مع الشهيد الضحياني في يوم الغدير ١٤٢٦هـ .. بقلم/ خالد جحادر
بعد الحرب الأولى وبعد استشهاد الشهيد القائد (سلام الله عليه) كانت السلطةُ الظالمةُ في صنعاء قد منعت ببطشها وقوة ما لديها من السلاح، احياء مناسبة يوم الولاية والذي يعرف أَيْـضاً بيوم الغدير، وفي الوقت الذي كانت السجون تغلق أبوبها على الآلاف من المعتقلين واسرى الحرب الأولى المجاهدين، ذات يوم وفي أواخر شهر محرم الحرام من العام ١٤٢٧ هجرية، كنت في بدروم السجن المركزي بصعدة اتجاذب بعض الحديث مع بعض الإخوة الأسرى المجاهدين فنحلل الأحداث وما قد حدث وبصوت هادئ ومنخفض، وقتها ناداني أحد السجانين وقال: أنت خالد جحادر؟ لك زيارة خَاصَّة مع أمك. فرحت وخفت في آن واحد، فأنا ما بين مصدق ومكذب، توجّـهت صوب الباب مسرعاً، أخرجوني إلى صالة كانت إضاءتها ضعيفة، التفت يميناً وشمالاً وأنا لا أبصر جيِّدًا وناديت أمي، لكني لم أجد لي أماً، إنما وجدت عن يميني أربع زنازن مفتوحة وضيقة ومتسخة، حينها استعذت بالله بأن يعيذني شَرَّ هؤلاء الأوغاد الظلمة.
ناديت السجان بصوت منخفض وخائف: أين هي أمي أيها السجان؟ حينها لم يجبني السجان، وغادر وتركني مكلوماً بقلقي في تلك الصالة، تريثت قليلًا، وحينها سمعت همساً وأنيناً في إحدى الزنازن، تقدمتُ صوبَ الزنزانة وفتحت بابها وَإذَا بشخص مخضَّبٍ بدمه، ومكبَّل بكلبشة حديدية في يديه وسلسلة حديدية وعمود في قدميه.
في هذه اللحظة فتح السجان باب الصالة وناداني بكل عنف هل هذه هي أمك؟؟ بكل فرح اجبته بنعم هي أمي، تركت باب الزنزانة مفتوحاً وأقبلت نحوها مسرعاً، اطمأن قلبي برؤيتها وتجاذبنا أطراف الحديث بكل هدوء وسكينة، ولكن الذي آلمني هو أن أمي رأت الأسيرَ المكبَّلَ فبابُ الزنزانة كان مفتوحاً، حينها صاحت يا ويلتاه هل هكذا يعملون بكم يا بني؟ هل هكذا يتعاملون معكم؟ كنت اطمئنها بأننا مرتاحين وأن هذا الشخص لا أعرفه وَ… وبعد دقائق معدودة نادانا السجان وبكل غلظة (انتهى وقت الزيارة) هيا اخرجي، خرجت أمي وهي تئن وتتكلم على السجان وعلى تلك الدولة الظالمة، غادرت وأبقاني السجان في تلك الصالة مكلوماً مهموماً فأمي غادرت مفجوعة من بشاعة التعامل ومن ما رأت، وَأَيْـضاً هي لم تهنأ بزيارتي كما ينبغي، ومن جانب آخر ألمي على هذا البطل المجاهد الأسير الذي أشاهده أمامي، ولم أستطع فعل شيء له، قربت إليه وسألته من أنت؟ وما هي قضيتك؟ ولماذا كُـلّ هذا فيك؟ فأجاب وبكل عزة وشموخ، أنا عبدالعظيم محمد الضحياني من (المشهد – حيدان – صعدة) مجاهد في سبيل الله أتولى الإمام علي (عليه السلام) وأموت على حبه وولايته، وقصتي ليست أكثر من أني أحييت ذكرى يوم ولاية أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) في ساحة (المرازم) والذي كنا نحتفل فيه سنوياً، وكنت قد قرّرت وقلت في نفسي، لا بد لي أن أقيم هذه المناسبة واحتفي بولاية أمير المؤمنين علي وأعلن ما أعلنه رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) في يوم الغدير، حتى لو كان ثمن ذلك هو حياتي، وعندما حاولت أن أحيي المناسبة كانت أطقم ومدرعات نظام عفاش الفاسد الظالم لي بالمرصاد، أحاقوا بي من كُـلّ جهة وبكل وحشية أمسكوا بي وأودعوني سجن الأمن السياسي.. قلت له: ولكن لماذا فعلوا بك كُـلّ هذا العذاب؟
ومن حرقة قلب أجاب: فعلوا بي كُـلّ هذا، لأني لم أرضَ بالتعهد على ألا أحتفل مرةً أُخرى بيوم ولاية أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وقد كنت طوال كُـلّ هذه الفترة في سجن الأمن السياسي تحت التعذيب بشتي أنواعه، وعندما يئسوا مني ولم يستطيعوا أن يفتنوني عن ديني أرسلوني إلى هذا السجن وبتوفيق الله لم أتعهد ولن أتعهد أبداً،
سألته: وكيف تتناول الطعام والشراب وأنت مكبل اليدين والقدمين؟ فأجاب: كان أحد العساكر بالأمس قد قدم لي كدمتين مع الشاي وناولني إلى فمي، فقلت له: من أمس وأنت بدون طعام؟!! حينها فتحت هدايا أمي التي كانت قد قدمتها لي وبدأت اناوله إلى فمه، وبينما أنا كذلك وَإذَا بالسجان يركل الباب بكل قوة ويصيح بأعلى صوته، لماذا لا زلت هنا وما هو دخلك من هذا المجرم المتمرد؟ ثم أخذوني وفتحوا الباب وأخرجوني من الصالة إلى داخل السجن..
فسلام الله على الشهيد المجاهد عبدالعظيم آل ضحياني، وسلام الله على سائر الشهداء الأبرار، والهلاك والدمار لأمريكا وإسرائيل ولكل من والاهم من حكام أمتنا العربية والإسلامية، والخزي والعار على كُـلّ الخونة العملاء المنافقين.