السيدُ القائد والمسؤوليةُ والأعمالُ الصالحات..بقلم/ مطهر يحيى شرف الدين
القرآنُ الكريمُ مليء بالآيات التي تتحدث عن الواجبات والمسؤوليات الملقاة على عاتق الإنسان المسلم، فلا يتم الخطاب والأمر الإلهي للذين آمنوا إلا ويقترن مع ذلك التقوى والعمل الصالح والجهاد في سبيل الله والإنفاق والتزكية والصبر والاستقامة وعدم تصعير الخد والوفاء بالعهد والأمانة والتراحم والمعاملة الحسنة وصلة الأرحام والتأسي برسول الله -صلى الله عليه وآله- والاستفادة من قَصص الأنبياء وأقوامهم وأخذ الدروس والعبر منها؛ ولذلك دفعتني المحاضرة القيِّمة والثريِّة للسيد القائد عبد الملك الحوثي -يحفظه الله- إلى الوقوف والحديث عن جزء يسير جِـدًّا مما تحدث به عن المسؤولية أمام الله وأمام الناس وعن العمل الصالح وفق عهد الإمام علي -عليه السلام- إلى مالك الأشتر.
المحاضرة تعد في مضمونها رسالة ومنهجاً للحياة العملية من السيد القائد إلى المجتمع المسلم وبالذات إلى المسؤولين.
ولذلك يجب على الإنسان المسلم أن يتحمل تلك المسؤوليات وأن تكون في عين الاعتبار للسعي نحو تحقيق الكمال الإيمَــاني الذي يجلب رضا الله ورسوله.
فمن خلال محاضرة السيد القائد بالإمْكَان أن نصنف المسؤوليات إلى دينية وأخلاقية وإنسانية، إذ تناول في الدرس الثاني المنطلق الأَسَاس في المسؤولية الدينية وهو منطلق العبودية لله وحده وطبيعة العلاقة مع الله؛ باعتبَارها أُسُسًا إيمَــانية، وكأن بقية المسؤوليات مبنية على تلك الأسس التي تعتبر قاعدة للانطلاق نحو تبنِّي بقية القيم الإيمَــانية، بما تحمله من مضامين متمثلة في وجوب تزكية النفس والاستقامة واستشعار المسؤولية والتراحم والإحسان والتواد والتعاون واللين والرُّقي في التعامل والتواضع مع بقية خلق الله وبالذات المستضعفين منهم.
الله سبحانه يقول في محكم كتابه: (فمن يعمل مِثقال ذرةٍ خيراً يره ومن يعمل مِثقال ذرةٍ شراً يره) يحذر الله سبحانه العباد وهم يعملون ويتحَرّكون في هذه الحياة، فلا تهاون ولا تقصير في أبسط الأشياء والتي في عملها عدم رضا الله أَو مخالفة لشرع الله أَو معاملة سيئة مع خلق الله، وقد لا ندرك العواقب والآثار السلبية لعملٍ ما ولو كان مثقال ذرة.
فنحن مؤاخذون ومحاسبون على ذلك بل حتى على مستوى القول وما تلفظه الألسن يجب أن نتقي الله وألا يخرج من اللسان ما يسيء أَو يجرح أَو ما يثير الغيبة أَو النميمة أَو الفتنة وفي ذلك يقول سبحانه: “ما يلفظ من قولٍ إلا لديه رقيبٌ عتيد”.
تحدَّثَ السيدُ القائدُ عن التواضع والأخلاق ووجوب احترام الآخرين وفق كرامة الإنسان وحريته، وهذا يندرجُ ضِمْنَ المسؤوليات الأخلاقية التي تعتبر جوهرَ الدين الإسلامي، فالنبي -صلوات الله عليه وآله- بُعث ليتمم مكارم الأخلاق وقد قال وهو يُثني على من يحمل هذه القيمة الإيمَــانية العظيمة: “أقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً”.
ففي انعدام هذه القيمة في مقابل حضور حُبِّ الذات أَو الشح أَو العُجب والاستعلاء والكبرياء والغرور، كما هو واقع الحال في كثير من أبناء المجتمع المسلم إثارة للكراهية والبغضاء، وفيها ما يبعث على عدم انسجام وحدة الصف الإيمَــاني، الأمر الذي يصل بالأمة إلى التشتت والفُرقة واختلاف الكلمة وفق الأمزجة والأهواء الشخصية دون الاعتبار لمقومات وحدة أبناء الأُمَّــة، وفي ذلك أَيْـضاً انتزاع ما اختص به الله من أسماء وصفات؛ ولذلك يقول الله عز وجل في الحديث القدسي:
“الكبرياء ردائي والعظمةُ إزاري فمن نازعني واحداً منهما قصمته”
يحث السيدُ القائد في المحاضرة على التراحُم والمحبة والاهتمام والحرص وملامسة أوجاع الناس ومعاناتهم وعدم تجاهل أحوالهم ويخاطب الإنسان المسلم بقوله: “يعز عليك أن يلحق بهم العناء”.
وهذا القولُ منطلقُه قرآني، فالله سبحانه يقول “محمدٌ رسولُ الله والذينَ معهُ أشداءُ على الكفار رُحماء بينهم”.
ويقول: “وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة”.
كما يقول عما يجب أن يكونَ عليه المؤمنون تجاه بعضهم البعض:
“أذلةٍ على المؤمنين أعزةٍ على الكافرين”، واليوم وللأسف الشديد نلاحظ الواقعَ عكسَ ذلك تماماً، فالأعرابُ مثلاً في دول الخليج أصبحوا في توادٍّ وتراحم وخضوع وتذلل لمن حذرنا الله منهم اليهود والنصارى، وأصبحنا نحن في يمن الإيمَــان والحكمة في نظرهم الأعداء وأضحوا أعزةً علينا يحاصرون ويقتلون ويؤذون ويكرهون ويستعلون، وفي هذا المقام أخشى -وأنا أرى بعض التصرفات والممارسات السيئة من بعض أبناء يمن الإيمَــان والحكمة ممن توفرت لهم سبل العيش الرغيد- أن يكونوا كالأعراب الأشد نفاقاً وعَمالةً لأعداء الله أعزةٍ على المستضعفين والمظلومين والمقهورين أذلةٍ على أصحاب الجاه والمال والسلطان؛ ولذلك يذكرنا السيد القائد بوجوب الرجوع إلى القرآن الكريم وإلى التقوى وعدم الغرور بالمنصب.
“فاملك هواك وشح بنفسك عما لا يحل لك”، ومن منطلق هذه العبارة يحث السيد القائد فيقول: لا تؤثر هوى النفس على المجتمع وعلينا أن نقوي صلتنا بالله وأن نتربى على أَسَاس هدى الله وأن نحمل مشاعر الأخوة والتراحم وأن نوظف الإمْكَانيات والطاقات فيما هو خير للناس، ووجوب أن تجمعنا بهم رابطة الدين الإسلامي ومعها رابطة الإنسانية، يقول الإمام علي عليه السلام: “الناسُ صنفان إما أخٌ لك في الدين أَو نظيرٌ لك في الخلق”.