئة ليوحيَ بعكس نواياه المشبوهة، بل وسارع منذ دخولها حيز التنفيذ إلى وضع خطط تصعيدية واضحة كشفت أن الهُدنةَ بالنسبة له لم تكن سوى “وقتٍ مستقطعٍ” لترتيب صفوفه على كُـلّ المستويات لقطع طريق السلام الفعلي، وهو ما بدت بصمت إدارة بايدن بارزةً عليه.
هذا الواقعُ يترجم وقوعَ تحالف العدوان ورعاته الدوليين -مرة أُخرى- في فَــخِّ سوءِ التقدير لمواقف صنعاء ومعادلتها الرئيسية للحرب والسلام، إذ يبدو بوضوح أنه يسعى مجدّدًا لاستغلالِ حِرصِ الأخيرة على السلام، وتوظيفه ضدها، لتكريس منهج “الابتزاز” بالمِلف الإنساني على الطاولة، توازيًا مع محاولة تحقيق اختراقات على الميدان، وهي قراءة تعاني من ثغرات كبيرة أبرزها تجاهل استعداد صنعاءَ لسيناريوهات المراوغة، وحقيقة أنها أكثر استعدادا من تحالف العدوان في هذا الصدد، وقد كشفت عمليات “كسر الحصار” عن ذلك من خلال نوعيتها وتوقيتها ومبادرة السلام التي تبعتها.
وفيما يبدو أن تحالف العدوان يعوّل كَثيراً على إمْكَانية تغيير الواقع على الطاولة وفي الميدان من خلال تغيير أدواته المحلية، بالتوازي مع إمْكَانية “تخفيف” الضربات العابرة للحدود من خلال “التهدئات”، فَـإنَّ هذه الخطةَ تفتقرُ بوضوح إلى أدنى مواكبة لتطور مسارات عمل صنعاء على الطاولة وفي الميدان، وهي تغرةٌ أُخرى ستنعكسُ بشكل صادم على تحالف العدوان؛ لأَنَّ صنعاءَ قد تجاوزت فعليًّا إمْكَانيةَ التعاطي مع حالة “اللا سلام واللا حرب” كحَلٍّ، كما أن محاولةَ إعادة عجلة ضربات الردع إلى ما قبل مستوى عمليات “كسر الحصار” هي محاولةٌ محكومة بالفشل وتؤكّـد أن تحالفَ العدوان ما زال عاجزاً تماماً عن التعامل مع حقيقة أن النشاط العسكري لصنعاء تصاعدي ولا يمكن عكس اتّجاهه.
يشير معهد “بروكينغز” الأمريكي بوضوح إلى أن اتّفاقَ الهُدنة الأخير جاء كمكسَبٍ لقوة صنعاء المتعاظمة، وكتتويجٍ لفشل تحالف العدوان والنظام السعوديّ بشكل خاص عن مواجهةِ صلابةِ موقفِ صنعاء العسكري واستقلالها السياسي. وبالتالي فَـإنَّ بقاءَ تحالف العدوان على مسار التصعيد يشكل خطرًا واضحًا عليه، وهو ما أكّـدته قيادةُ صنعاء بوضوح، والتعويل على ترتيب صفوف المرتزِقة في تفادي هذا الخطر، هو بمثابة اللجوءِ إلى نفس الأساليب القديمة وانتظار نتائج مختلفة، وهو أَيْـضاً ما يتجسَّدُ بشكل أوضح أَيْـضاً في التعويل على استمرار استخدام الحصار كورقةِ تفاوض.