أنظمةٌ حاكمة في خدمة قوى الاستكبار .. بقلم/ إبراهيم محمد الهمداني
هيّأ غيابُ المشروع السياسي والاقتصادي الإسلامي الجامع، لعودة القوى الاستعمارية، لتمارِسَ –من جديد– هيمنتَها واستبدادَها على شعوب المنطقة العربية والإسلامية، ولكن –هذه المرة– من خلال الأنظمة العربية الحاكمة، التي كانت نسخةً طبق الأصل من ذلك المستعمر، خَاصَّة في طبيعتها التسلطية، وأساليبها القمعية، وأجهزتها البوليسية الاستخباراتية التجسسية، التي أصبحت أدوات قمعية، لقوى شيطانية مستبدة، تسعى لإخضاع الشعوب، وتحرص على “أن يكونوا خاضعين، أن يكونوا مذعنين أن يكونوا مستسلمين ومستكينين، ثم أن يكونوا مستغلين ومستعبدين مستعبدين لقوى الطاغوت، ما الذي تريده أمريكا منا اليوم، إلا أن نخضع لسيطرتها بشكل مطلق، إلا أن تستغلنا نحنَ كبشر ومواردنا الاقتصادية ومناطقنا، حتى على مستوى أراضينا، بكل شيء، تريد أن تستغل كُـلّ شيء، ما الذي يريده عملاء أمريكا؟ ألا عملية إخضاع لطاغوتهم الأمريكي، على نحو ما يريد وبما يسعى له، فإذاً هذه الأُمَّــة إذَا أرادت أن تتحَرّك، ستقمع.. سيسعى الآخرون لاستهدافها، ويقوم لها أعداء تختلف معهم، تتناقض معهم، في اتّجاهاتهم، في إرادتهم، فيما يسعون له من سيطرة واستعباد”. (السيد القائد – دروس الهجرة النبوية ١٤٤٠هـ – الدرس الرابع).
وذلك هو ما أَدَّى إلى سيادة الصوت الواحد، وهيمنة الحاكم الأبدي، وتقديس الزعيم المستبد، وقمع الصوت الآخر، وتدجين الشعوب، وتخديرها بوعود التنمية الغربية، المشروطة –علاوة على طابعها الربوي– بدعوات الانفتاح والتحرّر والمساواة، وكل مشاريع الانحلال الديني والقيمي والأخلاقي، التي تستهدف بنية المجتمع الإسلامي، في صميم كينونته، وتسلبه كُـلّ ممكنات حضوره وقوته.
ولم يقتصر دور الأنظمة الحاكمة على تهيئة الشعوب لتقبل المستعمر الأمريكي، تحت العناوين الحضارية والإنسانية المزعومة، بل تجاوزت ذلك إلى خلق بيئة مجتمعية أكثر استلابا وانهزامية، وأكثر تلاؤما مع مشروع الترويج للنموذج الحضاري الغربي، في صيغته الأمريكية، وقد عهدت الأنظمة الحاكمة بذلك الدور إلى أبواقها الوظيفية، من النخب السياسية والفكرية والدينية والثقافية والاجتماعية، لتقوم بامتداح محاسن النموذج الحضاري الأمريكي، بغض النظر عن طبيعته الاستعمارية، بوصفه نافذة الخلاص والأمل الوحيد، لإخراج الشعوب من مستنقعات تخلفها، وتحريرها من قيودها الفكرية والدينية والاجتماعية، ومساعدتها في تجاوز أزماتها السياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها، ويمكن القول إن أخطر عملية إفساد مجتمعي، تمت على المستوى الرسمي، هي ما قام به النظام السعوديّ، حين عمل على الانتقال من التشدّد المفرط في المغالاة، إلى الانفتاح المتنكر لكل القيم والثوابت، والانحلال اللامتناهي بكافة مظاهره، دفعة واحدة، مؤيدا انتشار الخمور، ومروجا للانحلال الديني، والفساد الأخلاقي، تحت مسمى الحريات، حسب التوجيهات من الإدارة الأمريكية، وخدمة لمصالح وأهداف ذلك الحليف الشيطاني، ومنها – كما يطرح السيد القائد – تغييب الدين الحقيقي، وتعميم دين مشوه مزيف بين المسلمين، ولذلك حرصوا على “انتشار المفاسد الأخلاقية: الفواحش أعادوا نشرها في الساحة بشكل كبير، روَّجوا لها، هيَّأوا لها، مثل ما هناك الآن هيئة ترفيه في المملكة العربية السعوديّة، كان لهم أنشطة – هم – أوسع من ذلك. فهذا الدور الخطير جِـدًّا، الذي عملوا من خلاله إلى إفساد المجتمع الإسلامي، وإلى إبعاده عن الإسلام؛ حتى يصبح هناك نموذج مختلف، شكل مختلف من الإسلام، يبقي على بعضٍ من الطقوس والشعائر، مع إبعاد الكثير من الأسس والمبادئ والأخلاق المهمة، التي تصلح واقع الحياة، غيَّبوا الإسلام الذي يصلح واقع الحياة، الإسلام الذي يحق الحق ويزهق الباطل، الإسلام الذي يقيم العدل في واقع الحياة، الإسلام الذي يسمو بالإنسان، يزكيه، يربيه على مكارم الأخلاق، يسمو به في فكره، في وعيه، في فهمه، في ثقافته، وأعادوا الكثير من الخرافات لتكون هي المنهج الذي ينشر في الساحة بشكل روايات، بشكل مواعظ، بشكل قصص، في عملية التعليم؛ حتى ملأوا الكثير من عقول الناس وتصوراتهم ومفاهيمهم بالمفاهيم الخاطئة جِـدًّا، والخرافات الكثيرة جِـدًّا، هذا الدور السلبي هدف إلى إفساد المجتمع الإسلامي وتربيته ليصبح بيئةً متقبِّلةً للطغاة، للظالمين، للمجرمين، تربية الباطل، عندما يتحَرّكون في ساحةٍ قد أفسدوها لا يجدون أي عوائق أمامهم، هم أرادوا ذلك وسعوا إلى ذلك مع عدائهم للإسلام نفسه، مع موقفهم السلبي تجاه الإسلام نفسه”. (السيد القائد – الدروس – دروس من وحي عاشوراء ١٤٤١هـ – الدرس الثاني).
عملت الأنظمة الحاكمة على تكريس مستويات متقدمة من الإفساد المجتمعي، فاستهدفت المرأة المسلمة، بذريعة إنصافها حقوقها وتحريرها، واستهدفت المجتمع المسلم، تحت عناوين، حرية المعتقد، وحرية القول والتعبير، وحرية الرأي والرأي الآخر، وغيرها من العناوين المزيفة، التي أوصلت المجتمعات إلى حالة متقدمة، من التفكك والضياع والعدمية، قبل أن تصل بها إلى مبتغاها الحضاري، ونهجها التطوري الموعود.
لتسقط أخيرًا، في دائرة الفساد والانحلال، والعجز عن امتلاك المسار التقدمي الخاص، والانتظار في منطقة الصفر السلبي، من الخط الزمني الحياتي، فلا قطيعتها عن ماضيها، وتمردها على إرثها الحضاري، منحها الجنسية الحضارية الغربية، حسب الوعود الأمريكية، ولا تعصبها وانغلاقها على موروثها الحضاري والفكري، ساعدها على صياغة مشروعها التطوري التقدمي الخاص بها، الذي يجب أن ينطلق من حَيثُ توقف الأسلاف، ومواصلة المسار الحضاري زمنيا وفكريا، على ذات المنهجية العلمية، والمرجعية القرآنية، مع الإفادة من مخرجات النموذج الحضاري الغربي، ومنهجيته وتقنياته.