رسائلُ بلغة الموت.. “طال عمرك”!..بقلم/ عبدالقوي السباعي
(يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ)، هكذا بدا المشهدُ النابضُ شموخاً وعنفواناً وعزة، مشهدٌ ازدانت الدنيا بحلته، وتقاطرت السماء بطلته، وسالت الأرض بتلك المشاهد المتدثرة للعروض العسكرية المهيبة، تحكي تخرج دفعة “قاتلوهم يعذِّبْهم الله بأيديكم”، بالمنطقة العسكرية المركزية، ودفعة “وإن عدتم عدنا” بالمنطقة العسكرية الرابعة، ناهيك عن تخرج العديد من الدورات القتالية النوعية لمختلف صنوف وتشكيلات ومحاور القوات المسلحة اليمنية الباسلة، إيذاناً بتدشين العام التدريبي القتالي والعملياتي والإعداد المعنوي للعام 1444هـ، وبحضور القائد الأعلى للقوات المسلحة المشير الركن مهدي المشاط، ومختلف القيادات العسكرية والأمنية والسياسية للدولة.
نعم.. ليس على النمل وحدَها أن تدخُلَ مساكنَها، بل يتوجَّبُ على جميع الحشرات فعل ذلك، في هكذا مشهد دراماتيكي مهيب، عكس مدى الإصرار والتحدّي، والمضي في مسيرة البناء العسكرية النوعية، ومواكبة التحديث والتطوير في مختلف مجالات البناء العسكري تدريباً وتأهيلاً وتسليحاً وأداءً، بشكلٍ يواكبُ مجرياتِ المعركة الحديثة المشتركة، ويجسِّدُ الاستراتيجياتِ العسكريةَ الشاملة لخططِ التأهيل والإعداد العسكري القتالي، والتي تمكّن هذه القوى العسكرية النوعية من تنفيذ كافة المهام القتالية والأعمال الحربية ذات الخصائص المتعددة والمعقَّدة بكفاءةٍ عاليةٍ واقتدار، وفي مختلف الأحوال والظروف.
مشهدٌ يترجمُ ذلك الوهجَ المتدفِّقَ الذي يصدحُ بِهمَمِ وإصرارِ أبطال الجيش واللجان الشعبيّة، على بلوغ الأهداف المرجوَّة في تحقيق التميز والتفرد في كُـلّ الميادين، من خلال اكتسابهم المهاراتِ العسكريةَ والفنونَ القتالية المختلفة، وحرصِهم على دمج المعلومات والمعارف النظرية بالتطبيق العملي في الوديان والسهول، وفي الصحارى والجبال وفي أعالي البحار، ومواكبتها لمعطيات الواقع واحتياجات المسارح العملياتية والمواقع والجبهات المختلفة، باستيعابها لكوادرَ كفؤة ومؤهلة ومدرّبة تدريباً عالياً، وتالياً تجسيدها عمليًّا في أرض المعركة وفي جبهات الشرف والعزة والمواجهة، والتي كانت وستظل الفيصل في الحسم وتحقيق الانتصارات.
مشهدٌ أُسطوري فريدٌ ظهر فيه رجالُ الرجال، بذات العزائم القوية والبأس والثبات، الذي عُرف به جيشُنا وهو يواجه جحافل الغزاة والمعتدين ويمرِّغُ أنوفَهم في التراب، رغم كُـلّ ما يمتلكه العدوُّ من الأسلحة الحديثة والتكنولوجيا المتطورة، فكما رأينا أبطالُنا في ميادين التدريب وهم يطوِّعون الأرضَ القاسية ويذرون عليها قطراتِ العرق التي ستنبت قوةَ بأسٍ وحُبًّا أزليًّا وارتباطًا لن ينفك بين المجاهدين وكل ذرةٍ من تراب اليمن الحبيب، الذي أضحى بهم عصياً على كُـلّ غازٍ وطامع، وعلى كُـلّ حاقدٍ ومتآمر، إذ ستمضي هذه الدماءُ الجديدة من مجاهدي الجيش ليشكّلوا رافداً جديدًا ومهماً يضاف إلى النجاحات التاريخية المحقّقة، بعد أن باتت اليمن تحتل رقماً صعباً على مستوى المنطقة، يصعُبُ على قوى الغطرسة والاستكبار والعدوان تجاهُلُه.
مشهدٌ يحملُ في ثنايا تفاصيله رسائلَ بلغة الموت الزؤام، لكل عدوٍّ يتجاهل معطيات الواقع وأبجديات الحاضر، التي ترى في هؤلاء المجاهدين القوة المسلطة، والبأس الموجَّه إلى نحور العدوّ، حَيثُ كان، دفاعاً مستميتاً عن الأرض والعرض والاستقلال والسيادة الوطنية، في كُـلّ الميادين، وفي تأكيدٍ دائم لبذل الغالي والنفيس، والاستعداد الأكيد للتضحية بالدماء والأرواح في سبيل الله، ونُصرةً للمستضعفين وصون وحماية الدين والأمَّة من أطماع الطامعين وكيد الحاقدين وبغي الظالمين.
مشهدٌ استثنائي عظيم، انبرى مدلولُه العفوي نَظْماً، والمقصود همساً، ليؤكّـدَ أن اليمن نفض -وإلى الأبد- عَباءةَ الوَصاية الخارجية وامتلك قرارَه السياسي والسيادي في 21 سبتمبر 2014م، التي انبثقت عن المسيرة القرآنية المباركة ونهجها القويم الذي ينشُدُ العزةَ والكرامة لليمن والأمَّة الإسلامية جمعاء، فلا عدوانَ بعد هذا اليوم سيحدُّ من انطلاقاته، ولا حصار سيركعُه، بعد أن قال هؤلاء الأبطال الأشاوس كلمتَهم المكللة بالجهد والعرق في ميدان الإعداد، والمعمَّدة بالجهاد والدم في ميدان المعركة.
رسالةٌ واضحة تؤكّـد أنهم لن يكلوا ولن يملوا، ولن يستكينوا، حتى يُسقِطوا عروش الطغاة والمستكبرين، ويدفنوا آمالَ وطموحات الغزاة المحتلّين، ويكسروا صياصي الأذناب المتصهينين.
وعليه.. فالقادمُ يبشِّرُ بتحقيقِ وعدِ الله الناجز، وعدِ أُخراهما، وسيعلَمُ الذين ظلموا أيَّ منقلَبٍ ينقلبون.