سبعٌ عجاف يعقبهنّ دهرٌ سمين .. بقلم/ أمة الملك قوارة
عندما يتنبأ الواقع لنفسه، سبع سنين لعل فيها لم تبق عين لبشرٍ في ذلك الوطن دون أن تدمع، وحيث أُشربت تربت ذلك الوطن حتى ارتوت من دماء أبنائه، وحيث هدمت المنازل وقُطعت السبل ويُتم الأطفال ورُملتِ النساء، وذبحت أوصار الحياة الآمنة، واستقر الحزن مع بريق الأمل ليستوطن كُـلّ القلوب، وفي خضم تلك الأحداث لا يمكن لكل ذي لبٍ إلا أن يتيقن من مدى عظمة الحكمة من وراء ذلك، وهل يشتد ظلام الليل إلا لأَنَّ بعده فجراً منيراً، ولم تقع أعظم الحضارات في ابتلاءٍ وخوفٍ إلا وتلى ذلك انجلاء لهمها وتبدد لحزنها وتصدرت الريادة والزعامة فيما بعد، إنها الحكمة التي يستنشق عبيرها كُـلّ من عرف كن الحياة وسرها، وها نحن نكمل عامنا السابع ونستقبل عامنا الثامن بأرواح تملأها الطمأنينة وبوعي آخر ونضج مختلف وعزائم ليست كسابقيتها، ونرى في الأفق رحمة الله القادمة.
وحدث أن تلك الحرب استنزفت جل مقومات الحياة وجعلت من وطنٍ بأكمله شعلة من الغضب والألم، لكنها دفعت به نحو الوعي الكامل، وجعلت منه يتيمًا بينما يزعمون أنهم يتبنون الإنسانية، ومع كُـلّ يوم كشفت له الستار عن أسبابها، وألحت في إبراز دوافعها، وحين تكالب العالم بأكمله على شعب بمفرده لم يكن هناك من بد سوى المقاومة، وحين بلغ الرهان ذروته على تحطيم ذلك الشعب بلغ التوكل على الله مداه وانقلبت الموازين وتبدل الحال من حال الدفاع إلى الهجوم الذي رد على جبروت العدوّ بعنفوان مضاعف، ولتشتد بعدها اللحمة الاجتماعية، وحينها بدأت حركة البناء في جوانب الحياة تتحسن رغم الأحداث، والسر يكمن في وعي القيادة الذي تشرب من وعيه الكثير وبدأ يفكر الأغلبية في كيفية الإنجاز، ولعل أول بوادر تلك المنجزات تطور الصناعة الحربية التي فاقت التصور وشفت الصدور، وجعلت الجميع ينهض بقوة وإصرار، ذلك الجانب الواحد أكّـد للجميع أن الجوانب الأُخرى ستثمر وهذا ما بدأ ضوؤه يلوح في الأفق.
بدأت الهُـدنة؛ لأَنَّ الرد فاق التصور وأنكاهم كَثيراً، وبدلاً عن أهدافهم التي لم ولن تتحقّق تحقّقت أهداف ذلك الوطن ولطالما حلمنا بأن نكون دولة ذاتُ اكتفاء وها هو الاكتفاء الجزئي يظهر وسيعقبه الكلي، وإنما الثمار ستنضج من تكاتف مجتمع بأكمله ولا خير مطلقاً في فرد يرى أنه لا يمثل رقماً مهماً في ذلك الوطن، ولعل الفجر سيبزغ والنهار سيظهر، وقريباً وفي منتصف الظهيرة سيعلن النصر المؤزر، ولكن لن يحمل إلا على أكتاف الجميع، وهنا من لم يعِ فليعِ ومن هوت به نفسه في مستنقع الغفلة والشبهات فليفق، وما أشد قبح التهاون بالمسؤولية في هذه المرحلة؛ فهي مرحلة التغير الجذري والنهوض الشامل، ولعل صدى الحقيقة يتضارب على أركان القلوب المغلقة فلتُفتح ولتمحو ما وقع بها من ران! وحين يتقرب شعب بأكمله إلى الله بدمائه وتضرعه وصدقه وإخلاصه عندها سينجلي الستار عن المعجزات العظام، ولمن يحوي في فكره بعض من النفاق نقولها ركاب العظماء ينتظر الأحرار والخير قادم ورحمة الله قريبة من المتقين وللمؤمنين إن السبع العجاف لا بُـدَّ من أن يعقبهن دهر سمين.