الدُّريهمي.. ثباتٌ حتَّى النَّصر (1) .. بقلم/ رويدا البعداني
في واقعية وطننا المبجل تمر أحداث شتَّى، ومن بينها وقائع الحروب ولا سيَّما الحَّرب الضَّارية التي تفتك بالأخضر واليابس دون مراعاة للوجود البشري ولا لصكِ حربي قانوني، وهذا ما دأب عليه التَّحالف العبري منذُ سبعة أعوام وحتَّى هذه اللحظة كُـلّ ذلك في ظل تعسف أممي، وصمت دولي وقحط عربي لم يزل.
وعلى ناصية الثَّبات المُشرف ثمة شعب بكهوله ونسائه وشبابه وأطفاله جابه الحرب بكل إصرار وتحدٍ على الرغم من الحصار الفادح والقصف الصَّاخب الذي وثقه الإعلام الحربي، وما خفي كان أشدّ وطأة، وما كان الفيلم الوثائقي لوجع الدُّريهمي إلا غيض من فيض مما اقترفه العدوان الجائر، فهناك الكثير من المعاناة التي لم تستطع عدسة الإعلام الحربي توثيقها، ولكنها ستظل كالمرجل تغلي في أرواحنا، ولن تبرح حتّى ننتصر وتصبو الحرية من جديد على ساحات الوطن السَّليب.
إنَّ الحديث عما حلَّ بالدُّريهمي ليشقُّ على الكاتب ويدميه، لا يدري هل يذرف الحرف دموعاً أم يحكم رباطة جأشه ويستمر في الكتابة.
عامان وهم يتضورون جوعاً، يقتلهم الشتاء بلا دفء، تلسعهم نيران الصَّيف بلا كهرباء، تُعربد الأباتشي في سمائهم الزرقاء وتهيل عليهم صواريخ المنايا، طيران محلق ومكثّـف لا يكاد يتزحزح من الفلق وحتى الغسق، تأتيهم زحوفات العدوّ من كُـلّ حدب وصوب بمئات المدرعات وآلاف الجنود شمالاً.. شرقاً.. غرباً.. ولكن هيهات هيهات أن تُسقط القضية ويتهاوى الثبات فبفضل الله تمت عملية الاستدراج والأسر ودحر العدوّ بفضل تأييد الله وحصافة المجاهدين.
عملية واسعة جال صداها حتى وصلت مسامع القيادة الحكيمة وما هي إلا أَيَّـام وتصل للمجاهدين رسالة معنوية روحية من السّيد عززت بداخلهم الصُّمود وباركت لهم هذا النّصر وحثتهم على المواصلة والسير قدماً، وبهذا تمرغ أنف العدوّ وبانت نكسته للعيان.
على حين غرة تراجع العدوّ، وسكنت رشقات الرَّصاص وانطفأت جذوة المدافع، لم يستدم الحال كَثيراً فسرعان ما عاد بغضب عارم في أغسطُس وذلك في العام ٢٠١٨م بجيش قوامه آلاف من الجنود، وكمية هائلة من المدرعات وكل مُعدات الحرب، وذلك ليواري سوءة فشله الذَّريع أمام الثلة القليلة، متوهمًا أنه سيتمكّن من السَّيطرة على هذه المدينة، واحتلال ساحلها الغربي كما يظن.
يدنو العدوّ بخمسة ألوية، فيرتعب القليل ويقرّر النُّزوح وما إن يغادر عتبة المدينة حتى يستهدفه العدوّ بضربات جوية مبرحة فيغادر للأبد إلا من أثاثه المتفحم، وعلى إثر هذه الحادثة جاشت أمواج الانتقام قلوب سُكان الدّريهمي، فعزموا ألَّا يبرحوا ديارهم حتى يفنوا، فانضموا إلى المجاهدين وباتوا صفًّا واحدًا.
يشتد الحِّصار على الدُّريهمي، ويحاول العدوّ التّقدم بشتى الوسائل مستغلاً نفاذ الذّخيرة وقلة المحاربين، ولكن الدَّعم سرعان ما استجاب للنداء، وأتى بمجاميع ومواد غذائية وذخيرة غطت عوز المجاهدين، ولكن العدوّ لم يتوان عن الرد فسارع بالزحف من كُـلّ الجهات، لتسانده الأباتشي وتدك المدينة.. أُطبق الحصار على الدريهمي وظنَّ القوم أنهم منتصرون بعدتهم وعتّادهم ولكن المجاهدين طهروا المدينة من دنسهم وتم سدّ الثّغرات ورصد حركة العدوّ امتثالاً لقوله تعالى: ((وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ))، وهُنا لم تنته القصة بل للتّو بدأت.