الإمَـامُ الحُسَين -عَلَيْهِ السَّلَامُ-.. مدرسةٌ للفداء والتضحية
حضور مهيب لليمنيين في ذكرى عاشوراء
المسيرة | أيمن قائد
نعيشُ هذه الأيّامَ ذكرى أليمةً على الأُمَّــة الإسلامية المتمثلة في استشهاد سبط الرسول الأعظم الإمَـام الحُسَين بن علي -عليهم السلام- في العاشر من شهر محرم، هذا اليوم الذي يحيي فيه المسلمون الذكرى لاستلهام الدروس والعبر من هذه الحادثة التي أدمت قلوب المسلمين وكشفت مدى الحقد الدفين الذي كان يكنه أعداء الأُمَّــة على رموز الإسلام من أهل البيت عليهم السلام.
واقعة كربلاء ليست حدثاً تاريخيًّا عابراً ولم تكن وليدة اللحظة، بل لها تبعاتُها وتأثيراتها الكبيرة نتيجة للانحراف الذي بدأ في الأُمَّــة لتخاذلها فور سماع التوجيهات الملقاة عليها، لذلك خرج الإمَـام الحُسَين بثورته العظيمة ضد الانحراف والطغيان الأموي الخطير آنذاك.
ويرى العديد من الباحثين والمفكرين والفلاسفة أن ثورة الإمَـام الحُسَين كانت ضرورةً ملحة في وقت بلغ الظلام ذروته، وأصبحت نموذجاً لكل عصر في حتمية الصراع ومقارعة الطغاة والمستبدين.
لقد جسّد الإمَـام الحُسَين الموقفَ البطولي العظيم المتمثل في الخروج عن الظلم والفساد والانحراف؛ وذلك مِن أجلِ الإصلاح في أُمَّـة جدة المصطفى -صلوات الله عليه وعلى آله- وليس أشراً ولا بطراً كما أكّـد الإمَـام الحُسَين -عَلَيْهِ السَّلَامُ-.
كما برهن الإمَـام الحُسَين من خلال تضحيته الثمرة الحقيقية في الجهاد في سبيل الله؛ مِن أجلِ إعلاء كلمة الله وإزهاق الظلم والباطل مهما بلغ ذروته.
ولكن في المقابل نجد أن أعداء الإسلام لا يزالون على ذات الفكر والأُسلُـوب المتوحش والمتمثل في الذبح وقطع الرؤوس من الرقاب والتمثيل بالجثث مع السحل وذلك؛ مِن أجلِ وإشباع رغبات وأهواء أسيادهم.
وهذا ما وجده أسرى الجيش واللجان الشعبيّة الذين يتم إعدامهم بطريقة بشعة داعشية، وقد تلقت جثثهم بالسحل والتمثيل بها وتقطيعها كما فعل أُولئك بجسد الإمَـام الحُسَين الشريف -عَلَيْهِ السَّلَامُ-.
ومع تلك الفاجعة الكبرى والتي تتكرّر في كُـلّ عصر وزمان، فقد تلقى الشعب اليمني لثماني سنوات أبشع أنواع القهر والظلم والاضطهاد منذ لحظة شن العدوان الأمريكي السعوديّ أول عملية استهداف متركزة على أشلاء الأطفال والنساء والمواطنين وهم في الأسواق والطرقات والأماكن العامة إضافة إلى تيتيم آلاف الأطفال نتيجة قتل آبائهم إلى جانب التشريد وأشد أنواع التعذيب.
وكل هذا نتيجة امتداد صوت ذلك الحق الذي صُدع به يوم عاشوراء وقال بأعلى صوت: “لقد خُيِّرت بين السلة والذلة، فهيهاتَ منا الذلة”.
وعلى هذا النهج سلك الشعب اليمني طريقه بكل شموخ وعنفوان وقوة؛ لذا جاؤوا بطائرات الحقد لإذلاله وقهره واستئصاله من الوجود.
النموذج الجهادي
ويرى الناشط الثقافي أسامة المحطوري، أنه من الضروري أن يعرف الإنسان أَسَاس المشكلة التي وقعت على المسلمين وسبب الانحراف للأُمَّـة ليكون أكثر دراية ووعياً وليس لمُجَـرّد القصص وسرد الروايات، مُشيراً إلى أن رموز أهل البيت -عليهم السلام- قتلوا بسيوف محسوبة على الإسلام بطرق وحشية كما تعمل داعش اليوم على مستوى العالم.
ويذكر المحطوري جملةً من الصفات والسمات التي تميز بها الإمَـام الحُسَين والأحاديث التي وردت عن الرسول الأكرم في مناقب وفضائل الإمَـام الحُسَين، فيما يلفت إلى حقارة أعدائه وقبح إجرامهم وبشاعته بحق سبط الرسول وكذا حقدهم الدفين على أهل البيت عليهم السلام.
ويقول: إن خروج الإمَـام الحُسَين لم يكن عابراً ولم يخرج أشراً ولا بطراً وإنما للإصلاح في أُمَّـة جده المصطفى من أمور الدين الذي كان في بداية انحرافه نتيجة لثقافات بني أمية وعقائدهم الباطلة وانحراف الحكام وبعدهم عن منهج الله وشرعه القويم القائم على الاستقامة والالتزام بعيدًا عن الانحراف وإباحة المحرمات، مُضيفاً القول: “لو أن الإمَـام الحُسَين قد بايع الطاغية يزيد لكان الدين منتهياً تماماً ولكنه رفض وخرج بثورة حتى لو كلفه ذلك التضحية بنفسه وكل ما يملك، ومؤكّـداً أن الإمَـام الحُسَين قدم نموذجاً لكافة الناس للجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمة الله ورايه الدين والإسلام وحافظ على القيم والمبادئ الأصيلة.
ويسرد المحطوري قصصاَ ومواقفَ من حكام بني أمية الذين أباحوا الخمر ونهجوا نهج اليهود ونصبوا العداوة والطغيان بالمؤمنين ومحاربة رموز أهل البيت مستخدمين المال لشراء الأشخاص.
ويشير إلى أن من الدروس المستفادة من هذه الذكرى هي عواقب التفريط حينما يسمع الإنسان التوجيهات ثم لا يلقي لها بالاً فَـإنَّ عواقبها وخيمة، موضحًا أن حادثة كربلاء وما اتبعها من أحداث مؤلمة هي جميعها ناتجة عن التفريط الحاصل، داعياً الجميع إلى العودة الصحيحة إلى معرفه سيرة الإمَـام الحُسَين والتعرف على مواقفه وشجاعته واستبساله وعلمه.
انتصار الدم على السيف
وهكذا انتصرت ثورة الإمَـام الحُسَين بقضيته العادلة، حَيثُ يقول الناشط الثقافي طلال الغادر: إن الإمَـام الحُسَين -عَلَيْهِ السَّلَامُ- قد انتصر بالدم على السيف انتصاراً للقيم والمبادئ مجسداً بوفائه وصدقه وثقته القوية بالله ويقينه بأحقية الموقف الذي خرج مِن أجلِه أمام التحريف الذي حصل من قبل بني أمية وهو في موقعه قائداً وقُدوة للانتماء الأصيل للإيمَـان بأصالته كما رسخه جده رسول الله -صلوات الله عليه وآله- وبموقفه العظيم رسخ إرثاً لكل الأحرار إلى يوم القيامة أمام المحرفين والمضلين والمزيفين وأعداء الدين.
ويشير الغادر إلى مصير الأُمَّــة التي خذلت الإمَـام الحُسَين في أن واقعها ومستواها المتدني من الإيمَـان بالله والثقة به أمام الإغراء والتخويف والتضليل الذي استخدمه الطاغية يزيد في أوساطهم والذي تبخر وتلاشى، مؤكّـداً أن أُمَّـة كهذه ليست جديرة بأن يقودها علم من أعلام الهدى؛ وذلك كون النفوس الكريمة هي من تعشق وتتطلع إلى الكمال، وأن البديل عن ذلك بأن يكونوا عبيد العصاء ليزيد والحجاج وعمر بن سعد وَابن زياد، لافتاً إلى أن سبط المصطفى قد تحَرّك استجابة لدعوات ومكاتبات له كان بالإمْكَان أن يكونوا مع المنهج الصحيح وهو كتاب الله والقيادة المتمثلة بالحسين -عَلَيْهِ السَّلَامُ- لتكتمل بهم ركائز المشروع القرآني بالتفاعل والتولي الصادق لله ولرسوله ولأعلام الهدى ولكانت النتائج على غير ما حصل للأسف الشديد.
نتائج التخاذل
ويضيف أن ما حصل في المدينة من جرائم وإذلال واستباحة لها واغتصاب لبنات الصحابة وأن الرجال أصبحوا عبيداً ليزيد، هو نتاج حتمي وطبيعي لذلك الخذلان؛ كونهم ليسوا أهلاً لحمل شرف المسؤولية مع خير من على الأرض، فهم رضوا بالذل والهوان وتغافلوا وهم يعلمون مع من هو الحق مؤكّـداً أن هذا درس لكل جيل.
وفي عصرنا الحاضر يربط الغادر الأحداث ويقول: ما أشبه أُولئك القوم في ذاك العصر بمن رضوا بالوصاية والعمالة في وقتنا الحالي، حَيثُ وهم يعرفون من هم الأعداء وما هو نهجهم ومخطّطاتهم ولكنهم كذلك في طوق الترغيب والترهيب والتضليل، وأن ما يحصل في الجنوب من اغتصاب وانتهاكات إلا شاهد للنموذج السلبي.
وعلى النقيض من ذلك فيمن عرف الحق واتبعه ووقف معه وضحى وبذل واستشعر المسؤولية أمام الله فَـإنَّه يرى النتاج الطبيعي والحتمي من عزة من كرامة ومن نصر ومن ألطاف إلهية واضحة للعيان.
انحرافٌ خطير
من جانبه يقول الدكتور أحمد الشامي: إن الحديثَ عن عاشوراء يجر للحديث عن بني أمية وسياستهم في الحكم، فمن يتأمل في الطبيعة النفسية لبني أمية ويقرأ تاريخهم وكذلك طبيعة حكمهم لن يستغرب من هول الفاجعة فهي نتيجة طبيعية لثقافتهم وأخلاقهم ونفسياتهم التي كانوا عليها في الجاهلية والإسلام على السواء.
ويشير الدكتور الشامي إلى أن سياسة الحكم الأموي كانت قائمة على مبادئ الإرهاب والتجويع وكذلك إحياء النزعة القبلية واستغلالها إضافة إلى التخدير باسم الدين وشل الروح الثورية، مبينًا أنه وبهذه السياسية حاول معاوية القضاء على ما لدى الجماهير المسلمة من نزعة إنسانية إيمَـانية تجعلها خطراً على كُـلّ حاكم يجافي مبادئ الإسلام في ممارسته لمهمّة الحكم، وبذلك أمن ثورة الجماهير ونقدها.
ويذكر نماذجَ من الإرهاب والتجويع الذي مارسه بني أمية على الناس، حتى نصبوا العداوة على رموز وهدى الإسلام من أهل بيت الرسول الأعظم، حتى أصبحت الأُمَّــة ساحة لصعود الظالمين وساحة لقتل أعلام الهداية.
ويضيف الشامي قائلاً: وهكذا تعاقب على الأُمَّــة أئمة قلوبهم قلوب الشياطين إلى الآن وأخضع علماء السوء في هذا الزمن الشعوب للحكام والحكام بدورهم أخضعوا الشعوب لأمريكا وإسرائيل، متبعاً “فانظروا ماذا جنت ثقافة السقيفة على الأُمَّــة وأين أوصلتها والله المستعان”.
مدرسةُ التضحية
أما الناشط عبد الملك أحسن فيضيف قائلاً: إن خروجَ الإمَـام الحُسَين -عَلَيْهِ السَّلَامُ- لم يكن خروجاً لمكاسبَ سلطوية كما يفسره البعض، وإنما كان خروجه لأجل مصلحة الأمَّة والمشروع الإسلامي الذي جاء به جده محمد صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله، الذي قد كان انحرف عن مسار الإسلام المحمدي الرباني إلى إسلام أموي تسلقوا باسم الإسلام على رقاب المستضعفين من أبناء الإسلام لمصالحهم الدنيوية وتداولهم بما يسمى بالخلافة الإسلامية في نسل بني أمية، لا أمر بالمعروف ولا نهي عن المنكر ولا إعلان للعداوة لأعداء الله وأعداء الإسلام، وإنما حولوا هذه الخلافة إلى جاهلية أشد من الجاهلية الأولى باسم خلفاء الإسلام وأمراء للمسلمين.
ويشير إلى انتشار المنكر في عهد بني أمية ولم ينهوا عنه بل إنهم كانوا هم أوائل من ينتهكون حرمات الله بتعاطيهم الخمر وارتكابهم الزناء وقتل من يعارضهم حتى أصبح الإسلام أسيراً بأيديهم لمصالحهم الشخصية للحفاظ على عرشهم كما يفعل أتباع بني أمية في هذا العصر المتمثل بالنظام السعوديّ كحامي وخادم للمقدسات الإسلامية وهم خدام لأعداء الإسلام.
ويرى أن خروجَ الإمَـام الحُسَين كان ضرورياً لإنقاذ الإسلام والسير بنهج نبينا محمد -صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله- بثورة ضد الطغاة من بني أمية، متبعاً أنه لو كان خروجه لأخذ السلطة ما كان خرج معه أهل بيته من الأولاد والنساء، مؤكّـداً أن أفعال (دواعش اليوم) هي امتداد لحادثة كربلاء، يقطعون الرؤوس مكبرين ومهلهلين ويقتلون الأطفال وينتهكون الحرمات وغيرها.
أخيرًا ظن الأعداء أنهم بقتلهم سبط الرسول سيمحون ثورته ونهجه، بل على العكس من ذلك فقد أحيا في نفوس الآخرين روح الحرية والجهاد في سبيل الله بثورات عديدة وقعت ضد طغيان بني أمية وما زالت الأمة إلى اليوم تنهج ثورة الحسين ضد طواغيت الأرض والإسلام.