مع العلم القائد: ما تعنيه ليالي القدر.. محاذير وتوصيات لإحيائها .. بقلم/ هنادي محمد
خصَّصَ السيدُ القائد -يحفظه الله- المحاضرة الرمضانية الحادية والعشرين للحديث حول العشر الأواخر وليالي القدر، وابتدأ قائلاً: إن شهر رمضان كُلّه مبارك ويعتبر فرصةً عظيمة للدعاء وذكر الله وتقوية الروابط مع القرآن الكريم وتعزيز علاقتنا به لاكتساب الوعي الذي نحتاجه كضرورة خَاصَّة في مرحلتنا الحالية، إلّا أن للعشر الأواخر أهميّة وبركة أكثر وفيها تُلتمس ليلة القدر، وعندما نتأمل في واقعنا نجد أنّنا فقراء إلى الله، بهمومنا ومشاكلنا، وما نحن فيه في إطار مسؤوليتنا في هذه الحياة وما يتعلق بمستقبلنا في الآخرة كُله يدفعنا إلى استغلال هذه الفرصة، ومن رحمة الله أن يهيئ لنا العديدَ من الفرص العظيمة على المستوى الزمني كليلة القدر التي إذَا أدركتها كما يجب تكون قد حقّقت لنفسك نقلات وقفزات كبيرة في مصيرك مع ما سيمُن الله به عليك في عاجل الدنيا، ولكن للأسف تأتي هذه الليالي والبعض قد أصابهُ الفتورُ في الثلث الأخير من شهر رمضان وأصبح مشغولاً بالكثير من الأمور منها التحضير المبكّر للعيد وهذه الحالة تنبئ عن قصور في إدراك عظمتها.
ليلة القدر لها علاقة بكَ أنت، فيما يُكتب لك أَو عليك، ويهم كُـلّ واحد منا أن يكتب الله له الخير فيما يتعلق بواقعه وتوجّـهاته وأعماله، لكن إذَا ما سيطرت حالة الغفلة على الإنسان سينسى نفسه، وعلى مستوى المجتمع والأمة فهذه الليلة تهمهم إن كان لديهم توجّـه صحيح وفق توجيهات وتعليمات الله لابتغاء مرضاة الله.
حديث القرآن عن عظمة ليلة القدر وفضلها وبركتها وما يقدر للإنسان فيها، يقول -جلّ شأنه- في سورة الدخان: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ، إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ﴾، ليلة نزول القرآن بعظمته وفضله وقدسيته، بما فيه من هدى ونور اختار الله أن ينزله في ليلة مباركة، وهنا تكمن أهميتها التي تأتي بأهميّة القرآن، وأول ما وصفت به أنها مباركة، وبركتها تشمل أشياء كثيرة منها:
– مضاعفة الأجر والثواب إلى حَــدٍّ كبير جِـدًّا، عشرات الآلاف الأضعاف فيما قد يساوي عمراً بأكمله، والعمل فيها تجارة رابحة بين العبد وربه.
- (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) ليلة تقدير وتدبير امور البشر على مدى العام بكله في مختلف شؤون حياتهم بجوانبها التفصيلية، وهذه مسألة تهمّ كُـلّ منا.
ولأهميّة ليلة القدر أنزل الله سورة بكاملها تفرّدت بالحديث عنها، وهي (سورة القدر)، يقول -جَلَّ شَأْنُـهُ-: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) “إنّا” يعبّر مع إشعارنا بعظمته عزّ وجل أنها ليلة نزول الرحمات والبركات، ومن مصاديق رحمة الله هو ”القرآن الكريم“.
(وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ) يعبّر عن مدى قدسيتها الذي يفوق إدراكك وتصوّرك وتخيّلك في مستوى فضلها.
(لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ) في بركتها وخيرها وفضلها، خيرٌ من ألف شهرٍ من الزمان، عمرًا مديدًا.
(تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ) ليلة تتنزل فيها الملائكة إلى الأرض في إطار التوجيه الإلهي لابتداء وتهيئة تدبير أمور البشر على نحوٍ غيبي في علم الله.
(سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) سلامٌ إلهي لا ينزل فيها عذاب ولا نقمة، وهذه خصوصية عجيبة.
من الأدعية القرآنية التي يمكن أن يستفيد منها الإنسان في توجّـهه بالدعاء لله: الدعاء الجامع لخيريّ الدنيا والآخرة: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [سورة البقرة 201]
- دعاء الربانيين المجاهدين، ومهم الدعاء به: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا في أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾.
- دعاء الراسخون في العلم: ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَیْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أنت الْوهَّـاب﴾، وهناك أدعية مأثورة عن النبي-صلوات الله عليه وآله- وأدعية الصحيفة السجادية يمكن الرجوع إليها، وأن يكون في سلّم اهتمامات ما ندعو به هو الدعاء بشيئين الأول: المغفرة والثاني: العتق من النار؛ لأَنَّ الأولى هي ما توصل للأُخرى، ومشكلتنا دائماً هي في ذنوبنا وخطايانا التي تؤثر على مستقبلنا في الآخرة.
وإلى جانب اهتمامنا بالدعاء في شؤوننا الخَاصَّة، نحرص على أن نتوجّـه بالدعاء بالاستقامة على توجيهات الله، ليعلم الله صدق التوجّـه في نياتنا، نصحح من وضعيتنا، نتوب من التقصير والذنوب والخطايا والمعاصي.
* من أهم مواطن الدعاء هو: موطن المرابطين المجاهدين في سبيل الله؛ باعتبَاره ميدانًا مقدسًا.
* توصيات عملية إلى جانب ما ذُكر:
– العناية بذكر الله بالاستغفار والتسبيح.
– العناية بالقرآن وهدى الله.
– العناية بالأعمال الصالحة، وأعمال الخير والبر.
– الحذر من مفسدات الأعمال.
بعد هذا العرض المهم يبقى على الإنسان أن يغتنم هذه الفرصة التي لا مثيل لها، ومن الغبن والحرمان أن يضيعها؛ لأَنَّه قد لا يدرك البعض منّا شهر رمضان من العام القادم، بالمقابل ألا يمكن أن يقلل الإنسان من انشغالاته.
أسأل الله الهداية والتوفيق والثبات، والعون والسداد والرشاد، وحسن الخاتمة بالاستشهاد، والعاقبـةُ للمتّقيـن.