رئيسُ الجهاد والاستشهاد .. بقلم/ تسنيم الدّيلمي
توارى قلمي حياءً واستحياء، وعجزت أبجدية لغتي ومفرداتها، وبلاغة كلمي في الحديثِ عن رجل المسؤولية، رئيس الحماية والبناء، من بلغ ذروة الدين كمالاً وذروة الأخلاق رُقياً، وصفاء الروح بريقاً، البشوش دوماً مع المستضعفين والوجهاء، ذلك الرجل المعطاء المغوار، أشتر عصره في عهدِ حفيدِ الإمام علي كرم الله وجهه، صالحٌ اسم على مُسمى.
رئيس من طِرازٍ إيمَـاني، حيدري، قُران يمشي على الأرض، جَلّ أن نجد له نظيراً في كُـلّ أنحاء المعمورة، لم يكن كسابقيهِ يكتفي بالمكوثِ على كرسي السلطة، والانشغال ببناء وتعمير قصور الدنيا الفانية وجمع المال المحرّم ونهب خيرات اليمن وتراثه، وبناء مدن أثرية وسكنية في البلدان الأُخرى على حسابِ هذا الشعب المضيوم والسعي كُـلّ السعي لإفقاره وإضعافه، بل كان نزيهاً وشريفاً، وحراً أبياً، لم يكتسب من شعبنا الميمون أية مكاسب ذاتية، ولم يمتلك حتى منزلاً بسيطاً للسكن فيه وعائلته، كان -سلام الله عليه- نزيهاً ومتقياً كالإمام علي عندما أطفأ شمعة بيت مال المسلمين وأسرج فتيلة شمعته الشخصية، وذلك انقياداً لأوامر الله، فلو كانت الرجولة والاستقامة والإخلاص شخصاً، لكانت صالح الصماد.
ثقفَّ وأرشد، وجّه وأدار، أعدّ وبنى كوادر صمّادية مقتبسة من ذاته القرآنية الحيدرية، خَطب في الناسِ ووعاهم، جاهد وأنفق، وتفقد رعيته في شتّى المجالات والجبهات، كان سلامُ الله عليه متواضعاً، ولم ير نفسه بعين العظمة والغرور، وأنه رئيس ليس عليه سوى التمركز في مقعد السلطة، ورؤية نفسهِ متوجاً بالملك، بل كان في زهده وتواضعه مواطناً عاديًّا جِـدًّا، بسيطاً للغاية، بل ورأى أن مسح الغبار من على نعال المجاهدين أشرف من كُـلّ مناصب الدنيا.
عظيمٌ هو صالحنا عند الله، والقيادة، وفي عينِ شعبه، لم يرُقْ صمادنا لأنيابِ شرِّ المنطقة؛ لمناصرتهِ لقضيةِ شعبه وقضايا الأُمَّــة الإسلامية وتمسكه بهنَّ، ولأنهم رأوا حب وتمسك الشعب به، وسِجل إنجازاته الضخمة والعملاقة في فترةٍ وجيزة، وشعاره المرعب لهم (يدٌ تبني ويدٌ تحمي) فخافوا منه وغضبوا من فكره الفذّ والنير وعزمه وإحسانه وسعيه لعلو ورفعة شعبه، ولأنه لم يكن مسيّراً بأيديهم، ومنفذاً لجرائمهم وَمخطّطاتهم، فسعوا لافتراسهِ بكمينِ أنيابهم الحادة والشريرة، فارتفعت روحه الطاهرة محلّقة في سماءِ بارئِها، بشوقٍ للرفيقِ الأعلى، حَيثُ النبيين والصديقين والشهداء العظماء، فابتهجت السماء بأن أصبح من سكّانها، وحزن الجميع صِغاراً وكباراً وشيوخاً على فراقهِ حزناً بالغاً، وكان تلقينا خبر استشهاده أمراً لا يصدق ولا يستوعب، شق أفئدتنا، وترك فينا ندوباً لا تُبرَأ وَلا تنسى ولا تغيب عن الذاكرة، أرادوا أن يفنوّه غِلاً وحِقداً ولكنّهم جَهِلوا أنهُ لا فناء لِثائِر، عَمّد مصداقية انطلاقته بشهادةٍ وحياة أبدية.
ظنّوا أنهم سيوهنون شعبنا ويخورون بقواه، ويمحون ذكر الصماد العطر ولم يعلموا أنّ بعض الظنّ إثم، فقد أثمرت دماؤه خمسة وعشرين مليون صماد، في شتّى نواحي الجبهات الداخلية والخارجية، وصمّادنا حيٌّ في ضيافةِ الله، وفي أنفسنا وشريكٌ هو معنا في صناعةِ الانتصارات، والتصدي لاضطهاد دول الكفر والفساد، ومسيَّراته هي المقتصة لدمهِ الطاهر والمانحة لنا الحياة{ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ}، جميعنا محتذون أثره، وكلنا الصماد، فسلامُ الله عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حياً.