الوَحدةُ ملاذُنا رغم شطحات الطارئين .. بقلم/ غالب المقدم
لم تكن الوحدة اليمنية، رغبة شخصية لساسة يتحكمون باستمرارها أَو عدمها إذَا اختلفت مصالحهم السياسية، بقدر ما هي شعور وانتماء يمني، بوحدة الدم اليمني، وَالأرض والمجتمع، شعور وحدوي يحملهُ أبناء اليمن الواحد شمالاً وجنوباً.
لذا وعلى مر سنواتٍ طويلة من التدخلات الخارجية من قوى الاستعمار كالاحتلال البريطاني للجنوب اليمني، الذي لم يستطع إذابة الشعور بالانتماء لليمن، رغم كُـلّ جهوده ومحاولاته الفاشلة لشرخ النسيج الاجتماعي لخلق هوة بين أبناء اليمن الواحد من خلال إذكاء نار الصراعات المناطقية المقيتة، تحت مسميات لا تعبر عن أصالة الإنسان اليمني، لذلك ظل الإنسان اليمني محتفظًا بقداسة شعوره بالانتماء لوطنه، وممسكاً بأواصر وحدة الدم والجغرافيا والتاريخ.
وتاريخنا الحديث أخبرنا بأحداث ووقائع حقيقية شاهدة على هذه الحقيقة.. فما قدمته عدن لمناضلي الشمال، ثوار 48 و62م من القرن الماضي، ضد النظام الملكي، الذي كان يحكم شمال الوطن، من استقبال راق، بل كانت لهم ملاذهم الآمن، حتى إنهم مارسوا نشاطهم السياسي منها، ونشروا الصحف المناهضة للنظام الملكي آنذاك، كصحيفة الفضول التي كانت تصدر من عدن، باسم الثوار، وصوت الأحرار، حتى بعدما نجح الثوار بإسقاط نظام الإمامة بثورة اليمن الأم ثورة الـ 26 من سبتمبر 1962م، التي كانت جذراً طبيعيا لثورة الـ 14 من أُكتوبر الثورة البنت، وكأن الاحتضان الجنوبي لأحرار الشمال، كان بمثابة تلاقح للفعل الثوري الذي أَدَّى إلى قيام الثورة في الجنوب سنة 63م، وطرد المستعمر البريطاني من الجنوب اليمني.
ولا نغفل دور صنعاء والمناطق الوسطى كتعز وإب، وهي المدن التي لم تبخل باحتواء الفارين من رموز الحزب الاشتراكي من أبناء الجنوب الذين شرّدتهم النزاعات والصراعات الداخلية والتصفيات في ما بينهم.. من يد العون وتقديم المساعدة لهم واحتضانهم كما لو أنهم بين أهاليهم.
وما كانت مساعي الشهيدين الرئيسين، إبراهيم الحمدي وسالمين، في منتصف سبعينيات القرن الماضي، إلا ترجمة واعية وحقيقية لمدى إدراكهما بعمق جذور الوحدة بين أبناء الشعب اليمني الواحد، وإعادة لجريان الدم في مجراه الطبيعي، بعد أن اعتقد الاحتلالان البريطاني والعثماني أنهما استطاعا إحداث شرخ داخلي بأوساط النسيج الاجتماعي عبر أدواتهما الداخلية، التي تنشد الدمار، لا النمو والبناء.
حتى الحدث الكروي الأخير، الذي فاز به أبطال اليمن بكأس غرب آسيا للناشئين، كان خير شاهد حي، وخير دليل على وحدة الدم ووحدة الشعور والانتماء لهذا البلد، ومدى تماسك شعبه مهما قست الظروف، لذلك على حديثي السياسة الطارئة ممن صنعهم العدوّ بماله وقوته، أَو أوجدتهم الظروف، مِمن يمارسون سياسة العنترية والمناطقية الهمجة، أن يدركوا جيِّدًا أن الرهان على تفتيت وحدة اليمن وخلق النعرات المناطقية أَو الطائفية، بين أبناء الوطن، لن يدوم طويلاً، وأن مصيرهم إلى زوال، وأن الشعب اليمني سينبذهم كما ينبذ البعير الأجرب من بين إخوته.