التعاطي الأممي مع “الهُدنة” يقلل احتمالات تمديدها
المسيرة: خاص
مثّل اتّفاقُ الهُدنةِ بين صنعاءَ وقيادة تحالف العدوان الأمريكي السعوديّ الإماراتي، اختبارًا رئيسيًّا لمدى استعداد وجهوزية الأمم المتحدة لإيجاد حلول حقيقية تضع حدًّا للصراع، كما تضع حدًّا للدور الأممي السلبي تجاه اليمن، بالشكل الذي يعيد إليها مصداقيتها التي سقطت بفعل التواطؤ مع تحالف العدوان طيلة السنوات الماضية.
ومع اقتراب نهاية الهُدنة، لم يعد هناك شك في أن الأمم المتحدة قد سقطت في هذا الاختبار بشكل فاضح، وهو الأمر الذي تؤكّـدُه بوضوح صنعاء التي لم تعد ترى في هذه المنظمة الدولية “طرفًا محايدًا” أَو “قادرًا على رعاية أي اتّفاق”، بحسب تعبير عضو الوفد الوطني عبد الملك العجري.
وعلى الرغم من أنه لا زالت هناك فرصة أمام المبعوث الأممي لتغيير هذا التقييم، إلا أن كُـلَّ المؤشرات تجعله تقييمًا نهائيًّا؛ لأَنَّ سلوك “غروندبرغ” لم يكشف فقط عن “عجز” الأمم المتحدة عن الالتزام بالحياد والتمسك بالمسؤوليات، بل كشف أنها لا تمتلك أي رغبة في فعل ذلك، بل إنها تتعمد الانحياز الكامل لتحالف العدوان.
بنودُ اتّفاق الهُدنة مثلت اعترافًا واضحًا بأن خيوط الأزمة الإنسانية الأسوأ في العالم، كلها بيد تحالف العدوان، وأن المعاناة اليمنية تُستخدم بشكل فاضح كورقة مساومة، إلى حَــدِّ أن تسيير رحلتين جويتين للمرضى والعالقين أسبوعيا وإدخَال بعض سفن المشتقات النفطية يحتاج إلى “اتّفاق” ترعاه الأمم المتحدة!
مع ذلك، وبرغم بساطة هذه الاستحقاقات الإنسانية التي ضمنها الاتّفاقُ ومحدوديتها ومشروعيتها، لم تستطع المنظمة الدولية أن تضمن الوفاء بها، بل وأسهمت بشكل مباشر في خلق “إشكالات” وهمية تعرقلها، وتخلت حتى عن دورها كمراقب.
هذا السقوطُ المخزي في اختبار الهُدنة رغم بساطته، يطرح تساؤلاً لا مفرَّ منه حول جدوى تمديد الهُدنة، وإمْكَانية البناء عليها للتوجّـه نحو خطوات أكبر، تحت مظلة الأمم المتحدة، بل يجعل الوثوق بهذه المنظمة أشبه بـ “مخاطرة”، ليس فقط؛ لأَنَّها عاجزة تماماً عن تأدية دورها، بل لأَنَّ عجزها هذا يمكن تحالف العدوان من استخدامها كدرع “دولي” وكواجهة للضغط والابتزاز، وهو ما لا يمكن السماح بحدوثه تحت عنوان “السلام”.
وبالتالي فَـإنَّ سلوكَ الأمم المتحدة يمثل اليوم عائقًا رئيسياً أمام فرص تمديد الهُدنة وتطويرها إلى اتّفاق إنساني ثابت؛ لأَنَّ تكرارَ تجربة الاتّفاق الحالي ستكون مضيعة للوقت وتشجيعا لتحالف العدوان على المراوغة، فكيف بالدخول في خطوات أوسع!
قبل إعلان الهُدنة رفضت صنعاءُ استقبالَ المبعوث الأممي، وقال الرئيس المشاط بوضوح: إن “من عجز عن إدخَال سفينة وقود وهو يمثّل الأمم المتحدة فهو عن غيرها أعجز”، الأمر الذي يجعلُ الأممَ المتحدة اليوم أمام فُرصةٍ أخيرة لتدارك موقفها؛ لأَنَّ صنعاءَ تدركُ أن من عجز عن ضمان رحلتين جويتين للمرضى والعالقين، هو أَيْـضاً أعجزُ عن رعاية اتّفاق إنساني شامل، فضلاً عن حَـلٍّ سياسي.