البحرية اليمنية نحو وعيد قائد الثورة بـ “إغراق العدوّ إلى قعر البحر كما هو هلاك فرعون”
المسيرة: عباس القاعدي
بعد أن وصلت دولُ العدوان الأمريكي إلى مرحلةِ الفشلِ الكبيرِ والإخفاقِ والافلاسِ أمام صمود الشعب اليمني، خُصُوصاً بعد الضرباتِ الموجعة التي نفذها أبطالُ القوات المسلحة في العمق السعوديّ والإماراتي، واستهداف المنشآتِ الحيوية والاقتصادية، بمجموعة من الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة، برزت أمريكا بشكل مباشر، لاحتلال البحر الأحمر الذي يتمتع بموقع جغرافي استراتيجي، وتهيئة الأجواء فيه للتصعيد العسكري، من خلال محاولة تكريس روايات مضللة عن “تهريب الأسلحة” واستخدام الموانئ اليمنية لأغراض عسكرية، وعلى الرغم من أن تلك المحاولات قد انتهت بفضائح مدوية، كان الهدف منها بقاء سواحل البحر الأحمر وباب المندب تحت الهيمنة العسكرية الأمريكية؛ ولهذا فَـإنَّ دول العدوان تعرف أكثر من غيرها أن قضية تهريب الأسلحة إلى اليمن مُجَـرّد دعاية لتبرير احتلال السواحل اليمنية، فيما يعرف التحالف العدواني الذي تقوده أمريكا وأدواتها أن اليمن بعد سبع سنوات من العدوان والحصار لم يعد بحاجة لاستيراد السلاح من الخارج، فعشرات المعارض العسكرية التي تضم مئات الأصناف من الأسلحة اليمنية كفيلة بأن تفضح مزاعم الأعداء، فضلاً عن تشديد الحصار الذي يصعب فيه استيراد الأدوية والوقود، ومع كُـلّ هذا وذاك فَـإنَّ دول العدوان بتصعيدها الجديد في البحر الأحمر قد تجبر القوات المسلحة اليمنية على اتِّخاذ خيارات دفاعية تقلب الطاولة على المصعدين، ولعل واشنطن وأدواتها تدرك وعيد قائد الثورة في خطابه بمناسبة اليوم الوطني للصمود الذي توعد بقوات بحرية نوعية تغرق العدوّ إلى قعر البحر.
تبعات ما بعد الهُدنة
وبناءً على مخطّطات الأعداء في محاولة لتحشيد المجتمع الدولي للتصعيد في البحر الأحمر، تم الإعلان عن التدخل العسكري الأمريكي المباشر في العدوان على اليمن؛ دعماً للتحالف السعوديّ الإماراتي الفاشل، بعد سنوات من محاولات تقليل الدور الأمريكي البارز، وكل هذا التصعيد البحري الجديد يأتي في ظل الهُدنة الأممية التي اعتبرها مراقبون غطاء لتشديد الحصار على الشعب اليمني وشرعنة وجود القوات الأمريكية في المياه الإقليمية لليمن.
وحول التحَرّك الأمريكي في البحر الأحمر والمتزامن مع الهُدنة الأممية التي لم يتبقَّ منها سوى أَيَّـام، أكّـدت تقارير دولية أن هذه الهُدنة ليست سوى مُجَـرّد غطاء لتحَرّك الأمريكي وأدواته في البحر الأحمر ولتنفيذ مخطّطات عدوانية خبيثة ضد اليمن وشعبه خلال الأشهر القادمة، منها الاحتلال المباشر لباب المندب وتحويل الحرب البرية إلى حرب بحرية؛ بهَدفِ السيطرة على الطرق العالمية، وهذا ما أكّـدته صحيفة “عكاظ” التابعة للعدوان، حَيثُ ربطت التحَرّك العسكري الأمريكي بما أسمته “تبعات ما بعد الهُدنة”، في إشارة أكثر من صريحة إلى أن دول العدوان تعتزم استغلال الهُدنة كفرصة لخلط الأوراق وترتيب الصفوف عسكريًّا، وهو الأمر الذي ينذر بجولة تصعيدية جديدة تفاقم معاناة اليمنيين المتعاظمة مع استمرار العدوان والحصار.
وعن سر إعلان تشكيل هذه القوة في ظل وجود هُدنة أممية في اليمن وإعلان واشنطن دعم هذه الهُدنة، وبحسب التقارير الدولية فَـإنَّ واشنطن استغلت الهُدنة، بالحضور العسكري المباشر في البحر الأحمر، مستغلةَ المتغيرات على المستوى الدولي والإقليمي، لتنفيذ مخطّط الاحتلال والهيمنة المباشرة على جزر وشواطئ وموانئ اليمن، ولهذا فَـإنَّ التحَرّك الأمريكي في البحر الأحمر قد أعاد التذكير بإعلان قائد الثورة السيد عبد الملك بدرالدين الحوثي عن “مفاجآت” كبيرة تنتظر العدوّ على الجبهة البحرية بشكل خاص، أي أن القوات المسلحة اليمنية لن تقف مكتوفة الأيدي أمام الاستفزازات الأمريكية، لتكون المرحلة القادمة على موعد مع تحولات عسكرية عدة، يصعب تكهن نتائجها، غير أن من المتوقع ضربات نوعية لصنعاء ضد الأعداء المصعِّدين على المستوى البحري والبري والجوي.
وقبل كُـلّ ذلك فَـإنَّ القيادة الثورية والسياسية قد فهمت السيناريو الأمريكي منذ بداية العدوان عام 2015م، وقبل أن تعلن الولايات المتحدة مؤخّراً تحَرّكاتها العسكرية في البحر الأحمر وقبالة السواحل اليمنية، تحت عنوان “تعزيز الأمن”، الهادفة إلى السيطرة والهيمنة وتنفيذ عمليات عسكرية أمريكية مباشرة ضد الشعب اليمني بشكل خاص والمنطقة بشكل عام، حَيثُ سبق أن أكّـد قائد الثورة السيد عبد الملك بدرالدين الحوثي -يحفظُه الله- أن الحربَ على بلادنا أمريكية، وأن أمريكا هي من تقود العدوان والحصار على بلادنا وما دول العدوان إلا مُجَـرّد أدوات فقط.
صنعاء: تحَرّك مشبوه لن يقابَلَ بالصمت
وفي تعليقه على التحَرّك العدواني الأمريكي في البحر الأحمر، وتشكيل قوات عسكرية مشتركة لدول العدوان للقيام بدوريات بحرية -والذي يعد مؤشرا خطيرا على نوايا التصعيد ضد اليمن-، خُصُوصاً أنه جاء في سياق محاولة أمريكية سعوديّة واضحة لترتيب صفوف تحالف العدوان واستغلال “الهُدنة” للالتفاف على متطلبات ومحدّدات السلام، يقول رئيس الوفد الوطني، محمد عبد السلام: إن هذا التحَرّك الأمريكي في البحر الأحمر في ظل هُدنة إنسانية وعسكرية في اليمن يهدف لتكريس حالة العدوان والحصار على الشعب اليمني ويناقض المزاعم الأمريكية حول دعم الهُدنة التي ترعاها الأمم المتحدة.
ولأن التحَرّك الأمريكي في البحر الأحمر والتعامل السلبي من قبل العدوان يعطي قراءة سوداوية للهُدنة الإنسانية والعسكرية في اليمن، فَـإنَّ القيادة العسكرية والسياسية ترقب التحَرّك الأمريكي المشبوه في البحر الأحمر وأمام السواحل والمياه الإقليمية اليمنية وباستعداد عسكري وبحري مكتمل وجهوزية عالية للدفاع عن المياه اليمنية بل وأبعد من ذلك، حَيثُ أكّـد قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي في خطابه بمناسبة يوم الصمود الوطني على جهوزية القوات البحرية اليمنية للدفاع عن سواحل الجمهورية من ميدي إلى المهرة وبما تمتلكه القوات البحرية اليمنية من أسلحة نوعية تسطيع إغراق سفن وبوارج العدوّ، وهذه رسالة واضحة لأمريكا وتحالفها العدواني بأن استمرار الحصار على الشعب اليمني لن يطول ولن تقف القوات البحرية كغيرها من القوات المسلحة مكتوفة الأيدي في الدفاع عن الشعب اليمني برا وبحرا وجوا.
للبحرية رجالُها
وتأكيداً على دقة المراقبة في البحر الأحمر، يقول عضو المكتب السياسي لأنصار الله، علي القحوم: إننا نراقب عن كثب التحَرّكات العسكرية الأمريكية المعادية في البحر الأحمر قبالة السواحل اليمنية والتي تؤكّـد بما لا يدع مجالا للشك أن هناك نوايا عدوانية يحضَّر لها العدوان الأمريكي.
وَأَضَـافَ القحوم، أن تلك التحَرّكاتِ تنفي مزاعمَ أمريكا تجاه السلام في اليمن وأنها مُستمرّة في عدوانها وحصارها على الشعب اليمني”.
بدوره، يقول عضو المكتب السياسي لأنصار الله، محمد البخيتي، في تغريدة على تويتر: إن التصعيد الأمريكي في البحر الأحمر لن يُثنيَنا عن مواصلة عملياتنا العسكرية في الداخل والخارج حتى تحرير آخر شبر من أرض اليمن وحماية حدوده البحرية.
ويؤكّـد المحافظ البخيتيً أن تلك التحَرّكات التي وصفها بالاستفزازية تثبت أن الولايات المتحدة هي من تقف خلف حالة عدم الاستقرار التي يعيشها العالم بأكمله.
وفي حديثه بشأن إعلان البحرية الأمريكية تشكيل دوريات في البحر الأحمر، هدّد عضو المكتب السياسي لأنصار الله، محمد علي الحوثي، برد عسكري على أي انتهاك يستهدف المياه الإقليمية اليمنية، حَيثُ أورد في تغريدة على تويتر عبارة من خطاب سابق لقائد الثورة السيد عبد الملك الحوثي -حفظه الله-: “عملنا على أن نطلقَ الصواريخ والمسيَّرات من أي مكان نريد الإطلاق منه، وإلى أي هدفٍ نريدُه حتى في البحر”، مذيلاً العبارة بتساؤل: من القائل؟ في إشارة إلى أن قائد الثورة، لا يتحدث إلا في إطار ما هو ممكن وما يستطيعون فعله، مؤكّـداً ذلك بقوله: “للبحرية رجالُها”، وهو الأمرُ الذي يؤكّـد أن مراقبةَ صنعاء للتحَرّكات الأمريكية يوازيها عملٌ عسكري سيظهَرُ للعلن مع أول خطوة رد عند إدراك صنعاء أن الهُدنة باتت مستغلةً وأن تحالف العدوان يسعى من خلالها لتعزيز الوجود العسكري الأمريكي البريطاني في المياه والسواحل والجزر اليمنية، وهنا نذكّر بما قاله السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي معلقاً على الاستعداد القتالي البحري بقوله: عملنا من نقطة الصفر، فاعلية عالية في الأداء البحري والعملياتي، وتطوير للمستقبل، وفق برنامج واضح ومحدّد، لا نحتاج إلى الإعلان عنه، تظهر ثمراته إن شاء الله في المستقبل القريب، مُضيفاً “قادمون بأسلحتنا البحرية، التي تغرق الأعداء، وتوصلهم -بإذن الله تعالى- إلى قعر البحر، كما هو هلاك فرعون”.
قلقٌ أمريكي صهيوني متنامٍ
وبخصوصِ الأهداف الرئيسية من التواجد الأمريكي في البحر الأحمر، يرى خبراء في الشؤون السياسية والعسكرية أن واشنطن تسعى إلى السيطرة على مضيق باب المندب الذي يعطي الجمهورية اليمنية موقعاً استراتيجياً هاماً والتحكم في التجارة العالمية، بالإضافة لمساع أمريكية إلى إعطاء الكيان الصهيوني دوراً كَبيراً وحضوراً منظماً في البحر الأحمر وبحر عمان والخليج.
وبحسب الخبراء، فَـإنَّ تلك الأهداف لا تتحقّق لأمريكا في البحر الأحمر، خُصُوصاً بعد أن أصبحت علاقةُ العدوان الأمريكي الصهيوني بالدول المطلة علية وثيقةً ما عدا اليمن؛ لأَنَّ اليمن يشكل مصدر القلق الأمريكي الصهيوني السعوديّ والذي تنفذ ضده عدوان غاشم منذ سبع سنوات وحصار ظالم عدواني يستهدفُ الموانئ والمطارات والمياه الإقليمية والسواحل.
وفي ظل المساعي الأمريكية لفرض هيمنتها على البحر الأحمر والسواحل اليمنية المطلَّة عليه ومضيق باب المندب، تسعى واشنطن لاستخدام التكنولوجيا الجديدة للسيطرة على البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن، وذلك عبر دمج التعامل مع أنظمة الذكاء الاصطناعي في عملياتها العسكرية، ومنها الطيران المسيّر “الدرونز”، وكشفت صحيفة “جيروزاليم بوست” العبرية، في تحقيق مطوّل لها عن توجّـهات أمريكية لصناعة طائرات درون مسيَّرة، تكافئ قدراتِ التصنيع الحربي والعسكري لدى صنعاءَ، لمواجهة ما تعتبره خطراً في البحر الأحمر وباب المندب، في إشارة إلى التسليح النوعي اليمني الذي تمتلكه صنعاء.
وقالت الصحيفة: إن واشنطن تسعى لتأمين مصالحها في البحر الأحمر من خلال احتلال الممرات المائية بما فيها باب المندب وخليج عدن، عن طريق أسلحة تستخدمها في مناوراتها المشتركة مع 35 دولة وكياناً منها الكيان الإسرائيلي، وتعتمد على تقنيات تصنيع حديثة وصلت إليها صنعاء وتفوقت، ومنها طائرات بدون طيار، حَيثُ تحاول أمريكا إنتاجَ المزيد من طائرات “الدرون”.
وفي سياق التحقيق النوعي الذي أجرته الصحيفة، قال خبراء عسكريون أمريكان: إن الولايات المتحدة تدفع حلفاءها -ومنهم الرياض وأبو ظبي وتل أبيب- لاستخدام التكنولوجيا الجديدة للمساعدة في تأمين نفسها من هجمات صنعاء التي حقّقت أهدافها بدقة عالية في عُمق العدوان السعوديّ والإماراتي.
وحذَّر نائب الأدميرال “براد كوبر”، قائد القيادة المركزية للقوات البحرية الأمريكية (NAVCENT)، وهو جزء من الأسطول الخامس الأمريكي، إسرائيل من إمْكَانية وصول أسلحة صنعاء إلى تل أبيب، موجِّهاً إحاطة صحفية مسجلة من مركز الإعلام الإقليمي في دبي بوزارة الخارجية الأمريكية حول الدافع نحو التكنولوجيا الجديدة، وأنها تأتي لحماية أدوات أمريكا في المنطقة بعد التطور الذي وصلت إليه الصناعات في صنعاء، التي تؤكّـد باستمرار أنها ستستخدمها لحماية سيادتها وطرد القوات المتواجدة على سواحلها.
أهدافٌ مشبوهةٌ على أنقاض الخيانة
وكان الكيانُ الصهيوني قد أجرى مناوراتٍ بحريةً -في نوفمبر الماضي- في البحر الأحمر مع الولايات المتحدة والبحرين والإمارات؛ بهَدفِ إدخَال عناصرَ إسرائيلية إلى المنطقة لتأمين تل أبيب عن بُعد، عقب تأمينها سياسيًّا ودبلوماسياً بواسطة اتّفاقيات التطبيع الخيانية التي أبرمتها معها عدة دول عربية من بينها الإمارات والبحرين والمغرب، الأمر الذي يفسره مراقبون على أنه مرحلةٌ جديدةٌ من العمل الاستخباراتي الغربي والصهيوني؛ لأجل تمرير أجندة تخدم “إسرائيل” في ظل غياب دولة سيادية يمنية حقيقية في جنوب وشرق البلاد.
وحولَ الدافع وراء التكنولوجيا الجديدة، قالت صحيفة “جيروزاليم بوست” في تقرير لها: “واشنطن تعتزم الاعتماد على “الدرون” لتأمين الممرات المائية بما فيها باب المندب وخليج عدن”، في إشارة إلى مرحلة جديدة، من استخدام الولايات المتحدة للتصعيد في البحر الأحمر كأدَاة ضغط عسكري وإنساني لفرض إملاءات غير مشروعة ترفضها صنعاء باستمرار وتؤكّـد انها لن تسمح بها، في مؤشرات تقود نحو حرب شاملة في البحر.
وخلال الأشهر الماضية من العام الجاري، بدأت واشنطن في تكثيف خطواتها العملية للسيطرة على البحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي، حَيثُ بدأت منذ شهر مارس الماضي، تحَرّكاتٍ ولقاءات للقيادات العسكرية الأمريكية الغربية الخليجية الإسرائيلية، كلقاءاتٍ رسمية مباشرة، ولقاءات على هوامش فعاليات أمنية جرت في الإمارات والرياض والدوحة، كان من أهمها “قمة النقب” الخيانية.
وفي سياق متصل، تؤكّـد تقاريرُ نشرتها مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية ومعهد واشنطن لدراسات الشرق الأوسط، أن السعوديّة دفعت 300 مليون دولار لقاء تسيير الدوريات الأمريكية في البحر الأحمر التي تقودهما بارجتان، حَيثُ يأتي نشر التقارير الإعلامية متزامناً مع إعلان البحرية الأمريكية بدء تسير دوريات أمنية في المياه الإقليمية اليمنية، ابتداءً من البحر الأحمر وُصُـولاً إلى بحر العرب، ومُرورًا بخليج عدن.
ومن هذا المنطلق فَـإنَّ الممراتِ البحريةَ الدولية، على البحر الأحمر، تعتبر أهمَّ أسباب الحرب والعدوان على اليمن منذ سبعة أعوام، وما قبلها؛ كون اليمن تتحكم في أهم تلك الممرات على مستوى العالم، وهو مضيق باب المندب، وقد ثبت لليمنيين ذلك المسعى الذي تتحَرّك بموجبه دول العدوان لتسهيلِ سيطرة واشنطن على الممرات البحرية اليمنية، حَيثُ أعلن قائدُ الأسطول الأمريكي الخامس تأسيسَ قوة بحرية مشتركة تمثل أربعاً وثلاثين دولة، لتسييرِ دوريات في البحر الأحمر، الذي تطل عليه اليمن.