“التطبيع” في البرلمان اليمني.. طريقٌ للسجن المؤبَّد أو الموت
المسيرة: إبراهيم العنسي
أُحِيْلَ مشروعُ قانون تجريم التطبيع مؤخّراً إلى اللجنة الخَاصَّة في مجلس النواب لدراسته، في حين سيحضُرُ الجانب الحكومي لإبداءِ رأيه حوله كمشروع قانون يترجم ثبات الموقف تجاه عدو الأُمَّــة التاريخي، مع السعي لتنقيح بعض بنود القانون والاستعداد للتصويت عليه بعد استكمال صياغته النهائية.
وتقدم بهذا المشروع الذي يجرم التطبيع النائب علي الزنم والنائب المرتضى جدبان، وهو يعبّر عن تفاعل واسع مع موقف السوادِ الأعظم في العالمين العربي والإسلامي الداعي لترسيخ وتأكيد الموقف من العدوّ الصهيوني في ظل تماهي بعض الأنظمة العربية والإسلامية المهزوزة مع دعوات التقارب والتطبيع مع هذا العدوّ.
وبحسب نائب رئيس المجلس، عبدالسلام هشول، فالمراد أن يخرج المجلس النيابي بقانون صارم يليق بالشعب اليمني ويعكس الموقف اليمني في مواجهة كيان العدوّ الصهيوني كموقف راسخ ثابت بعداء المسلمين جميعاً لهذا الكيان الغاصب.
النائب الدكتور علي الزنم -رئيس لجنة العلاقات الخارجية في المجلس- الذي قدم مشروع قانون للبرلمان لتجريم التطبيع أكّـد في تصريح خاص لـ “المسيرة” على أهميّة هذا القانون، إذ أن تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني حسب قوله يعد أولاً التزاماً بتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف الذي يعتبر أمر التطبيع مع الصهاينة ومن يقوم به بأنه منهم، أي من أُولئك الصهاينة وغير الصهاينة من خارج دين الإسلام”.
ويضيف النائب الزنم: “بالتالي نحن نتبرأ منهم بالالتزام الحرفي بما ورد في القرآن الكريم وهذا هو الأهم، ونعكس ذلك في تشريعاتنا، وقوانيننا لتحصين المجتمع والتذكير بأهميّة حضر وتجريم إقامة أية علاقة مع الكيان الصهيوني بطريقة مباشرة أَو غير مباشرة”.
ويردف بالقول: الحمدُ لله لقد وفقت شخصيًّا بتقديم مشروع قانون تجريم وحظر التطبيع مع الكيان الصهيوني وقدمته للبرلمان وأحيل إلى اللجنة الدستورية مع مشروع آخر قدم من قبل زميلي مرتضى جدبان، وقد رفع تقرير للمجلس بجواز النظر في القانون لأهميته وإن شاء الله عما قريب وبعد استكمال الإجراءات الدستورية واللائحية سيتم إصدار القانون كأقل موقف.
ونوّه إلى أن القانون “رسالةٌ من ممثلي الشعب اليمني إلى الشعب العربي الفلسطيني بأن قضية فلسطين والقدس وجميع المقدسات الإسلامية هي قضيتنا الأولى والمركزية ورغم كُـلّ الظروف التي تحيط باليمن أرضاً وإنساناً وأن فلسطين وجهتنا ومقارعة العدوّ الصهيوني المحتلّ للأراضي العربية الإسلامية هو جزء لا يتجزأ من مشروعنا الكبير الذي يهدف لتخليص الشعوب العربية الحرة من الهيمنة الاستعمارية الأمريكية والصهيونية، وكسر عنجهية قواتهم التي تسطو اليوم على المواطن الفلسطيني الأعزل كان شيخاً مسناً أَو امرأةً أَو طفلاً وتهدم البيوت وتجرف الأراضي وتهجر ساكني المناطق المشتعلة اليوم بهمم نيران وغضب المرابطين في أكناف بيت المقدس، وهم النواة التي ستكبر وتصبح لها اليد الطولى لكسر شوكة الصهاينة، الذين هم في حالة ضعف أمام صمود المقاومة الفلسطينية الحرة”.
ويتابع حديثه “نحن نعد التجريم وحظر التطبيع منسجماً مع ثوابتنا الدينية والوطنية والعربية وسيظل موقفنا هذا ثابتاً لا يتغير بتغير الظروف والأزمان، والخزي والعار للمهرولين من أعراب الخليج وغيرهم الذين أصبحوا اليوم يتسابقون في إرضاء هذا الكيان المحتلّ “الخنجر المسموم” الذي غرس في قلب الأُمَّــة العربية ومقدساتها التي تنتهك يوميًّا”.
ودعا الزنم إلى المزيد من تنسيق، الجهود مع محور وقوى المقاومة “لتصبح هي العصا الغليظة التي توقف المحتلّ وأعداء الحياة والسلام من القيادات الصهيونية التي ترتكب المجازر والحماقات في حق أهلنا في فلسطين والجولان ومزارع شبعة لكن النصر آت ولن تكون قوانين حظر التطبيع إلا مقدمة لشحذ الأُمَّــة واستنهاض مشاعرها وعنفوانها لتصبح إعصار في وجه قبتهم الحديدية التي عجزت عن صد صواريخ حماس وحزب الله وكافة الفصائل التي تقاوم وتذكر العالم بأطول مظلومية في العصر الحديث”.
وقايةٌ وموقف
من جهته، يقول النائبُ المرتضى عبدالكريم جدبان: إن مشروع قانون تجريم التطبيع الذي تقدم به للبرلمان يأتي استجابة لصوت الشعب الهاوية لأشكال الهيمنة الأمريكية الإسرائيلية الصهيونية وأنه درعٌ واقٍ للأُمَّـة في ظل النفاق الذي ظهرت به بعض الأنظمة العربية والإسلامية”.
ويضيف جدبان في حديثه لصحيفة “المسيرة” بالقول: إن هذا القانون كما يحرّم التطبيع فهو يحصّن الأُمَّــة من الاختراق ويقوي روابطها الإيمَانية ويثبت دعائم الهُــوِيَّة الإيمَانية الإسلامية ويعرف الأُمَّــة وأبناءها وشبابها بأعدائها الحقيقيين، كما يعرف الأمة بالخطر الذي يمكن أن يدمّـر حاضرها ومستقبلها”، مُشيراً إلى أسس ومرجعية قام عليها مشروع تجريم التطبيع، فهو يستند إلى النصوص القرآنية الموضحة والمؤكّـدة لمستوى خطورة اليهود وتوليهم وما الذي يمكن أن يحل بالأمة إذَا وقعت في فخ التطبيع مع العدوّ الإسرائيلي”.
ويواصل النائب جدبان: “تضمن مشروع قانون تجريم التطبيع الذي تقدمت به إلى المجلس عقوبات رادعه واستند إلى ركن حسي للجريمة المنصوص عليها في القانون، حَيثُ اعتبر القانون أن علاقةً معنوية أَو مادية تقام مع العدوّ هي جريمة يعاقَبُ عليها بالإعدام أَو السجن المؤبد، كما اعتبر القانون هذه الجريمة “خيانة عظمى” إذَا ارتكبها أي شخص في الجمهورية أَو موظف من موظفي الجهاز الإداري للدولة إلى درجة مدير عام”.
ويؤكّـد أن مشروع القانون يأتي ضمن مسار التحرّر العربي الرافض للصهيونية والعمالة والتطبيع كما حدث في الجزائر والعراق، معتبرًا السيد الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي المعلِّمَ وبانيَ وراسمَ سياسة مفردات هذا القانون، كما يعتبر هذا القانون تجسيد وثمرة من ثمار المشروع القرآني العظيم الذي غرسه الشهيد القائد في عقول وقلوب الشباب.
وفي ختام حديثه للمسيرة، يؤكّـد النائب مرتضى عبدالكريم جدبان أن “التطبيع كسلوك واضح وصريح أنه جريمة يعاقب عليها القانون وتؤدي بمرتكبها إلى خسارة دنياه وآخرته ويأتي تجريم التطبيع كاستيعاب كامل لتوجيهات الله في عداوة أعدائه والذي يعتبر شرطاً أَسَاسياً لقبول الأعمال”، منوِّهًا إلى أنه “بهذا تتعمق وتتضح الرؤية ويزول الالتباس ليظهر للأُمَّـة أن من يتجهون للتطبيع مع أُولئك الصهاينة يصنفون كأعداء خفيين للأُمَّـة كما الصهاينة واليهود أعداء ظاهرين”.
طريق محفوف بالمخاطر
بدوره، يؤكّـد النائب أحمد نصار أن “إصرار مجلس النواب على خروج قانون يجرم التطبيع بصورة واضحة صارمة لا تقبل التأويل أَو التفسير، نابع من إيمَان الشعب اليمني بالمبادئ والثوابت التي أكّـد عليها ديننا الإسلام”.
ويضيف النائب نصار في تصريح خاص لصحيفة “المسيرة”: “لا مجال للعلاقات من أي نوع مع أعداء الله وأعداء رسوله وأعداء الأنبياء وأعداء أُمَّـة الإسلام على الإطلاق عملاً بأوامر الله للمسلمين أن لا نتخذ هؤلاءِ أولياءً ومن خالف هذا الأمر الصريح فهو منهم، ونحن محاسبون على ذلك أمام الله عز وجل، فلا خيار ولا مجال إلا بما يردع ويمنع كُـلّ نفس ضعيفة هزيلة تنجر وراء أي علاقات مع أُولئك أحفاد القردة”.
من جانبه، يشير النائبُ خالد الصعدي إلى ضرورة سن مثل هذه القوانين الرادعة، إذ أن المشروع الصهيوني يتسلل بمخطّطاته من بين أظهر العرب مراهناً على عامل الوقت لقبول العرب والمسلمين بجرائمه ثم القبول به.
ويقولُ في تصريحات خَاصَّة لصحيفة المسيرة: “يعرف الجميع أنّ الحركة الصهيونية والكيان الصهيوني ارتكب جرائم لا تحصى بحق العرب والمسلمين، بلغت درجة جرائم ضد الإنسانية بامتيَاز، والمعضلة بل والخطر الأكبر الذي ينتفض الأحرار ضده هو تلك الجهود التي تبذلها الصهيونية على نحو دائم لتطلب من العرب والمسلمين القبول بجرائمها وأن يتم التعامل معها وكأنّها لم ترتكب أية جريمة أَو أي انتهاك واغتصاب لحق عربي إسلامي أصيل وهو ما يسمى التطبيع”.
ويضيف “التطبيع مع الكيان الصهيوني يقوم على بناء علاقات رسمية وغير رسمية، سياسية واقتصادية وثقافية وعلمية واستخباراتية، والتطبيع هو تسليم واعتراف للكيان الصهيوني بحقه في الأرض العربية بفلسطين، وبحقه في بناء المستوطنات وحقه في تهجير الفلسطينيين وحقه في تدمير القرى والمدن العربية، وهكذا يكون التطبيع هو الاستسلام والرضا بأبشع مراتب المذلة والهوان والتنازل عن الكرامة وعن الحقوق”.
ويختتم حديثه للصحيفة بالقول: نحن اليوم في الجمهورية اليمنية وفي مجلس النواب قد تقدمنا نحو إنجاز هذا القانون التاريخي الذي تقدم بمشروعه عضوان من الزملاء نواب البرلمان كقانون رادع مانع يجرم التطبيع مع الكيان الصهيوني، وقد تفاعل معه المجلس تفاعلاً قوياً وحماسياً يؤكّـد التزامنا كيمنيين بثوابتنا الإسلامية والعروبية والوطنية التي ترفض قطعاً أي شكل من أشكال التقارب أَو التواصل، وُصُـولاً إلى رفضنا القاطع للتطبيع بكل صِيَغِه ومسمياته”، مؤكّـداً أن “هذا ليس جديدًا على أبناء وشعب اليمن فهو صاحب الصوت الأول والموقف الصريح الواضح المجاهر بالعداء الأبدي لأعداء الأُمَّــة من اليهود الصهاينة المغتصبين لمقدسات الأُمَّــة العظيمة ولبلاده الطاهرة”.