المحاضرة الرمضانية الثالثة والعشرون للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي 1443 هـ 24-04-2022م
أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُهُ ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.
أيُّها الإخوة والأخوات
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
اللهم اهدنا، وتقبَّل منا، إنك أنت السميع العليم، وتب علينا، إنك أنت التواب الرحيم.
في سياق الحديث عن المبدأ الإسلامي العظيم: الاعتصام بحبل الله جميعاً، ووحدة الكلمة على أساس ذلك، والأخوّة بين المؤمنين؛ باعتبار ذلك من أهم المبادئ الإسلامية، والفرائض الدينية الإلزامية، التي أتى الأمر بها في القرآن الكريم، وتكرر كثيراً، وأتى الحديث عنها واسعاً من جوانب متعددة.
تحدثنا بالأمس عن بعضٍ من النقاط، في بدايتها: أنَّ هذا هو من المبادئ الأساسية، عندما قال الله “سبحانه وتعالى”: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}[آل عمران: من الآية103]، عندما قال “جلَّ شأنه”: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}[الحجرات: من الآية10]، هذا المبدأ العظيم لأهميته وما يترتب عليه لابدَّ منه في إقامة الدين، في إقامة القسط، لا يتهيَّأ للأمة أن تتحرك ضمن استجابتها لله “سبحانه وتعالى” لإقامة الدين إلَّا بذلك.
كما هو أيضاً فريضةٌ إلزاميةٌ على المستوى الإيماني، لا يتحقق الإيمان، وكمال الإيمان بين المؤمنين، إلَّا به، {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}، أمرٌ ملازمٌ لإيمانهم، إذا كان الإنسان مفرِّطاً في ذلك، ولا يهمه ذلك، ويتجه اتجاهاً فردياً، وعلى قطيعةٍ مع إخوانه المؤمنين، فهو بعيدٌ عن الالتزام الإيماني، ومخلٌّ بإيمانه، ومذنبٌ بذلك.
لأهمية المبدأ العظيم في الاعتصام الجماعي بحبل الله “سبحانه وتعالى“، لابدَّ منه أيضاً في أن تحظى الأمة بالاستقلال عن التبعية لأعدائها، وأن تتحصن من اختراقهم، ولذلك أتى هذا الأمر الإلهي في قوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا}، ضمن ما هدى الله إليه فيما يحمي الأمة ويحصِّنها من سيطرة أهل الكتاب عليها، من سيطرة اليهود عليها، ومن اختراقهم لها، فأتى هذا المبدأ من المبادئ والأعمال الأساسية التي تحصِّن الأمة، وتحفظ الأمة، وتحمي الأمة من اختراق أعدائها، ومن سيطرة أعدائها عليها، ومن تمكُّنهم من التطويع لها واستغلالها، فهو مبدأ له هذه الأهمية بالنسبة للأمة في دينها، في كرامتها، في عزتها، له هذه الأهمية في تحصينها، وحمايتها، والحفاظ عليها، ليس أمراً عادياً، يمكن أن يهتم الإنسان به، أو لا يهتم، فإذا لم يهتم كانت النتائج عادية، أو بسيطة، أو الأضرار طفيفة، أو التبعات محدودة.
نتائج التفريط بهذا المبدأ العظيم: أن يتمكن أعداء الأمة، أعداء المؤمنين، من السيطرة عليهم، من الإذلال لهم، من فرض ما يريدون عليهم، من التطويع لهم، من الاستغلال لهم، ولذلك المسألة في غاية الأهمية.
كما أنه مرتكزٌ أساسٌ للنهوض بالمسؤوليات الجماعية، المسؤوليات الجماعية التوجه الإلزامي فيها على المستوى الفردي هو مؤكد، بمعنى: أن كل شخصٍ عليه أن يسعى للتوحد مع إخوته المؤمنين، والتعاون معهم في النهوض بتلك المسؤولية الجماعية، لا أن يتجه للتحرك على نحوٍ فردي، بشكلٍ شخصي، وعلى أساسٍ فردي، يقول: [أنا سأتحرك بمفردي، لا شأن لي بالآخرين، وسأعمل في سبيل الله لوحدي، وسأتحرك لوحدي، ولا يهمني الآخرون]، ليست المسألة على مزاج الإنسان، عندما تريد أن تتحرك وفق توجيهات الله، وفق تعليمات الله “سبحانه وتعالى”، من منطلق الاستجابة لله “سبحانه وتعالى”، فالله “سبحانه وتعالى” قد وجَّهك إلى كيف تتحرك، عندما قال في الآية المباركة: {وَاعْتَصِمُوا}، وقال: {جَمِيعًا} وقال: {وَلَا تَفَرَّقُوا}، عندما قال: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ}[التوبة: من الآية71].
وأتت هذه المواصفات لتقابل المواصفات النقيضة لها عن المنافقين، قبل ذلك بعدة آيات قال: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ}[التوبة: من الآية67]، في مقابل أنَّ المنافقين يجمعهم، وإن اختلفت دوافعهم، من حيث الأطماع، والأهواء، والرغبات، لكن يجمعهم قاسمٌ مشترك: هو العداء للمؤمنين، هو الكره للمؤمنين، هو التوجهات التخريبية في الأمر بالمنكر، في النهي عن المعروف، في تخريب الساحة الإسلامية من الداخل، ففي المقابل لابدَّ أن يكون تحرك المؤمنين، سواءً في التصدي لتحرك المنافقين، أو من وراء المنافقين، من الكافرين وأعداء الإسلام والمسلمين، لابدَّ أن يكون تحركاً كما رسمه الله، كما وجّه الله إليه: {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}، صفٌ واحد، توجهٌ واحد، موقفٌ واحد، والله قد هيَّأ الأرضية الصلبة الملائمة، التي يقوم عليها هذا التوجه، عندما هيَّأ أن يكون هناك منهجية واحدة، هي كتابه، هي هديه، هي نوره، وقيادةٌ واحدة تتحرك بالأمة على ذلك الأساس، تتحرك بالمؤمنين على ذلك الأساس، وموقفٌ واحد، وهيأ أيضاً من جوانب كثيرة- سنتحدث عن البعض منها في سياق الحديث- ما يساعد على ذلك.
من جانبٍ آخر، إلى جانب أن المسألة مسألة إيمانية، إذا لم يلتزم الإنسان بها، فليس بمؤمنٍ صادق الإيمان، وكامل الإيمان، وهو مخلٌّ بما هو من الفرائض الإيمانية الإلزامية، المهمة جدًّا، فقد تكون بقية أعماله لا قيمة لها، ليست مقبولةً منه؛ لأنه مخلٌ بما هو من الأساسيات، في الالتزامات الإيمانية، وفي تحقيق التقوى.
من أهم ما هو معروفٌ عن هذا المبدأ العظيم، وهذه الفريضة المقدسة: أنه عامل قوة، عامل قوةٍ في كل شيء: في التصدي للأخطار، للأعداء، للتحديات، عامل قوة في مستوى إنجاز الأعمال العظيمة والأمور الكبيرة في كل المجالات، عندما يكون هناك تعاوناً، توجهاً جماعياً، تظافراً للجهود، تكاتفاً، هذا يتحقق به الأشياء الكبيرة، والأمور المهمة والعظيمة.
هناك درسٌ كبيرٌ وواضحٌ جدًّا من واقع الأمة الإسلامية، الأمة التي هي كثيرة العدد، بأكثر من مليار مسلم، في بعض التقديرات بأكثر من مليار ونصف مليار مسلم، بأكثر من المليار والنصف مليار، الأمة التي هي تمتلك رقعةً جغرافيةً واسعةً ومهمة، في مناطق من أهم المناطق في العالم، في موقعها الاستراتيجي، الأمة التي تمتلك الثروات والإمكانات الاقتصادية، وفي باطن الأرض، والثروات التي لم تستثمر بعد بشكلٍ هائل جدًّا، واقعها ضعيف على نحوٍ عام، مقارنةً ببقية الأمم، من الأمم الأخرى على وجه الأرض، ومهما زاد عدد المسلمين، ومهما كانت إمكاناتهم، ومهما… وهم على هذا النحو من الفرقة والشتات؛ فذلك يؤثر عليهم، يؤثر عليهم.
بينما إذا اتجه البعض من المسلمين؛ لأن الانتظار للجميع حتى يتوحدوا لا ينبغي أبداً، هو انتظارٌ للمستحيل، عندما يتجه البعض من أبناء هذه الأمة ليتوحدوا، وتجتمع كلمتهم على أساسٍ صحيح، في الموقف الصحيح، تظهر قوتهم، فاعليتهم في الساحة، أثرهم الكبير، إنجازاتهم الضخمة.
عندما نرى مثلاً كنموذج من أحسن النماذج وأرقاها: حزب الله في لبنان، مجموعةٌ من المؤمنين تحركوا، اجتمعت كلمتهم على أساسٍ صحيح، في الموقف الصحيح، في الاتجاه الصحيح، حققوا نتائج كبيرة، وكانت قوتهم في التصدي للعدو الإسرائيلي، وفاعليتهم واضحةٌ جدًّا، وعاليةٌ جدًّا، وهكذا في أي بقعةٍ من بقاع العالم الإسلامي، يجتمع المؤمنون، وتتوحد صفوفهم، وتتظافر جهودهم؛ تظهر النتائج الكبيرة والمهمة.
فهو عامل قوة، وهذا دافعٌ مهم، الوعي بهذه الحقيقة، وحرص المؤمنين، حرص الناس ذوي الوعي، والبصيرة، والرشد، والحكمة، أن يكونوا أقوياء في موقفهم، أقوياء في عملهم، أقوياء وناجحين في مهامهم، فالجهد الجماعي، والتعاون، وتظافر الجهود، والأخوّة الحقيقية، الأخوّة الإيمانية التي هي أرقى أخوّة، وأرقى الروابط، وأسمى الروابط، التي تعزز حالة التعاون، المبنية على انسجام، وتفهم، وتراحم… إلى غير ذلك، فهو عامل قوة في التصدي للعدو وللأخطار في كل المجالات، ولهذا أتى التشبيه في الآية المباركة للمؤمنين المقاتلين في سبيل الله صفاً واحداً، بتعاونٍ، بتوجهٍ واحد، بأخوّةٍ حقيقية، قال عنهم: {كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ}[الصف: من الآية4]؛ ولذلك يتحتم على الإنسان المؤمن أن يسعى لأن يكون لبنةً صالحةً تدخل ضمن هذا البنيان المرصوص.
كما هو- كما أشرنا بالأمس– عامل استقرار مهم في الوضع الداخلي، في إطار التحرك العملي لابدَّ من توفير حالةٍ من الاستقرار والهدوء، تساعد على أن تتوجه كل الطاقات، كل الاهتمامات، إلى الموقف المهم في التصدي للعدو، في الاهتمام بالأعمال المهمة، في إنجاز ما ينبغي إنجازه.
إذا فسد الواقع الداخلي، وشابته الخلافات، المشاكل، النزاعات، التباينات، العقد، يؤثِّر هذا إلى حدٍ كبيرٍ جدًّا، جزءٌ كبيرٌ من التفكير، إن لم يكن كله، وجزءٌ كبيرٌ من الجهد العملي، من الكلام، يتجه لخدمة فساد ذات البين، لخدمة الشقاق والنزاع، لخدمة الخلافات، والبعض يكون في ذلك أنشط منه في الاتجاه الرئيسي، الاتجاه الصحيح، في النهوض بالمسؤولية، إذا تحوَّلت المسألة مسألة خلافات، وسوء تفاهم، وشقاق، يكون نشيطاً، حاد اللسان، متحركاً، متابعاً، معمماً، نشطاً في الاتجاه السلبي، بأكثر منه في الاتجاه الصحيح، وحاداً، وأكثر جرأة، أكثر جرأةً، لأكثر منه في الاتجاه الصحيح.
ثم يتحول الحال في الانشغال، والعوائق، والتأخير، إلى نحوٍ سلبي، وذلك مما يبين جرم وإثم وذنب هذا السلوك، هذا التصرف، الذي هو في إطار الفرقة، وليس في إطار جمع الكلمة، وترسيخ الأخوّة، وتعزيز الأخوّة الإيمانية.
عندما ينشط الإنسان فيما يفرِّق، فيما يبعثر، فيما يوسِّع الفجوة، فيما يعزز حالة الصراع الداخلي، الشقاق الداخلي، فهو يتجه الاتجاه الشيطاني، مع إبليس، هذه هي وظيفة إبليس، وظيفة الشيطان، دور الشياطين، ودور أوليائهم، الذين يعملون دائماً على التفكيك، على إثارة النزاع، على البعثرة، على تعزيز حالة الكراهية والبغضاء بين المؤمنين، ويعملون على ذلك بأهداف شيطانية، بأهداف شيطانية، فالمسألة سلبيتها كبيرةٌ جدًّا، تؤثِّر على الواقع العملي، تؤثر على النفوس، تتفرع عنها الكثير من المعاصي: النميمة، الغيبة، الكذب، الافتراء، البهتان، سوء الظن… كم تتفرع عنها من المعاصي، وسنتحدث- إن شاء الله- عن ذلك بالتفصيل.
فمن أهمية هذا المبدأ العظيم: أنه يمثِّل عامل استقرار وسلامة من كثيرٍ من الفتن، والمشاكل، والهموم، لصالح ما ينبغي توجيه الطاقات والقدرات، وحتى المشاعر الساخطة نحوه، مشاعر الغضب، والسخط، والانفعال، والشدة، وكذلك الجرأة، كل هذا يمكن توجيهه في الاتجاه الصحيح، حيث تؤجر، وحيث تشكر، وحيث يكون لذلك إيجابياته الكبيرة، ضد أعداء الأمة، ضد أعداء المؤمنين، الاتجاه الصحيح.
مما يدل عليه أيضاً هذا المبدأ العظيم في اهتمام الإنسان به، وسعيه للالتزام به: أنه يدل على الوعي لدى الإنسان، يدل في واقع الإنسان نفسه، في حالة التزامه، اهتمامه، سعيه لذلك، أنه إنسانٌ واعٍ، يدرك أهمية هذا الأمر من كل الجوانب، ويدل على تحليه بالمسؤولية، أنه من المهتمين بالنهوض بالمسؤولية، لديه حرص كبير، أنه بالفعل إنسانٌ مجاهدٌ حقاً، يدرك أهمية المسألة، وقيمتها، وما يترتب عليها من النتائج، وأنه مخلص.
يدل أيضاً على زكاء النفس، وسلامتها من الأنانية، والضغائن… وكثيرٍ من الآفات التربوية، التي هي وراء ألَّا يكون لدى الإنسان تقبُّل للأخوة، للتعاون، للانسجام، حتى للصبر من أجل ذلك.
فهذه جوانب مما يدل على أهمية هذا الأمر العالية، أهميته الكبيرة، وشأنه العظيم، ومسيرة الإسلام قامت على هذا الإساس، مسيرة الإسلام بكلها قامت على مبدأ الأمة الواحدة، التي تتحرك وفق مسؤوليةٍ واحدةٍ، ومنهجٍ إلهيٍ عظيم، وفي إطار قيادةٍ واحدةٍ، تتحرك على أساس هدى الله “سبحانه وتعالى”، والأخوّة الإيمانية، والتحلي بالمسؤولية في إطار ذلك، وقدَّمت نموذجاً راقياً وناجحاً، حلَّ مشكلة العرب آنذاك في الفرقة والشتات إلى حدٍ كبير، ووجَّه طاقاتهم في الاتجاه الصحيح.
كان العرب مشتتين، متفرِّقين، وكانوا مختلفين في كل شيء، وكان العرب شديدين في خلافاتهم، وفي صراعاتهم، يمكن أن يقتتلوا حتى على عقال بعير (مربط الجمل)، معركة حامية جدًّا تقوم على ذلك، ويمكن لكلمة تبدر من شاعرٍ في تلك القبيلة، أو خطيبٍ فيها، أن يفتح صراعاً ساخناً، ومعركةً على أشدها، ويمكن لأي خلاف أن يفسد ذات بينهم، وأن يوسِّع الفجوة بينهم، وأن يفتح صراعاً ساخناً فيما بينهم… وهكذا غرقوا في صراعات كثيرة، كثيرة جدًّا، جزءٌ كبيرٌ منها، وعددٌ كبيرٌ منها، على قضايا تافهة، شيءٌ منها لا يستحق أصلاً أن يفتح الإنسان من أجله أي مشكلة، يمكن أن يتجاهله، أن يتغاضى عنه، وجوانب منها يمكن أن تحل، أن تحل بشكلٍ صحيح، بطريقةٍ إيجابية، على أساسٍ من الحق، والعدل، والإنصاف، أو على أساسٍ من التصالح والتراضي، وبقيت هذه المشكلة في الواقع العربي، عادت إليه فيما بعد، كان رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله” في حركته بالإسلام يتجه بالمسلمين أن يتوحَّدوا بالإسلام، يتجه بالمؤمنين أن يتآخوا في إيمانهم، وكان يرسِّخ هذا الجانب، ويؤاخي بينهم، ويعزز الروابط فيما بينهم، وكان يحثهم على ذلك، وكان يسعى إلى ذلك بكل جهد، وإذا حصل التوجه؛ حصل معه التدخل الإلهي.
وهذا ما حصل مثلاً في قصة الأوس والخزرج، وكان بينهم قبل الإسلام خلافٌ شديد، ونزاعٌ شديد، واقتتالٌ شديد، وعداءٌ شديد، ثم بالإسلام اجتمعت كلمتهم، وتوجهوا توجهاً واحداً، في موقفٍ واحد، في إطار منهجيةٍ واحدة، تحت قيادةٍ واحدة، فألَّف الله فيما بينهم، وذكَّرهم بهذا، قال “جلَّ شأنه”: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا}[آل عمران: من الآية103]، ولاحظوا فيما قاله الله “سبحانه وتعالى” في هذا النص المبارك، ذكر أنَّ الأخوة نعمة لمرتين، {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا}، وفعلاً، وفعلاً الأخوة الإيمانية هي من أعظم النعم، آثارها الإيجابية على النفس، على المشاعر، على الحياة، على الواقع، آثارها عظيمةٌ جدًّا.
الإنسان المشاقق، المعقَّد، هو يعيش حالة الغربة، حالة الوحشة، سوء ظنه، سوء نظرته، عقده تجاه الآخرين، تجعله ينظر إلى كل شيء نظرة سلبية، {فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا}، وهذا ترتب عليها نتائج عظيمة، ونتائج كبيرة.
فالإسلام في منهجيته العظيمة، وفيما يترتب على الانطلاقة الصادقة في مبادئه المهمة، هو صلةٌ بالله “سبحانه وتعالى”، يحظى من يتجهون على أساس مبادئه بالرعاية الإلهية، التي تصل إلى درجة أن يؤلِّف الله بين قلوبهم، لكن هذا لابدَّ فيه من الأخذ بالأسباب، والأسباب أساسها الاستجابة لله “سبحانه وتعالى” في توجيهاته هذه، والتوجه الصادق الذي يعلمه الله، وهو يتدخل، ويجبر القلوب، ويساعد الإنسان حتى في السيطرة على مشاعره؛ لأن البعض من الناس في طبيعته شديد التعقد، سريع الانفعال، بطيء الرضا، سريع الغضب، وبطيء الرضا، فالإسلام قام على هذا الأساس، فكان له أثره العظيم.
أضافةً إلى أنَّ منهجه التربوي يساعد ذلك، هو يزكي النفس، يصلحها من كثيرٍ من الشوائب التي تؤثر على الإنسان؛ لأن جذور السلوك، جذور سلوكيات الإنسان، وتصرفاته، ومواقفه، في أعماق نفسه، جذورها في أعماق النفس: الأنانية، كذلك- مثلاً- الهلع، الكبر… مواصفات معينة، أشياء وسلبيات معينة، إذا كانت متجذِّرةً في نفسية الإنسان، تؤثر عليه؛ فلا يرى في نفسه التقبل لمسألة الأخوّة الإيمانية، والاعتصام بحبل جميعاً، لا يطيق ذلك، هو كثير الاحتكاك، كثير العناد، كثير الإشكالات، لا يستطيع أن ينضبط وفق توجيهات الله “سبحانه وتعالى”، التي تعود إلى تعاملاته كيف تكون بما يفيد ذلك، بما يعزز من حالة الأخوة الإيمانية.
فالتربية الإيمانية هي تربية تزكي النفوس، تصلحها، تطهر مشاعر الإنسان، فتكون مشاعر صافية، نقية، سليمة، ليست مشحونة بالأنانيات، والعقد، والكبر، والغرور، والسلبيات الأخرى، التي تغيِّر سلوك الإنسان، أسلوبه في التعامل، طريقته في المعاملة مع الناس، تصوِّب اهتمامات الإنسان، فتكبر؛ لأنها تتجه نحو الأمور العظيمة، الأمور المهمة، الأمور المقدَّسة، الغايات لديه: رضوان الله، الجنة، السلامة من عذاب الله، تسيطر على مشاعره، على دوافعه، ثم على أسلوبه، على عمله، على طريقته، يصبح متقبلاً، متفهماً، مستجيباً، فلذلك المنهج التربوي هو يساعد على ذلك.
ثم مع ذلك، مع المبادئ، مع المنهج التربوي، مع ما يرتبط بالوعي في هذه المسألة، أرشد الله في القرآن الكريم إلى أسلوب التعامل، كيف يكون أيضاً على النحو الذي يساعد على الأخوّة الإيمانية، من ضمن ذلك قوله تعالى: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا}[الإسراء: الآية53].
قلنا في بداية المحاضرة بالأمس: أن مبدأ الأخوّة الإيمانية، والتوحد، والاعتصام بحبل الله جميعاً، مما يلقى محاربةً شرسة من الشيطان وأوليائه، حربهم شديدة على هذا الموضوع، يركِّزون عليه تركيزاً كبيراً، يبذلون كل جهد، ويسعون بكل جد إلى إثارة الفرقة، إلى إثارة الخلاف، إلى تشتيت شمل المؤمنين، ولذلك أرشد الله في هذه الآية المباركة إلى ما يساعد على تعزيز الأخوّة الإيمانية، عندما قال: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، فيما يقولون، فيما يتخاطبون فيما بينهم، فيما يتحاورون فيه في إطار مسؤولياتهم، هذا موضوعٌ يحتاج الإنسان إليه في المعاملة بشكلٍ عام، وفي أداء الأعمال، وفي أداء المسؤوليات، أن يراعي هذا، أن يقول التي هي أحسن، وأن يترك الكلمات السيئة، المستفزة، الجارحة، التي لها آثار سلبية على مشاعر الآخرين؛ لأن البعض من الناس حاد اللسان، جريء اللسان، والبعض تصل جرأته إلى حد الوقاحة، وقد- أحياناً- قد يكون الإنسان من موقع أنه يرى نفسه مهماً، أو في موقع مسؤولية معينة، يرى لنفسه الحق في أن يقول أي شيء، وأن يتكلم بأي كلام مهما كان مسيئاً، هذا المعيار المهم في الآية المباركة: {يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، من المهم الالتزام به.
{يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ}[الإسراء: من الآية53]، فالشيطان يستغل، عندما تكون طريقة التخاطب والكلام طريقة مستفزة، مستفزة بالفعل، البعض من الناس كل شيء يصبح عنده مستفزاً، حتى الكلام الطبيعي، حتى الكلام العادي، حتى الكلام المسؤول، ما الذي ينبغي أن يستفزك؟ مثلاً: التواصي بالحق، النصيحة، التنبيه على الخطأ بطريقة محترمة، لا ينبغي أن يستفزك، الكلمات التي هي بالفعل كلمات مسيئة، موبخة، جارحة، مهينة، البعض من الناس، إما لأنه حساسٌ جدًّا جدًّا، أو متكبر، أو مغرور، يجعل أي كلمة مهما كانت كلمة محترمة، يجعلها وكأنها جارحة جدًّا، وكأنها من أسوأ ما يمكن أن يقال، وعندما يسمعها الناس، أو تعرض عليهم، الكل يعرف أنها كلمة عادية، لا ينبغي أن يستفز منها إلى تلك الدرجة.
{يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ}، فهو يستغل الموضوع، {إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا}[الإسراء: من الآية53]، ولذلك هو يجعل من أهم ما يسعى له: أن يثير الفتنة والمشاكل بين بني آدم، هذا بدافعه العدائي بالنسبة للشيطان.
تحدثنا بالأمس عن قوله تعالى: {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}[الفتح: من الآية29]، وكيف أن التراحم الذي يأتي إلى كل الواقع، إلى كل الظروف، إلى كل الحالات التي تستدعي الالتفاتة الإنسانية، أن له أهميته الكبيرة في ذلك، له أهميته الكبيرة في تعزيز الروابط والأخوّة، وفي تعزيز المشاعر الأخوية.
التواضع كذلك، في قوله تعالى: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}[المائدة: من الآية54]، من أهم ما يفيد ويؤثر هو التواضع، والتواضع من الجميع، ممن هم في مقامات المسؤولية، ومواقع المسؤولية، بأي صفة، وبالأولى هم أن يكونوا أكثر تواضعاً، أو في مختلف الأعمال، أو بشكلٍ عام، التواضع من الجميع مطلوب، ومهمٌ جدًّا أن يكون سلوكاً قائماً.
الله قال حتى للنبي “صلوات الله عليه وعلى آله”: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ}[الحجر: من الآية88]، خفض الجناح هو تعبير عن حالة التواضع، وحسن التعامل مع الآخرين، وهذه مسألة مهمة جدًّا، أسلوب التكبر، والتعالي، والاحتقار، أو الترفع على الآخرين، السلوك الذي يعبِّر عن ذلك عادةً ما يكون مستفزاً، ويصنع الفوارق؛ بينما التواضع يعزز من حالة الإخاء.
كظم الغيظ، كما مرَّ بنا بالأمس في قوله تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ}[آل عمران: من الآية134]؛ لأن الناس ليسوا بمعصومين، قد يصدر هفوة من هنا أو هناك، تأتي كلمة مستفزة من هنا أو هناك، أو تصرف مستفز، فالإنسان يكظم غيظه، ولا ينفجر، يتحول إلى قنبلة مشحونة بالعقد، أبسط كلمة مستفزة وانفجر بشكلٍ كامل، وإذا هو ذلك المملوء سخطاً، المملوء عقداً، المشحون عقداً، فيثور بالكلام السيء، أو التصرفات السيئة، أو يتهور بارتكاب جريمة عدائية، البعض يقتل، البعض يضرب، البعض يرتكب جريمة من الجرائم، يسيء إساءة بالغة تبطل عمله، تحبط أجره وثوابه حتى على جهاده وعمله، الإنسان يكظم غيظه، والقضايا التي تحتاج إلى معالجة، تعالج بروح عملية، بدلاً من ردة الفعل غير الواعية، ردة الفعل التي تتجاوز التقوى، تتجاوز الضوابط الأخلاقية، والإيمانية، والإنسانية حتى.
{وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ}، فكظم الغيظ هو مما يساعد على الحفاظ على الأخوّة، إذا لم يكن هناك كظم غيظ، وكان هناك على أبسط إشكالية، أو أبسط كلمة، أو أي استفزاز، أو أي شيء يغضب الإنسان، ردة فعل، ردة فعل، ردة فعل، تتحول الظروف العملية، وظروف الحياة، حتى على مستوى الأسرة الواحدة، أو القرية الواحدة، أو الحي الواحد، أو الحارة الواحدة، إلى ساحة مشحونة بالصراعات، والتوترات، والنزاعات، وبيئة مليئة بالقلق، مليئة بالتوتر، مليئة بالانزعاج، هذا لا ينبغي أبداً.
العفو {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ}[آل عمران: من الآية134]، صفة مستمرة؛ لأن كثيراً من الأمور لا ينبغي أن تبقى مشكلة، تحل، أو بعض الأمور قد يتجاوزها الإنسان وتنتهي، والتي قد لا يفيد حتى تجاوزها في أن تنتهي، يمكن معالجتها لتنتهي.
طبيعة البعض من الناس أن يجمع المشكلة عند المشكلة، والكلمة عند الكلمة، وتكون ذاكرته في ذلك ذاكرة نشطة، يحفظ ولا ينسى، طالما والمسألة مسألة عقد فهو لا ينسى، يمكن أن يذكرك بما قلت قبل سنوات طويلة، [أنك قلت في يوم كذا، في ساعة كذا، كلمة كذا]، وأنها لا زالت تَحُزُّ في نفسه، والكلمة عند الكلمة، حتى التي ليست في أصلها كما فهم؛ إنما بحسب سوء فهمه، سوء ظنه، سوء تقديره للأمور، جعل منها مشكلة، والبعض قد تكون إشكاليةً حقيقية، ولكنه ليس ممن يعفو، ليس ممن: {وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ}[الشورى: من الآية37]، لا يغفر، ولا يعفو، ولا يسامح، ولا… وكثيرٌ من الأمور التي لا تستحق أصلاً أن تمثل إشكالية وعقدة، يحتفظ بها الإنسان ويراكمها، ويبني عليها ردود أفعاله.
والبعض من الناس إذا كان في إطار عمل، حتى في إطار العمل في سبيل الله، والجهاد في سبيل الله، تؤثر عليه حتى في عمله في سبيل الله، وفي جهاده في سبيل الله، حتى في هذه المسألة: مسألة الاستجابة لله في الأخوّة الإيمانية، في الاعتصام بحبل الله جميعاً، هو لا يطيق أن يتوحد مع إخوته الآخرين، أن يوآخيهم؛ لأنه معقدٌ جدًّا على ذلك الذي قد قيل له عنه أنه قال كذا، ومعقدٌ جدًّا ومستاءٌ من ذلك الذي كان قد صدر بينه وبينه حدث سوء تفاهم… وهكذا.
فالعفو، المغفرة، {وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ}، هل أنت هكذا؟ قيِّم نفسك، هل أنت ممن يغفر، ممن يسامح، ممن يتجاوز عن كثير من الأمور، لله وفي سبيل الله، من أجل الأمور المهمة، لاهتماماتك الكبرى، لصالح القضايا الكبرى، أو لست ممن هم كذلك؟ هل أنت ممن يعفو؟ قيم نفسك أنت، قيم نفسك على أساس كتاب الله، آيات الله، وأصلح نفسك، ووجّه نفسك على هذا الأساس، والله وعد في القرآن بأن يعفو عن العافين، أنت عندما تعفو عمَّن بدرت منه زلةٌ إليك، يقابلها أن يعفو الله عنك في زلةٍ بدرت منك كانت ستحسب عليك ما بينك وبين الله، {أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ}[النور: من الآية22]، هكذا قال عن العفو في سورة النور، هذا مرغِّب بشكل كبير جدًّا.
مما أرشد إليه الله في القرآن الكريم، في قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[الأنفال: من الآية1]، عندما يحدث سوء تفاهم، عندما يحصل إشكال في الواقع، ما بين هذا وذاك من المؤمنين، وأثَّر على العلاقة فيما بينهم، عليهم أن يسعوا لصلاحه، هذا من تقوى الله ومن الإيمان.
{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}، أطيعوه واتقوه في صلاح ذات بينكم، هذا يدخل ضمنه السعي أصلاً للمحافظة على صلاح ذات البين، أن يسعى الإنسان ابتداءً كيف يحافظ على علاقته بإخوته المؤمنين أن تكون علاقة صالحة، وأن يسود ما بينه وبينهم الأخوّة الإيمانية، ويدخل ضمنه أيضاً: إصلاح ما فسد، إصلاح ما فسد من ذات البين، عندما يحصل سوء تفاهم، أو إشكالية معينة تؤثر سلباً، يسعى الإنسان قدر الاستطاعة لمعالجة ذلك؛ لأن البعض يحتفظ بفساد ذات البين، والعجيب أن البعض وكأنه يعجبه ذلك، كأنه يرتاح، مع أنه دائماً ليس في واقع الأمر في راحة، هو في تعب؛ لأن العقد متعبة، الشحناء، والبغضاء، والغيظ المستمر، والكراهية التي تتأجج في مشاعر الإنسان، كلها مشاعر سلبية، هي مشاعر سلبية، لها تأثيراتها السيئة على نفس الإنسان، متعبة، ليست مريحة، صفاء النفس هو الراحة، صفاء القلب والمشاعر ونقاؤها هو الراحة، هو السعادة.
{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ}، فلا يجوز للإنسان أن يكون سريعاً إلى فساد ذات البين، عجَّال يفسد ذات البين، أو البعض لا يكفيه في واقعه هو أنه ليس ممن يتوجه هذا التوجه؛ إنما يحاول أن يشجع الآخرين على الإساءة، على فساد ذات البين، على خلخلة الصف الداخلي، على الفرقة، والذين يعملون هذا العمل هم في صف الشيطان، هم يعملون عمل الشيطان، هم تأبلسوا، عمل خطير، من أسوأ الأعمال مقتاً عند الله، من أسوئها مقتاً عند الله “سبحانه وتعالى”، ورد في الحديث النبوي الشريف: ((ولا يحلَّ لمسلمٍ أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام))، هجر القطيعة، ليست مجرد الغياب، أو الانشغال، هجر القطيعة، المباينة، الإساءة، الإعراض، عندما يطول الوقت، تتسع الفجوة، يكبر التباين حتى في أعماق النفوس، حتى الوصول إلى نتائج سيئة.
أيضاً من أهم ما يفيد في ذلك: استيعاب الإنسان للوعيد الإلهي: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[آل عمران: الآية105]، الآية تستحق من الإنسان أن يفكر كثيراً، أن يتأمل جيداً، أن يستوعب خطورة الأمر عليه؛ لأن الوعيد بالعذاب العظيم هو وعيدٌ من الله، فالمستهتر بهذا الأمر، والمتجه اتجاهاً سلبياً تجاه هذه المسألة هو موعود من الله بالعذاب العظيم.
نكتفي بهذا المقدار…
ونسأل الله “سبحانه وتعالى” أن يوفِّقنا وإيَّاكم لما يرضيه عنا، وأن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يشفي جرحانا، وأن يفرِّج عن أسرانا، وأن ينصرنا بنصره، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام، والقيام، وصالح الأعمال، إنه سميع الدعاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه؛؛؛