كربلاءُ النهاية والبداية..بقلم/ محمود المغربي
بعد الانقلاب الأموي على الدولة والدين المحمدي وبعد القضاء على كُـلّ من لا يزال يتمسك بالإسلام المحمدي ويدين بالولاء لأمير المؤمنين الإمام علي -عَلَيْهِ السَّـلَامُ- وآل البيت وكل من يرفض الانقلاب والانحراف الأموي ذهب بني أمية إلى شراء الولاءات القبلية والدينية والعسكرية بأموال الدولة المغتصبة، وتطويع وتحريف الدين لخدمة أهداف دولة بني أمية وحكامها ولبسط نفوذها وتقوية شوكتها.
وزاد الأمرُ سوءًا بعد توريث الحكم والسلطة للحدث يزيد بن معاوية الذي أجمع كُـلّ فقهاء ومذاهب الأُمَّــة على تفسيق وتكفير ذلك الصبي، حتى أُولئك المتشدّدون في محبة بني أمية.
لقد واصل يزيد مسلسل التحريف والانحراف وطمس للإسلام المحمدي لكن بوتيرة أكبر وأسرع ودون أن يلجأ إلى مكر ودهاء معاوية ودون الاكتراث لأحد، يدفعه حقد كبير وقديم متوارث على الإسلام ومن جاء به محمد رسول الله -صلى الله عليه وـله وسلم- وآل البيت -عليهم السلام-.
ولم يكن أمام الإمَـام الحُسَين -عَلَيْهِ السَّـلَامُ- الذي وقف يشاهد هذا الانحراف والتحريف الخطير في مسار الأُمَّــة والدين والفساد والظلم والهدم الممنهج للإسلام إلا التحَرّك بما لديه من إمْكَانيات بسيطة لمواجهة ذلك.
وقد كان يدرك -عَلَيْهِ السَّـلَامُ- أن أية مواجهة تقليدية لسلطة بهذا الحجم لن يكون له أي أثر ولن يفلح وعليه أن يلجأ إلى طريقة جديدة تحدث صدمة هائلة تنعش الأُمَّــة التي دخلت في حالة من الموت السريري يشبه حال الأُمَّــة الإسلامية والعربية في الوقت الراهن.
وكان الإمَـام الحُسَين -عَلَيْهِ السَّـلَامُ- يعرف الطريقة التي يمكن بها إحداث هذه الصدمة ويعلم ثمن ذلك ويعلم أن دمائه الطاهرة لن تكون كافية على الرغم من عظمة وطهارة وقيمة دمائه الشريفة في مواجهة سيف البغي والظلم والفساد والانحراف، وأن عليه تقديم الكثير من الدماء التي لا تقل قيمتها عن دمائه فداءً للإسلام وللأُمَّـة كما فعل السيد المسيح -عَلَيْهِ السَّـلَامُ-.
ولذلك ذهب الإمَـام الحُسَين -عَلَيْهِ السَّـلَامُ- إلى جمع كُـلّ من ينتمي لهذا البيت الطاهر من آل البيت وممن لا يزالون يحملون الولاء والمحبة لله ولرسوله وآل البيت -عليهم السلام- ولم يكونوا بالكثير.
وبعد أن جمع الحسين أبنائه وإخوانه وأصحابه وقف فيهم قائل: (هيهات منا الذلة يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون) وتوجّـه بهم إلى، حَيثُ تكون المواجهة والمصير المحتوم وهو يعلم أن الطريق ينتهي في كربلاء وبأن كربلاء سوف تكون النهاية له ولمن معه وبأن جسده الطاهرة لن تصل إلى أبعد من كربلاء، لكنه يعلم أن كربلاء سوف تكون البداية للأُمَّـة لتستعيد دينها المحمدي وعزتها وكرامتها وبأن مشروع ومنهج وثورة الحسين سوف يتعدى كربلاء ويطوف الكرة الأرضية ويبقى إلى الأبد.
وفي العاشر من محرم وفي كربلاء المقدسة قدم الحسين بن علي لنا ولمن جاء قبلنا ولمن سوف يأتي بعدنا أبلغ شهادة وأعظم تضحية في تاريخ الإنسانية وارتفع بمأساته إلى مستوى لن يقترب منه أحد من العالمين وصنع بذلك ملحمة بطولية وثورة تأخذ منها البشرية العبرة والعزة والكرامة والصمود إلى يومنا هذا وإلى ما شاء الله.