نوايا واشنطن للتصعيد تبرُزُ من وراء غطاء “الهُدنة”: المزيد من الدعم للسعوديّة
المسيرة: متابعة خَاصَّة
فيما يُفترَضُ بإعلان الهُدنة وتمديدِها أن يكونَ مؤشِّرًا على السلام، لا زالت مؤشراتُ استمرار العدوان والحصار هي الأبرز، ليس فقط من وجهة نظر اليمنيين الذين يعرفون سُــــوْءَ نوايا دول العدوان جيِّدًا، بل أَيْـضاً من وجهة نظر المراقبين لسلوك إدارة بايدن وموقفها السلبي تجاه مِلف اليمن داخل الولايات المتحدة وخارجها، حَيثُ يرى الكثيرون أن التقارب الجديد بين الإدارة الأمريكية والنظام السعوديّ ستكون له تأثيرات سلبية على الشعب اليمني؛ لأَنَّه سينطوي على منح الرياض المزيدَ من الدعم لمواصَلة الحرب الإجرامية وممارسة التجويع ضد اليمنيين، ما يعني أن الهُدنةَ المعلَنةَ ليست أكثرَ من محاولة لكسب الوقت وترتيب الصفوف.
“بوليتيكو”: اليمنيون سيكونون أبرزَ ضحايا لقاء بايدن وبن سلمان
صحيفةُ “بوليتيكو” الأمريكية، نشرت قبل أَيَّـام تقريراً سلَّطَ الضوءَ على مؤشرات التصعيد المتزايدة من جانب إدارة بايدن، حَيثُ أوضحت أن توجُّـهَ بايدن إلى السعوديّة الشهر المقبل لإصلاح العلاقات مع محمد بن سلمان يعني أنه مستعد للتضحية بوعده في تغيير السياسة الخارجية؛ مِن أجلِ استعادةِ العلاقة بين الولايات المتحدة والسعوديّة، بدلاً عن “معاقبة” الأخيرة على جرائمها.
وقالت الصحيفة: إن مراقبي السياسة الخارجية في الولايات المتحدة يرون أن اجتماع بايدن وابن سلمان يمثِّلُ “دليلًا على أن البيتَ الأبيضَ يعودُ إلى صفقته التقليدية مع الرياض، حَيثُ سيضمنُ السعوديّون تدفُّـــقَ النفط إلى الأسواق العالمية، وستغضُّ الولاياتُ المتحدة الطرفَ عن انتهاكات السعوديّة لحقوق الإنسان في الداخل والخارج، والضحية الأولى لهذه الصفقة هم اليمنيون الأبرياء”، مشيرين إلى أن بايدن تبنّى أجندة التقدميين فيما يتعلق باليمن فقط كدعاية انتخابية وتجاهلها بمُجَـرّد وصوله إلى البيت الأبيض.
وذكّرت الصحيفة بوعود بايدن التي أطلقها خلال حملته الانتخابية والتي تضمنت “نبذ” السعوديّة، ومحاسبتها على “قتل الأطفال في اليمن”، مشيرة إلى أن النهج الحالي لإدارة بايدن يمثل تناقضاً كَبيراً مع هذه الوعود.
ولا يقتصر هذا التناقُضُ على وعود الحملة الانتخابية لبايدن، إذ تذكِّرُ الصحيفة بأن بعضَ كبار مستشاري السياسة الخارجية لبايدن، وضمنهم وزيرُ الخارجية أنطوني بلينكين، ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان، ومدير المخابرات الوطنية أفريل هينز، كانوا من ضمن الموقّعين على رسالة وجّهها 30 مسؤولًا سابقًا في إدارة أوباما عام 2018، اعتذروا فيها عن دعمِ الإدارة للحرب على اليمن، واعترفوا بأن نهجَهم لم ينجحْ، ودعوا الولايات المتحدة إلى “إنهاء المشاركة في هذا الصراع أَو أي شكل من أشكال الدعم له”.
وأكّـدت الصحيفة أن التورُّطَ الأمريكي في الحرب كان وثيقًا منذ بدايتها، وأن “بعضَ مسؤولي أوباما أقروا بأنهم كانوا يعرفون أن الحملةَ التي تقودها السعوديّة ستكون كارثةً إنسانيةً واستراتيجية، لكنهم برّروا الدعمَ الأمريكي؛ باعتبَاره الثمنَ الذي يجب دفعُه لإصلاح العلاقات المتوترة مع الرياض”.
ونقلت عن مسؤول أمريكي كبير قوله: “كنا نعلمُ أننا ربما نركب سيارةً مع سائق مخمور”.
وأوضح التقرير أن هناك إحباطاً في الداخل الأمريكي؛ بسَببِ استمرار عقود الصيانة للطائرات الحربية التي تقصف اليمن، ونقلت عن النائب الديمقراطي رو خانا قوله: “يجب أن نوضح أنه يمكننا إيقاف قواتهم الجوية إذَا توقفنا عن تزويدهم بقطع غيار لطائراتهم”، “لدينا قدر هائل من النفوذ، ويجب أن يعرفوا ذلك”.
وأشَارَت الصحيفة إلى أن محاولة بايدن التفريقَ بين الدعم الهجومي والدفاعي للمملكة “فشل في تهدئة” الانتقادات، ولم يقنع الكونغرس، حَيثُ يؤكّـد رو خانا أنه “لا يوجد فرق حقيقي” ويضيف أنه “لا يجب أن تبيع الولايات المتحدة أية أسلحة للسعوديّة حتى تنتهي الحرب”.
ويوضح التقرير أن تورط إدارة بايدن في العدوان على اليمن، وتناقضها العملي الفاضح مع دعايات “وقف الدعم” قد جعلها أسوأ من إدارة ترامب فيما يخص إجراءات مراقبة جرائم الحرب في اليمن حَيثُ دعمت إدارة ترامب آلية الأمم المتحدة للتحقيق في سوريا، لكن إدارة بايدن رفضت اتِّخاذ خطوات مماثلة في اليمن.
ونقلت الصحيفة عن مات داس، مستشار السياسة الخارجية للسناتور بيرني ساندرز، أحد قادة التشريع الذي كان يهدف لعرقلة بيع الأسلحة للرياض قوله: “لا تزال حقوق الإنسان تُعامَل في الغالب على أنها هراوة تُستخدم ضد خصوم الولايات المتحدة، بينما يحصل شركاء الولايات المتحدة على تصريح للانتهاكات، ويكافَأون بأسلحة جديدة”.
“فورين بوليسي”: الهُدنة تمنح وقتاً لترتيب الصفوف ضد صنعاء!
كُلُّ هذه المعطيات تؤكّـدُ بوضوح أن موقفَ الولايات المتحدة فيما يتعلق باليمن لا زال بعيدًا تماماً عن “السلام” الحقيقي، وأن إدارة بايدن تختبئ خلف سلسلة كبيرة من الأكاذيب والدعايات التي باتت مكشوفة بالكامل، وهو ما يعني أن الهُدنة التي يحرص البيت الأبيض على أن ينسب الفضلَ فيها لنفسه، ليست حتى الآن سوى دعاية أُخرى؛ للتغطية على ترتيبات تصعيدية.
هذا ما تؤكّـده بوضوح أَيْـضاً مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية في تقرير جديد، أشار إلى أن صنعاء لا زالت تمتلِكُ اليدَ العليا، وأن “هذا يمثل إشكالية للولايات المتحدة وشركائها الخليجيين”، وبالتالي فَـإنَّ الهُدنة “تكسب المجتمع الدولي الوقت لدعم مجلس القيادة الرئاسي وتعطيه فرصة لإعادة توحيد المعارضة ضد الحوثيين من خلال دمج القوات المسلحة تحت هيكل قيادة واحد لقلب الموازين وتحسين وضع المجلس على طاولة المفاوضات”.
وتضيف المجلة أن توحيد الفصائل العسكرية للمرتزِقة ضد صنعاء كان أبرز مساعي تشكيل ما يسمى مجلس القيادة الرئاسي.
وبحسب “بوليتيكو” فَـإنَّ “الفوضى والفقر” اللذين جلبتهما السعوديّة والإمارات على المناطق المحتلّة “بدعم من ثلاث إدارات أمريكية” يجعلان أفق السلام مسدودًا، حَيثُ “يستخفُّ كثيرون بالنظام السياسي الحالي (ما يسمى مجلس القيادة) ويصفون قادته بأنهم مدمنون للغاية على التربح من الحرب؛ مِن أجلِ مكاسبَ مادية”.
وتشيرُ الصحيفةُ في هذا السياق إلى أن قيادةَ سلطة المرتزِقة تسبّبت في زيادةِ إفقار الشعب اليمني، من خلال طباعة كميات هائلة من الأوراق النقدية، فيما كان محافظ البنك المركزي في عدن يتقاضى 40 ألف دولار شهريًّا، وهو واحدٌ من أعلى الرواتب في العالم لهذا المنصب.
ووفقًا لكُلِّ ما سبق فَـإنَّ قراءةَ صنعاء لموقفِ تحالف العدوان والولايات المتحدة الأمريكية والمرتزِقة تبقى هي القراءةَ الأكثرَ دقةً للمشهد؛ لأَنَّ كُـلَّ المؤشرات على أرض الواقع تؤكّـدُ أن السلامَ لا زال بعيدًا، وأن الهُدنةَ -وإن بدت كخطوة أولى نحو الحل- ليست مدعومة بأية نوايا طيبة من جانب العدوّ ورعاته؛ لأَنَّهم لجأوا إليها من موقفِ ضعف؛ لاستخدامها كحِيلةٍ لقلب الموازين.