معارجُ النور..بقلم/ جهاد اليماني
هَـا هو قطار الزمن يصل بنا لساحة أَيَّـام عظيمة مباركة مصطفاة، تحمل في طياتها كُـلّ معاني القداسة والجلال والصفاء والنقاء والنفحات الإيمَـانية الربانية، فبعد محطة شهر رمضان المبارك منحنا الله فرصة أَيَّـام العشر الأول من ذي الحجّـة، كمحطة إيمَـانية أُخرى للتزود بالطاقة الإيجابية والاغتراف من معينها العذب.
وما دمنا في ساحة هذه الأيّام المقدسة، ما أجمل أن نجلو صدأ القلوب، ونغسل أدران السيئات، ونتهيأ نفسيًا وشعوريًا ووجدانيًّا، ونعيد ترتيب ذواتنا التي بعثرتها رياح الغفلة والضياع بين متاهات الحياة، ونستشعر جلال وقداسة هذه الساعات والدقائق واللحظات الملكوتية، لنحلّق في سماوات الكمال، ونعرج معارج النور بنفوسٍ وأرواح وأفئدة طاهرةٍ نقية تضاهي نقاء وصفاء وطهر هذه الأيّام.
فليس من الأدب مع الله الكريم الذي يمنحنا الفرصة تلو الأُخرى أن نقضي هذه الأيّام بقلوبٍ ملوثة بالذنوب وأرواح يلفها الضياع وتطوقها الغفلة.
نعم تأتي هذه المحطة بنسماتها العذبة النقية الزاكية لتتنفَّسَها الأنفسُ إيمَـاناً وزكاءً ويقيناً، تنسكب أنوارها على القلوب لتسطع ضياءً وتشع نوراً وتقوى…
يتدفق معينها العذب وسلسبيلها الرقراق على حدائق الصدور الذابلة، لتنتشي فرحًا وتفوح عطرًا وتثمر حبًا وتزهر عشقاً لبارئ الكون وواهب الحياة الكريم العظيم المتفضل..
وعلى أجنحة الشوق تحلق الأرواح الولهة التواقة التي أضناها البعد واستبد بها الحنين في سماوات البيت الحرام تلبي وتطوف وتسعى وتنزف دموع الوجد وتحترق بنار الوجع، وهي ترى بيت الله ومهوى الأفئدة قد طوقها الحصار وأُوصِدت أبوابها المشرعة أمام التواقين وأُقفرت ساحاتها المقدسة من المحبين، مقارنة بستين مليون سائح تتباهى بهم المملكة المتأمركة المتصهينة في هذا الموسم الترفيهي!
{وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} الانفال[34].
لقد سيطر هؤلاء على البيت الحرام واتخذوا قراراتهم الظالمة بتقليص عدد الحجاج ورفع تكاليف الحج، بعد أن دجنوا الأُمَّــة فانصاعت لقراراتهم وصمتت على ظلمهم إلا صوتًا مجلجلًا صادحًا بالحق ارتفع من يمن الإيمَـان، ليستنكر ذلك الصدّ عن بيت الله.. وسيظل يمن الإيمَـان يرفع الصوت عالياً في وجه المستكبرين وسيظل مواصلاً لجهادهِ ونضاله حتى تحرير بيت الله من دنس آل سعود، وُصُـولاً لتحرير بيت المقدس من إخوتهم وأبناء عمومتهم اليهود، وما ذلك على الله بعزيز، وإن غداً لناظره قريب..
عشرٌ أتتْ بالغيثِ والخيرِ العميمِ
رحماتُها انهمرتْ تهادتْ كالنسيمِ
يا ربُّ فيها قد أتيتُكَ راجياً
وأنختُ قلبي عند أبواب الكريمِ
عشرٌ وفيها كم تتوقُ نفوسُنا
للكعبةِ الغرا لزمزمِ والحطيمِ
نشكو الفراق وتكتوي أرواحنا
والبيتُ يشكو سطوة الباغي الأثيمِ
يا ربُّ أكرمنا بنصرٍ عاجلٍ
واسلك بنا درب الصراطِ المستقيمِ
فالقلب كم يهفو لطيبة أحمد
والروح كم تشتاقُ للفتحِ العظيمِ