إنْ أولياؤه إلَّا المتقون.. بقلم/ دينا الرميمة

في كُـلّ عام وتحديداً في الليالي العشر من ذي الحجّـة تجتاح النفس أشواق فياضة لزيارة بيت الله الحرام وتتنامى أمنيات الروح لأن تكون في عداد من شدوا رحالهم نحوها؛ رغبةً في قربى ربهم، متوحدة هيئاتهم وَمطالبهم رغم اختلاف أعراقهم وألوانهم وألسنتهم!!

فمن منّا لا تتلهف روحُه لأن تحلِّقَ في سماوات العشق الإلهي حال سماع نداء ربها: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ)، فتجيب: (لبيك اللهم لبيك)!! أتيناك نحملُ بين جنباتنا قلوباً قد أرهقتها الخطايا وأجساداً أثقلت كاهلَها همومُ الحياة تطرق أبوابَ بيتك العتيق راجية رضاك في أَيَّـام تقضيها طوافاً وتلبيةً، سعياً وترويةً، وعلى جبل عرفات تقفُ خاشعةً باكية تدعوك ألَّا تعود إلا كيوم ولادتها.

بَيْدَ أن هذه الأُمنيات غدت مستحيلةَ المنال وأصبح المحظوظون في الوصول إلى بيت الله الحرام قليلين جِـدًّا في الأُمَّــة الإسلامية التي بلغ تعدادها ملياري مسلم، ليس بسَببِ تقاعس المسلمين أنفسهم إنما بسَببِ القائمين على الحج من آل سعود الذين نصبوا كُـلَّ الكمائن القذرةِ لاستهداف شعيرة الحج والصد عن البيت الحرام، وأصبحت صلاتُهم فيها مكاءً وتصدية ورأيناها خلال عامين متتالين مفرغة تماماً من المسلمين سواء في موسم الحج أَو حتى في بقية الأيّام، في مشهد يحز في النفس وتصرخ باكية على شعيرة كانت هي الركيزةَ الأولى لتوحد الأُمَّــة الإسلامية ومعالجة قضاياها وهي بمثابة المؤتمر الأكبر الذي يتبرأ فيه المسلمون من اليهودِ؛ امتثالاً لقول ربهم: (وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ).

اليهودُ هم الذين نُدرِكُ مآربَهم في الاستحواذ على المقدسات الإسلامية والأرض العربية تحت مسمى أرض الميعاد والتي لا تقتصر على فلسطين فقط -كما يظن أغلب الناس- إنما تمتد حتى مكة مُرورًا بأجزاء من الأردن ومصر وسوريا والعراق وانتهاءً بالحرم المكي والذي منه يسعون للقضاء على الإسلام وأمَّة محمد إن استحوذوا عليه!

ولم يكن آل سعود إلَّا أداةً لليهود؛ لمنع توحد الأُمَّــة، وهم بدورهم لعبوا لعبتهم باحترافية بالغة في استهداف الحج على مدى سنوات طويلة منذ نشأة مملكتهم الوهَّـابية التي عمدت إلى بث المخاوف من الحج وجعلته مغامرة لا يقوى عليها إلا من يملك المال وقوة القلب والولاء لهم ولأربابهم الصهاينة، وذلك أولاً عن طريق استهداف الحجيج وقتلهم إما قبل وصولهم إلى مكة، كما في مجزرة تنومة التي ذهب ضحيتها أكثر من “ثلاثة آلاف” حاج يمني لأسباب دينية وسياسية، ومنها حاول آل سعود إرسال رسالة لليمنيين بمدى قوة جيشهم الجبار، وبعد ذلك عملوا على طمس معالم هذه الجريمة؛ لعلمهم أن اليمنيين لن يسكتوا على دمهم المهدور، ولكن بتواطؤ من السلطة اليمنية غُيِّبت هذه الجريمة أكاديمياً وسياسيًّا واجتماعياً رغم أنها أدخلت الحزنَ إلى كُـلّ بيت يمني، ولم نكن نعلم عنها شيئاً حتى السنوات الأخيرة؛ لأَنَّ التاريخَ لا يموتُ، فقد جاء مَن أخرج هذه الجريمة للعلن وبات اليمنيون يطالبون بثأرهم وستُضافُ الجريمة إلى جرائم آل سعود في عدوانهم على اليمن.

وأيضاً هناك جرائمُ كثيرةٌ ارتُكبت أثناء تأدية مناسك الحج، كما في حادثة استهداف الحجاج الإيرانيين؛ بذريعة هتافاتهم بالموت لأمريكا وإسرائيل وقتل ما يقارب أربعمِئة حاج، وحوادث التدافع في منى وحادثة سقوط الرافعة في الحرم المكي، حتى لم يعد يمر عام إلا وفيه عدد كبير من الضحايا الذين كان استهدافهم ممنهجاً.

وأيضاً أصبح الحجُّ مصيدةً لاعتقال العلماء المسلمين الذين لم يستطع أعداءُ الله الوصولَ إليهم، وهناك تم ترصدهم واعتقالهم!!

كلُّ هذا دليلٌ على تعمدهم تخويفَ الناس من الحج بدلاً عن تسهيله وتأمينه حتى يقل عددهم وحتى يأتي اليوم الذي يصبح فيه الحرم المكي خالياً منهم تماماً!!

وها هي أبواب مكة وحرمها تُغلق؛ بذريعة فيروس كورونا الذي لا شك أنه كان سلاحهم الفتاك لقتل شعيرة الحج ومن عام لآخر يتقلص عدد الوافدين، حَيثُ لم يسمح هذا العام إلا لمليون حاج من داخل المملكة وخارجها، في حين اتجهت مملكة الحرمين الشريفين لفتح المراقص والديسكو وكلّ منابع الإفساد المغضبة لرب العالمين لمواكبة الحضارة الغربية التي تستهدفُ الهُــوِيَّة الإسلامية وتقتلعُها من جذورها، وبحسب إعلامهم فقد بلغ عدد الوافدين إليها حوالي ثلاثة عشر مليون وافد.

إذن هو قرارٌ فردي اتخذه آل سعود بمنع الحج ودون اعتبار للمسلمين الذين نراهم يبتلعون ألسنتهم ولا يندّدون بما يفعله هؤلاء الهمج الرعاع بدينهم ومقدساتهم التي ربما سيأتي اليوم وتفتح أبوابها أمام الصهاينة ليبثوا صورهم من داخل الحرم المكي إذَا ما تم السكوت على هذه الجريمة والتي تدل على عدم أهليتهم لإدارة الحرمين الشريفين، وعليه يتوجب انتزاع مهمة الإشراف على الحج من أيديهم، وجعلها مشتركة بين كُـلّ الدول الإسلامية وإلا سيصبح الحج يوماً ما جُرماً وبدعةً كما في الكثير من العبادات التي بدّعها المذهبُ الوهَّـابي السعوديّ.