الهُدنة على المحك: محاولة التفافية لإخراج مطار صنعاء من “الاتّفاق”
المسيرة | خاص
دَقَّ تحالُفُ العدوان مسمارًا إضافيًّا في نعش اتّفاق “الهُدنة”، من خلال منع أول رحلة جوية من مطار صنعاء الدولي بعد تأخيره انطلاقها لأكثرَ من ثلاثةِ أسابيع، إلى جانب محاولةِ وضع اشتراطات تعسفية من شأنها أن تضعَ الاتّفاقُ بأكمله على حافة الفشل، خُصُوصاً في ظل انحراف الأمم المتحدة عن مسؤولياتها وتواطؤها مع دول العدوان لإفراغ الهُدنة من مضمونها وتكريس أُسلُـوب المراوغة والمماطلة، الأمر الذي يعيد إلى الواجهة تحذيرات القيادة الثورية والسياسية والعسكرية بشأن عواقب تفويت فرصة السلام.
وأعلنت الخطوطُ الجوية اليمنية، أن تحالفَ العدوان رفضَ منحَ “التصاريح” لرحلة (صنعاء – الأردن) الجوية التجارية التي كان من المقرّر تسييرُها الأحد، وهي أول رحلة من رحلات اتّفاق الهُدنة الذي يقتضي تسيير رحلتين أسبوعيًّا بين صنعاء والأردن ومصر، حَيثُ رفض تحالف العدوان تنفيذَ هذا الالتزام وسعى لتقليصه إلى رحلة واحدة بعد مرور أكثر من 20 يوماً على دخول الهُدنة حيز التنفيذ، ثم إلى لا شيء مجدّدًا.
وكانت “اليمنية” قد أعلنت سابقًا عن هذه الرحلة وفتحت بابَ الحجز للمسافرين، وأعطت الأولويةَ للمرضى الذين ينتظرون فتحَ المطار منذ سنوات.
ودفع تحالفُ العدوان بحكومة الخونة لاختلاق مبرّرات لمنع الرحلة الجوية، حَيثُ زعم المدعو معمر الارياني، وزير إعلام المرتزِقة، أن عدمَ منح تصاريح الرحلة جاء بسَببِ اعتماد جوازات السفر الصادرة عن العاصمة صنعاء، مدعياً أن الاتّفاق يقتضي الاقتصارَ على الجوازات الصادرة عن مناطق سيطرة المرتزِقة.
وكشفت هذه المزاعمُ بوقاحة عن نوايا تحالف العدوان لتعطيل التزاماته بخصوص رحلات مطار صنعاء، فاتّفاق الهُدنة لم يتضمن إلزام المسافرين بالجوازات الصادرة عن مناطق المرتزِقة، وهو الأمر الذي كان تحالف العدوان قد حاول عرضَه في “صفقة” سابقة وتم رفضُه بشكل قاطع لما يشكله من تعسف واضح يبقي على معاناة المواطنين.
وتمثِّلُ محاولةُ إعادة طرح الاشتراطات بخصوص جوازات السفر عقبةً أمام الهُدنة برمتها؛ لأَنَّها تهدّدُ بإخضاع الاتّفاق كله لرغبات تحالف العدوان الخَاصَّة، وهو ما يجعلُ الالتزاماتِ المتفَقِ عليها بدون معنى.
وتُعتبَرُ هذه الخطوةُ تتويجًا لمسار المراوغة والتعنت الذي يسلكه تحالف العدوان منذ دخول الهُدنة حيز التنفيذ، مطلع أبريل الجاري، حَيثُ لا زال يواصل احتجاز سفن الوقود ويخضعها لسياسة “تقطير” عدوانية تحافظ على بقاء الأزمة التي يفترض أن الهُدنةَ جاءت لتخفيفها، وذلك بالتوازي مع استمر وتصاعُدِ الخروقات الميدانية من جانب قواته ومرتزِقته في مختلف الجبهات، الأمر الذي يضعُ الهُدنةَ على المحكِّ ويضاعِفُ احتمالاتِ فشلها بشكل مُستمرٍّ.
وعلّق رئيسُ الوفد الوطني ناطق أنصار الله، محمد عبد السلام، على هذه الخطوة مؤكّـداً أن: “استمرارَ إغلاق مطار صنعاء بعدم السماح بتسيير الرحلات المتفق عليها في الهُدنة الإنسانية وعرقلة السفن تعنُّتٌ واضحٌ يثبت عدم جدية تحالف العدوان لإحلال السلام”.
بدوره، أكّـد نائب وزير الخارجية بحكومة الإنقاذ، حسين العزي، على أن “تحالف العدوان يتعنت ويماطل في تنفيذ التزاماته منذ أسابيع”، وأشَارَ إلى أن منع الرحلة الجوية بعد الإعلان عنها وفتح باب الحجز للراغبين في السفر وتسلمهم التذاكر يعبر عن “إصرار مُستمرّ من قبل التحالف على مضاعفة معاناة الشعب اليمني”.
ووصف العزي الذرائع التي روّجها المرتزِقُ “الإرياني” بأنها “أكاذيبُ مختلَقة بوقاحة وتغطية على تعنت تحالف العدوان”.
وأضاف: “ندعو تحالف العدوان إلى سرعة تسيير الرحلات قبل فوات الأوان ونحملهم مسؤولية أي فشل للهُدنة”.
وقال مدير مطار صنعاء الدولي، خالد الشايف: إنه “لا توجد جديةٌ ولا مصداقية لدى تحالف العدوان بخصوص فتح المطار”، مُشيراً إلى أن المطار جاهز وملتزم بكافة الاشتراطات في تقديم خدماته.
وأكّـد الشايف أن “العدوان يسعى لإجهاض أية محاولة لاستئناف الرحلات؛ مِن أجلِ تعميق الأزمة الإنسانية وقتل المرضى”، مُشيراً إلى أن “المبرّرات التي يروجها بشأن عرقلة انطلاق أولى الرحلات التجارية لمطار صنعاء كلها مضللة وتأتي في سياق التنصل عن التزامات الهُدنة، وتخفيف المعاناة الإنسانية”.
وأضاف: “الخارجية على تواصل مع مكتب المبعوث الأممي لإبلاغه بإجراء المنع”.
وعلى الرغم من أن مسؤوليةَ الأمم المتحدة كراعيةٍ لاتّفاق الهُدنة تحتمُّ عليها الضغط على تحالف العدوان لوقف المماطلة وتنفيذ التزاماته الواضحة، جاء رد المبعوث الأممي هانس غروندبرغ على منع الرحلة الجوية ضعيفا ومتماهيًا مع مسار المراوغة الذي يسلكُه العدوّ، حَيثُ ألقى بالمسؤوليةِ على “الأطراف” في محاولةٍ لتبرئة المعرقل الحقيقي ومنح ذرائع تحالف العدوان ومرتزِقته “فرصة” للتعاطي معها، وهو ما يعني تحويلَ الالتزام إلى موضوع نقاش وتضييع الوقت.
ويمثل هذا الموقف الأممي الفاضح تأكيدًا على مؤشرات التواطؤ التي برزت واضحة طيلة الأسابيع الماضية، من خلال الصمت إزاء استمرار احتجاز سفن المشتقات النفطية ومنعها من الوصول إلى ميناء الحديدة، وكذلك تجاهل الخروقات الميدانية المتواصلة من جانب قوى العدوان ومرتزِقتها في الجبهات.
هذا التواطؤ يؤكّـد على أن الأممَ المتحدة لا زالت تسيرُ على نفس الاستراتيجية السلبية تجاه اليمن، وهو ما يعني أن احتمالاتِ الوصول إلى أية حلول حقيقية تحت رعايتها ضعيفة للغاية، وقد كان اتّفاقُ الهُدنة اختبارًا حقيقيًّا لمدى جدية المبعوث “غروندبرغ” وإمْكَانية اختلافه عن سابقيه وهو الاختبار الذي بات واضحًا أن الرجل لم ينجح فيه.
وبهذه المعطيات فَـإنَّ عودةَ التصعيد إلى المشهد تصبحُ الاحتمالَ الأبرزَ، سواء استمرت الهُدنة أَو لم تستمر، فعلى الرغم من أن صنعاء لا زالت تتصرفُ بإيجابية كبيرة وتبدي حرصًا عمليًّا واضحًا على إنجاح التهدئة والتقدم نحو خطوات سلام حقيقية، إلا أن عدم وجود رغبة لدى تحالف العدوان للالتزام باتّفاق الهُدنة، فضلاً عن وقف الحرب ورفع الحصار، وعدم توفر إرادَة أممية لرعاية حلول حقيقية، يمثل عائقًا كَبيراً أمام أي جهود سلام من جانب صنعاء.
ويرى مراقبون في صنعاءَ أن تحالُفَ العدوان، والنظامَ السعوديّ على وجه الخصوص، يتجهُ نحو مخاطرةٍ غير محسوبة من خلال عرقلة الهُدنة والتعامل معها كفرصةٍ للمراوغة ولترتيبِ صفوفه، خُصُوصاً وأنه هو من لجأ إلى التهدئةِ لحماية منشآته النفطية بعد عمليات “كسر الحصار” النوعية، وبالتالي فَـإنَّ عودةَ التصعيد لن تكونَ في مصلحته.
ولن تكونَ هذه المرة الأولى التي يسيءُ فيها تحالُفُ العدوان تقديرَ موقف صنعاء من السلام ويعلِّقُ آمالَه على محاولات كسب الوقت وخلط الأوراق، ليصطدمَ في نهاية الأمر باستحالة الالتفاف على محدّدات الحَلِّ الشامل.