تنافُرُ المرتزِقة وشِقاقُهم .. بقلم/ عبدالرحمن مراد
ظن التحالف أنه قد صنع واقعاً جديدًا في اليمن من خلال تجميع المرتزِقة في بوتقة مجلس القيادة، وظن أنه قد يستطيع من خلاله أن يمرر ما يشاء من أجندات، ولكنه لم يدرك حجم التناقض الظاهر والباطن في أعضاء المجلس، فقد كانوا أمراء حرب، وهم على تناقض بين وواضح، فلا جامع يجمعهم، ولا قضية لهم سوى مع أنفسهم، ومصالح أنفسهم، أَو ما يصنعونه من مجد وأثر لأنفسهم، وما سوى ذلك لا يمكن التعويل عليه، وقد سبق لي أن كتبت ذلك في تناولات سابقة، ولم يطل المدى حتى قالت الأيّام ما ذهبنا إليه من بيان وتوضيح.
اليوم التوتر على أشده في المناطق المحتلّة بين أمراء الحرب الذين يشكلون قوام مجلس القيادة، وكلّ فصيل يريد أن يقول للسعوديّة وللإمارات إنه الأقوى والأكثر أثراً وسيطرة، ولذلك تنشط في صفوف المرتزِقة حركة الاعتقالات، ونسمع تنابزاً كَثيراً، وتهديداً من بعضهم لبعضهم، وكادت النزعة الذاتية تعلو في الخطاب، وكاد أمراء الحرب أن يعلنوا مواجهة بعضهم بعضاً كدورة تاريخية تعتادها عدنُ منذ زمن، ومثل ذلك كائن لا محالة ولن يطول أمد انتظاره.
ذلك ما يحدث اليوم في صفوف المرتزِقة في الميدان كما تتداوله الأخبار، وثمة أمر آخر يظهر اليوم في وسائل التواصل الاجتماعي، حَيثُ يخوض الإخوان مع أنفسهم جدلاً واسع النطاق، إذ تفجر الحدث من خلال الفتاوى التي أطلقها بعض رموز الإخوان بعدم جواز الترحم على الإعلامية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، وقد تصاعد إلى درجة التراشق اليومي وتفنيد الأفكار، ويبدو أن صاحبة نوبل -وهي قيادية في حزب الإخوان- تقود حملة تطهير للجيل التقليدي وقد تجرفه من الواجهة السياسية من خلال الكثير من الأنشطة والتفاعلات التي تقوم بها خارج اليمن أَو داخله، فحزب الإصلاح قد يحمل وجهاً آخراً غير الذي كنا نعرفه في سالف أيامنا من خلال حالة التجريف التي تنتهجها توكل كرمان للوجوه القديمة، وللفكر القديم، والسلوك القديم، وقد شعر قادة الإصلاح بخطورة ما تقوم به توكل المدعومة من الغرب فلم يسعهم إلا معايرتها بفقرها وعوزها قبل 2011م وقال أحدهم: إنها لم تكن تجد قيمة فرشاة أسنان لتنظيف أسنانها، وتساءل عن الأموال التي تنشط بها هذه الأيّام، وهو تساؤل يطوي المرارة والحقد في حنايا أضلعه ولا يخلو من مكر كعادة “الإخوان”.
في الطرف الآخر لتيار الإخوان وبعيدًا عن التآكل لبيني يطل الانتقالي الذي يناصب الإخوان العداء الشديد وبالتالي فحالة الترقب والتصفيات بين الانتقالي و”الإخوان” تنشط بوتيرة عالية، فما يمر يوم دون أن تسمع بتفجير أَو اغتيال هنا أَو هناك، أما معسكر العمالقة فهو يحمل بذرة الفناء في تركيبته فهو خليط متجانس من جماعات ترتبط ارتباطاً وثيقاً بأجهزة استخبارية ولذلك سيكون أقرب إلى التنافر أَو الانفجار منه إلى الانسجام أَو التناغم وكل أُولئك لا تجمعهم قضية.
ويبدو لي أن الحلقة الأضعف هي حلقة العليمي، فهو لا يملك امتداداً في الميدان، وربما قد يجد في طارق عفاش ملاذاً، بيد أن طارق -وإن بدا أنه أكثرهم قوة وعتاداً وتنظيماً- بدون أيديولوجيا، وبدون مسار ثقافي واضح، ولا يملك هدفاً وطنياً نبيلاً، كما أن مكونه العسكري وإن كان ظاهره الوحدة إلا أن جوهره الشتات والتنافر، وربما كانت توكل أكثر ذكاء من طارق عفاش فهي لا تملك جيشاً ولا سلاحاً لكنها تملك حضوراً ثقافيًّا واجتماعياً وإنسانياً يجعل منها أكثر شعبيّة من فيالق طارق التي سرعان ما تبتلعها رمال اليمن المتحَرّكة.
ويبدو لي -من خلال المعايشة والتجارب- أن مشروع توكل الثقافي والإنساني أخطر على اليمن من أي مشروع آخر، فهو مشروع يتكامل مع الاستراتيجيات الغربية في السيطرة على الموجهات الثقافية، ولها نشاط ملحوظ في هذا الاتّجاه فما إن يئن أي أديب أَو فاعل ثقافي أَو فنان إلا وتسارع إلى الإعلان عن مساعدة لهذا أَو ذاك، كما أنها تبذل المال بسخاء في نشر أعمال الأدباء عن طريق مؤسّسات ودور نشر بشكل مباشر أَو غير مباشر.
الخيارُ العسكري فشل في اليمن لكن العدوّ يستخدم اليوم خيارات أُخرى ومنها الخيار الثقافي والإنساني، وهو ينشط في هذا الاتّجاه نشاطاً ملحوظاً منذ أمد غير قصير، وهذا النشاط في أوج الذروة من خلال حالة التفكيك لنظام الإخوان العام والطبيعي، والتسويق لمشروع توكل على حساب مشاريع أُخرى لم تعد مجدية من وجهة نظر اللاعب الدولي، وعلينا أن ندرك هذه الظاهرة ونحاول فهم ما يحدث حتى نتمكّن من السيطرة على مقاليد المستقبل ونحافظ على الانتصارات والتضحيات التي قدمها شعبنا؛ مِن أجلِ الحرية والاستقلال والسيادة.