الإمام زيد.. ثورةُ وعي وبصيرة لن توأد..بقلم/ دينا الرميمة
في زمن الجور الأموي الذي جثم على صدر الأُمَّــة المحمدية وألجم ألسنة علمائها عن الحديث الظلم ومقارعة الظالمين بالحجّـة بل إنهم أصبحوا علماء سلطة يفتون بحرمة الخروج عن الحاكم حتى وإن كان لا يهتدي بهدى ولا يستن بسُنة بأحاديث منسوبة لنبي الرحمة ومؤسس أركان العدالة التي انهارت دعائمها على يد الطلقاء وأبنائهم مع المؤلفة قلوبهم من تسلطوا على رقاب الأُمَّــة؛ بسَببِ الخذلان لثورة الحُسَين السبط وذبح مشروعه الحق مع رأسه يوم الطف، واعتلاء أزنام الباطل بما تحمله قلوبهم من حقد وضغينة على الإسلام ونكران وكفر بنبوة خاتم المرسلين كرسي خلافة المسلمين كإرث لهم لا شورى من السفيانيين ومن بعدهم المروانيين في ظل خنوع واستسلام لهم من الأُمَّــة التي عاشت أسوأ أنواع القهر بعد أن آثرت طاعة اللئام، حتى وصل أمرها إلى هشام بن عبدالملك سادس خلفاء بني مروان من تهدّد بالقتل لكل من يأمره بتقوى الله، ويسب النبي الكريم في مجلسه من قبل إخلائه اليهود ولا يحرك ساكناً، بل وينهر من يغتاظ لذلك.
ولم يكن ليجرؤ أحد على معارضته إلا الإمام زيد -عليه السلام- الذي صادف عصره وتصدى لكل جبروته ووقف في وجهه يأمره بتقوى الله دون خشية أَو خوف، فهو الإمام زيد بن علي بن الحسين زين العابدين -عليهم السلام- الذي أختصه بتربية إيمَـانية وَجهادية وأعده للمستقبل ليكون رجل المرحلة، وكان كثير الشبه بجده الإمام علي في الفصاحة والبلاغة والبراعة، وكان يعرف في المدينة بـحليف القرآن لارتباطه الوثيق والمتميز به حتى أنه عندما كان يسمع بعض آيات القرآن في بعض المقامات يغمى عليه من الخشية والتدبر، اهتدى بهديه فكان لذلك أثره البالغ على روحيته واندفاعه للتحَرّك لإنقاذ أُمَّـة جده؛ إشفاقاً عليها متألماً لحالة الخنوع التي اكتسحتها ولشعوره الكبير بالمسؤولية تجاه مظلومية الأُمَّــة، مسؤوليةً تربى عليها من خلال آيات القرآن الذي رأى أنه لا يدعه أن يسكت عن الظلم، فكان تحَرّكه من خلال القرآن الكريم، يواجه بالحق الباطل والضلال، ويواجه الأفكار المنحرفة المضللة وعقائد ومبادئ مزيفة باتت تعتمد عليها الكثير من طوائف الأُمَّــة فكراً وتسير في ظلماتها.
بدأ يواجه الضلال ويتحَرّك لإحياء الروحية الإيمَـانية الجهادية والاستشعار للمسؤولية في الأُمَّــة من جديد، فبدأها بثورة وعي وبصيرة أراد من خلالها استنهاض الأُمَّــة وعلمائها بأُسلُـوب قرآني بليغ حتى قال عنه هشام بن عبدالملك خشية لا امتداحاً (رأيته حلو اللسان، شديد البيان، خليقاً بتمويه الكلام) ليحول بينه وبين الناس والعلماء الذين كان الإمام زيد يدعوهم بقوله: (إنا ندعوكم أيها الناس إلى كتاب الله وسنة نبيه، وإلى جهاد الظالمين، والدفاع عن المستضعفين وقسْم الفي بين أهله ورد المظالم، ونصرنا أهل البيت على من نصب لنا الحرب) واستطاع أن يجمع حوله الكثير من الشيعة قيل أنهم بلغوا خمسة عشر ألفاً بايعوه على السمع والطاعة وأن يخرجوا معه في ثورته ولكنهم في يوم تحَرّكه خذلوه كما خذل جده الحسين في كربلاء وقاتل مع القلة القليلة الذين أوفوا معهم حتى استقبل الشهادة قائلاً: (الشهادةَ الشهادةَ الحمد لله الذي رُزقناها)،
ومع أنهم أخرجوه من قبره وصلبوه ومن ثم أحرقوا جسده الطاهر وذروه في الرياح حتى يمحى ذكره وأثره إلا أن ثورته بقيت للأجيال، ثورة لكل الأحرار ومنهجاً للثائرين ضد الظلم حتى يومنا هذا!
ثورة نحييها في واقعنا هذا الذي نرى فيه قوى الشر تريد سلبنا حريتنا وكرامتنا وديننا، ثورة نستلهم منها الشجاعة وقول الحق في وجه السلاطين الجائرين ممن حملوا راية النفاق وباسم الدين توجّـهوا للتطبيع مع أعداء الأُمَّــة الصهاينة تحت مسميات دينية كاتّفاقهم المسمى (إبراهام)!
هي ثورة مبادئ وقيم وثورة ثبات وتحدٍّ للحفاظ على الحرية والكرامة وما نحمله من دين يراد لنا أن ننحرف عن منهجه القويم، ونأبى نحن إلا أن نكون كزيد لا نخشى في الله لومة لائم، ثورة علم وجهاد ووعي بصيرة ستبقى مناراً للأحرار في وجه كُـلّ طاغٍ وباغٍ انتهج النهج الاموي.