“البصيـرةُ” البديـلُ عنها “الهزيمـة”: وهي ضرورةٌ مُلحّة وليست خيارًا متاحًا
هنادي محمد
- الإمامُ زينُ العابدين -عليه السلام- صاغ دعاءَه ‘مكارم الأخلاق’ بشكلِ دروس وتوجيهات وحقائقَ؛ لأَنَّه أدرك تماماً أن سببَ المآسي والواقع المظلم المخيِّم على الأُمَّــة الإسلامية هو نقصُ الإيمَـان وضعفُ البصيرة وانعدامُ الوعي، لذلك من خلال هذا الدعاء هو يقول للمؤمنين: لا يكفي انتماؤكم وإيمَـانُكم دون أن تحرصوا على أن يكون إيمَـاناً واعيًا ببصيرة نافذة يتبخر أمامها النفاق ويدحض الباطل ويهزِمُ الظالمين والمفسدين.
وفي شرح الشهيد القائد -رضوان الله عليه- يؤكّـد على قضايا مهمة نعرضُها فيما يلي:
تحذيـرٌ وتعليـل: وضعُ خط معيَّن للإيمَـان يوقعُك في الضّلال
«ونحن نحذر دائماً من أن يضع الإنسان لنفسه خطأ فإذا ما رأى بأن ظروف المعيشة هيأته إلى أن يتفرغ أكثر من جانبٍ من جوانب العبادة كالصلاة مثلاً كما يستمع موعظة هنا وموعظة هناك مرة أَو مرتين ثم يقول: الحمد لله اكتفيت!. تأتي المتغيرات، وتأتي الأحداث، ويأتي الضلال، والخداع والتلبيس بالشكل الذي ستكون ضحيته أنت، يكاد أن يأخذ حتى بأُولئك الكاملين، بعض المتغيرات، وبعض الأحداث، وبعض وسائل التضليل، وأساليب الخداع تكاد أن تخدع الكبار، أُولئك الذين يدعون دائماً ((وبلغ بإيمَـاننا أكمل الإيمَـان))».
تنميةُ الإيمَـان وتطوير القدرات مهمٌّ في مواجهة الباطل
«إذا أنت لم تربِ نفسك، إذَا أنت لم تنمِ إيمَـانك ووعيك، فَـإنَّ المنافقين هم من ينمون نفاقهم، هم من يطورون أساليبهم حتى يصبحوا مردة، يصبحوا خطيرين قادرين على التأثير، قادرين على ضرب النفوس، {وَمِنْ أهل الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ} (التوبة: من الآية١٠١) من خبثهم استطاعوا أن يستروا أنفسهم حتى عن رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله-، استطاعوا أن يستروا أنفسهم حتى عن بقية الناس، إنهم منافقون، ثم تنطلق منهم عبارات التثبيط، عبارات الخذلان فيؤثرون على هذا وعلى هذا، وعلى هذا، تأثيرا كَبيراً، هؤلاء مردة، كيف أصبحوا مردة؟.؛ لأَنَّهم هم من يطورون أساليب نفاقهم، من ينَمُّون القدرات النفاقية داخل أنفسهم».
غيابُ حالة الوعي يتسبّب في جناية كبيرة على الأُمَّــة
«فأنت يا من أنت جندي تريد أن تكون من أنصار الله، ومن أنصار دينه في عصر بلغ فيه النفاق ذروته، بلغ فيه الضلال والإضلال قمته يجب أن تطور إيمَـانك، أن تعمل على الرفع من مستوى وعيك، فإذا لم يكن الناس إلى مستوى أن يتبخر النفاق أمامهم، أن يتبخر التضليل أمامهم فَـإنَّهم هم قبل أعدائهم من سيجنون على أنفسهم وعلى الدين، وعلى الأُمَّــة، كما فعل السابقون، كما فعل أُولئك الذين كانوا في ظل راية الإمام علي، وفي ظل راية الحسن، وفي ظل راية الحسين، وفي ظل راية زيد -عليه السلام-».
غيابُ “البصيــرة” على المستوى الفردي يسبب هزيمة جماعية تلحقها أوزارٌ كبيرة
«الهزيمة في مجال العمل لله، ضعف البصيرة في مجال العمل لله، ضعف الإيمَـان في مجال العمل لله قد يجعلك تترك أثراً سيئاً تتحمل فيه أوزار الأُمَّــة، وأوزار الأجيال من بعدك، ليست قضية سهلة، خطورة بالغة، خطورة بالغة هي أخطر بكثير من تخاذل الطرف الآخر عن بعضهم بعض».
تخاذُلُ أهل الحق جنايةٌ على البشرية جمعاء لا على فئة أَو جماعة معينة
«رأينا ماذا حصل في أحد -وهو درس مهم- عندما تخاذل أصحاب الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله-، عندما بدأوا يتنازعون، بدأ الفشل، بدأ العصيان، وهم تحت قيادة النبي -صلوات الله عليه وعلى آله- ماذا حصل؟ هيئ لهم أن يُضربوا بالكافرين فعلاً، {وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ} (آل عمران: من الآية١٦٦). لتفهموا أن تخاذلكم ليس سهلاً هو جناية على الأُمَّــة، جناية على الرسالة، لكن إذَا تخاذل جند أبي سفيان هل سيتحمل أُولئك المتخاذلون شيئاً؟ لا. مطلوب منهم أن يخرجوا عما هم عليه، لكنك أنت متى تخاذلت وأنت تحت راية محمد -صلوات الله عليه وعلى آله- فأنت من تهيئ الساحة لأن ينتصر الجانب الآخر جانب الكفر، فستجني على الرسالة، وتجني على البشرية كلها».
لفتةُ وعـي خطيرٌ جهلُها: التخاذُلُ الفردي يسبّب ضربةً للأمة
«من الوعي أن يفهم المؤمنون هذه النقطة الخطيرة: أنه فيما إذَا تخاذلت أنا سيكون تخاذلي جناية على الأُمَّــة، جناية على الأُمَّــة في الحاضر والمستقبل، وسأكون أنا من يتحمل أوزار من بعدي، أوزار كُـلّ من ضلوا، وفسادهم وضلالهم من بعدي جيلاً بعد جيل، أُولئك عندما تخاذلوا عن نصرة الإمام علي لضعف وعيهم وقلة إيمَـانهم، مع كثرة ركوعهم وكثرة تلاوتهم للقرآن، هم من حالوا دون أن تسود دولة الإمام علي -عليه السلام- ويهزم جانب النفاق والتضليل، جانب معاوية».
منبعُ التخاذل: ضعف الإيمَـان والعرب يتحملون مسؤولية تبليغ الدين للبشرية
«العرب إذَا ما تخاذلوا يتحملون حتى أوزار الآخرين من الأمم الأُخرى؛ لأَنَّهم هم لو استقامت دولة الإسلام في وسطهم، لو استقرت وضعيتهم، وكانوا على صراط الله وهدي الله، هم من سيستطيعون أن يغيروا وجه الأرض هذه بكلها، فكل تخاذل أنت مشارك فيه وزر ذلك الرجل في طرف استراليا، أَو في المكسيك، أَو في أمريكا أَو في أي منطقة، خطورة هذه على العرب أكثر من غيرها فعلاً؛ لأَنَّ الله قال فيهم: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّـة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} (آل عمران: من الآية١١٠) لتهدوا الناس فإذا ما تخاذلتم عن أن تقوموا بهذه المهمة فَـإنَّكم شركاء في أوزار الناس، كُـلّ الناس. من الذي كان بإمْكَانه أن يبلغ هذا الدين؟ الذي كتابه عربي ولسانه عربي وأعلامه عرب؟ إلا العرب أنفسهم لكنهم تخاذلوا فرأينا ما رأينا، من أين يأتي التخاذل؟ من ضعف الإيمَـان، من ضعف الإيمَـان».
+++++++++++++
التخاذُلُ وضعفُ الوعي ينتج روحاً انهزاميـة واقعُها انكسارٌ وهزيمةٌ وتمكُّنُ الباطل
يواصل الشهيد القائد/ حسين بدر الدين الحوثي -رضوان الله عليه- حديثه في محاضرة (ملزمة) في ظلال دعاء مكارم الأخلاق ” الدرس الأول” معرّجاً على مواضيع بالغة الأهميّة لمن هم ضمن مسيرة الإيمَـان والجهاد، ويتحَرّكون ضمن أُمَّـة القرآن بالقيام بمسؤوليتهم الإيمَـانية في الجهاد في سبيل الله وإعلاء كلمته، ولأن هذا الخط المستقيم يتطلب أُمَّـة منظّمة مؤمنة واعية تستفيد من التاريخ، وتعتبر من الأحداث، وتسير بشكلٍ صحيح نعرض فيما سيأتي أهم ما ذكره -رضوان الله عليه- فيما نحن محتاجون لأن نُذكّر به على الدوام لنحظى بمعية الله ورعايته وتأييده ونصره.
أُسلُـوب الإمام زين العابدين لم يعتمد على الكّم بل على المنهجية القرآنية وخطاب النفسيات التي ستغيّر الواقع
«هو عبرة للعلماء، قُدوة للمعلمين الذين يرون بأن الأوضاع قد أطبقت، والناس لم يعودوا بالشكل الذي يمكن أن يؤثر فيهم كلام، أَو يحركهم كلام، لينطلقوا في نصر الحق، ومقاومة الباطل وإزهاقه، فليسلكوا طريقة زين العابدين، الإمام علي بن الحسين، اجمع ولو خمسة من الطلاب تختارهم ثم علمهم، قدم لهم الدين كاملاً، ابعث في نفوسهم الأمل، علمهم الأمل الذي يبعثه القرآن الكريم، لا تسمح بأن يكونوا عبارة عن نسخ للواقع الذي أنت فيه، لا تسمح أن تمتد هزيمتك النفسية إليهم، إلى أنفسهم، حاول دائماً أن تعلمهم كيف يكونوا رجالاً، كيف يكونوا جنداً لله، كيف يكونوا من أنصار الله، كيف يعملون في سبيل الله لإعلاء كلمته ورفع رايته».
حلقاتُ العلم هي محور أَسَاس لنهضة الأُمَّــة وقيامها بمسؤوليتها أَو التنصّل عنها
«لا يجوز أن نمشي في حياتنا هكذا جيلاً بعد جيل، ومساجدنا تكتظ بحلقات العلم، وكثير من منازل علمائنا أَيْـضاً تقام فيها حلقات العلم لكنها في معظمها حلقات باردة، لا تصنع أكثر من امتداد للواقع المظلم، وامتداد للهزيمة النفسية، نتوارثها جيلاً بعد جيل، يتلقاها التلميذ من أُستاذه، وعندما يصبح هذا التلميذ أُستاذاً أَيْـضاً يحملها للآخرين ويلقنها للآخرين، ندرس فنوناً معينة، لا نتحدث بجدية عن مختلف المواضيع المهمة، حتى أصبح الواقع هو نسيان، هو نسيان ما يجب أن يتحَرّك الناس فيه».
كمالُ الإيمَـان يُخرِجُ رجالاً كمثل الإمام زيد
«وكلنا نعرف ذلك الظرف القاهر الذي كان يعيشه زين العابدين -صلوات الله عليه-، لكن ننظر ماذا عمل زين العابدين، بنى زيداً، وبنى الكثير من الرجال، الذين انطلقوا فيما بعد حركة زيدية جهادية جيلاً بعد جيل على امتداد مئات السنين، هو نفسه كان يقول: ((اللهم بلغ بإيمَـاني أكمل الإيمَـان))».
التخاذل وضعف الوعي ينتج روحاً إنهزاميةً واقعُها انكسار وهزيمة وتمكّن الباطل
«لكنها وضعيات هي نتيجة تقصير من قبل الناس أنفسهم يوم تخاذلوا مع علي -عليه السلام- كانت نتيجة تخاذلهم قوة للباطل في جانب بني أمية، جعلت مواجهتهم لذلك الباطل في أَيَّـام الإمام الحسن صعبة جِـدًّا، تخاذلوا معه أَيْـضاً، جعلت المواجهة في أَيَّـام الإمام الحسين أكثر صعوبة أَيْـضاً، وصل الحال إلى أن يصبح واقع الأُمَّــة في عصر زين العابدين هو الانكسار، الهزيمة المطلقة، هي الظروف الصعبة، هي الحالات السيئة التي يصنعها تخاذل الناس، هي حالات يخلقها -أحياناً- ضعف وعي ممن ينطلقون للعمل، وإن كانوا تحت راية علي -عليه السلام- ويحملون اسم جند الله، وأنصار الله لكن وعيهم، لكن إيمَـانهم القاصر، إيمَـانهم الناقص أَدَّى إلى أن يرتكبوا جناية على الأُمَّــة فضيعة».
انتماؤك الإيمَـاني لا يقيك من السقوط والهزيمة إذَا كنت ضعيف الإيمَـان وقاصر الوعي
«وهكذا سيحصل في كُـلّ عصر لأي فئة وإن انطلقوا تحت اسم أنهم جنود لله، وأنصار لله، إذَا ما كان إيمَـانهم ناقصاً، سيجنون على العمل الذي انطلقوا فيه، سيجنون على الأُمَّــة التي يتحَرّكون في أوساطها، سيجنون على الأجيال من بعدهم، وهم من انطلقوا باسم أنهم يريدون أن ينصروا الله، وأن يكونوا من جنده لكن إيمَـانهم ناقص، ووعيهم ناقص».
زمن التضليل في خضّم الصراع يتطلب وعيًا عاليًا
«إذا كان ولا بُـدَّ كما هو الحال بالنسبة لواقعنا والأمة في مواجهة صريحة مع اليهود والنصارى، مع أمريكا وإسرائيل ونحن في زمنٍ التضليل فيه بلغ ذروته في أساليبه الماكرة، في وسائله الخبيثة، في خداعه الشديد، فَـإنَّ المواجهةَ تتطلَّبُ جُنداً يكونون على مستوًى عالٍ من الوعي».