كربلاءُ.. مدرسةٌ للتأريخ ومنهجيةٌ للأمم..بقلم/ دينا الرميمة
يُعدّ الظلم فعلاً شائنا يهدّد البشرية ويدحض العدالة، بل إنّه يهدّد حق الحياة، ما لم يكن هناك نظم ودساتير تدحضُه وتُعلي من شأن المُثل العُليا وتحترم إنسانيّة البشر وكرامتهم والتي لأجلها أرسل الله رسله ليرسموا للناس طريقهم في انتزاع حقوقهم من أيدي الظالمين حتى يتسنى للجميع العيش على هذه الأرض وكان خاتمة من أرسله الله نبينا الكريم “محمد” -صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله- الذي جاء بالرسالة المحمدية في وقت كانت البشرية جمعاء ترضخ تحت وطأة الظلم والاستبداد والجاهلية، زمن الخرافة وعهد الأسياد والعبيد فعمل جاهداً مع المؤمنين الصادقين على ترسيخ مبادئ العدالة التي تحفظ للإنسان كرامته وإنسانيته حتى استطاع تكوين أُمَّـة موحدة تحت كلمةٍ سواء لله رب العالمين لا فرق بينهم إلا بالعمل الصالح ليرحل بعدها إلى الرفيق الأعلى تاركاً أُمَّـة على المحجّـة البيضاء كانت خير أُمَّـة أخرجت للناس!!
بيد إن ذلك لم يدوم طويلاً؛ بسَببِ الانحراف الذي وقعت فيه الأُمَّــة والذي قادها لتقع تحت حكم بنوا أُمية الناقمين على الإسلام والنبي وآل بيته الطاهرين، وتوارثوا مقاليد الحكم بينهم حتى وصلت إلى يزيد المعروف بالفسق، ملاعب القرود ومجالس اليهود وصانع حفلات المجون وَالفجور على كاسات الخمور وهنا على الإسلام السلام إذَا بليت الأُمَّــة براعٍ مثل يزيد كما قال “الإمَـام الحُسَين -عَلَيْهِ السَّـلَامُ-” سبط رسول الله وسيد شباب أهل الجنة الذي بدوره رفض مبايعته فمثله لا يبايع مثل يزيد الذي أراد أن يستغل الأُمَّــة لصالحه فأتخذ دين الله دغلا وعباده خولا وماله دولا، وأصبح الحق لا يُعمل به والباطل لا يتناهى عنه كما وصف ذلك الإمَـام الحُسَين وعليه أعلنها ثورة ضد الظلم وثورة لاستعادة مجد الأُمَّــة وإصلاح ما فسد منها، ثورة لإنقاذ قيم الدين الإسلامي ومبادئه التي حرفها معاوية حسب مبتغاه وهواه.
لم تكن ثورة للحصول على منصب وجاه بل ثورة الحر الشجاع ثورة أَسَاسها “ألا وإن الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة” وهنا تبرز الشجاعة والاستبسال في مواجهة الطاغية مهما عظمت التضحيات في سبيل إعلاء كلمة الله.
فكانت ثورة قدم فيها الإمام أروع الأمثلة في التضحية والشجاعة والإباء ثمنها رأسه الشريف ودمائه الطاهرة ليخط مسار تأريخي لكل المظلومين في زمن كثرت فيه السيوف عليه وقل فيه الناصر إلا من أُولئك الذين قال عنهم -عَلَيْهِ السَّـلَامُ- (لم أرى أصحاب في الدنيا أوفى من أصحابي ولا أهل أوصى من أهلي) من تمنوا أن يقتلوا وينشروا ويذروا ثم يفعل بهم ذلك ألف ألف مرة في سبيل ثورة الحسين، والوقوف في وجه من خذلوه وأعانوا عليه الطغاة والمتجبرين حباً في الدنيا وملذاتها فانهالت سيوفهم ورماحهم على جسده الطاهر وذبحوا رأسه الشريف وحملوه على رؤوس الأسنة واعتلوا بجيادهم جسده الشريف، واقتادوا بنات رسول الله سبايا مكبلات من الكوفة في العراق إلى دمشق في الشام في أكبر فضيحة شهدها التأريخ لمن يدعي خلافة الدولة الإسلامية !!
بينما الإمَـام الحُسَين خلد هو وأصحابه للتأريخ مدرسة ومنهج لكل الأحرار المتمسكين بقيم العدالة فكانت واقعة كربلاء فاضحة لمدى السوء والانحراف الذي وصلت إليه الأُمَّــة الإسلامية، حَيثُ خذلت سبط رسول الله الإمَـام الحُسَين وتركته يجابه طواغيت بني أمية وحيداً ما جعلها تدفع ثمن تفريطها ظلماً وقهراً على يد الأمويين الذي تعاقبوا الحكم واحد تلو الآخر وانتهج نهجهم الكثير من مدعي الإسلام حتى يومنا، ولنا فيما يحدث في العدوان على اليمن خير شاهد.
فكما يزيد ومن ورائه مستشاروه اليهود والفاسقون من المحسوبين على الإسلام أراد استغلالَ الأمة واستعبادها لصالح نزعاته الانتقامية لقتلاه في بدر والأحزاب وقتلى مستشاريه اليهود في خيبر حاول النظام السعوديّ ومن ورائه أمريكا وإسرائيل سلب اليمنيين حريتهم وكرامتهم وهُــوِيَّتهم الإيمَـانية بقوة السلاح لتكن كربلاء جديدة نهجت فيها اليمن نهج الإمَـام الحُسَين في الوقوف في وجه الظلم ومجابهة المستكبرين وقوتها الكبيرة لم تكن اليمن لتذل للمارقين وهي التي شعبها هم أحفاد من نصروا الحسين في كربلاء فجسدت اليمن كربلاء بكل تفاصيلها في معركة غير متكافئة العتاد والعدد وكان سلاحها الأقوى هو سلاح الإيمَـان وسلاح الحق وكما انتصر الدم على السيف في كربلاء حتما سينتصر في اليمن وسيدحر النظام السعوديّ إلى مزبلة التأريخ.