“وعدُ الآخرة”: عرضٌ لافتٌ بحجمه وبتوقيته.. أيُّ رسائل عسكرية يحملُها؟..بقلم/ شارل أبي نادر*
لقد عوّدنا قائدُ حركة “أنصار الله” في اليمن، السيد عبد الملك الحوثي، على مواكبته الحثيثة والدقيقة -وخلال كامل السنوات الثماني التي مرت من العدوان على اليمن- لكل التفاصيل العسكرية التي تحيطُ باستراتيجية الجيش واللجان اليمنية في معركة الدفاع ضد هذا العدوان، السعوديّ والإقليمي والدولي.
لذلك كان من الطبيعي أن يواكبَ السيد عبد الملك، العرضَ العسكري الذي نفذته وحداتُ الجيش واللجان اليمنية في الحديدة، بكلمة مختصرة إنما وكالعادة، معبرة بشكل دقيق وصادق، عن كُـلّ التحديات والاستحقاقات التي تواجه اليمن بشكل عام من جهة، والتي ترتبط بعمل كافة الوحدات العسكرية المعنية بمعركة الدفاع والمواجهة، والتابعة للجيش وللجان الشعبيّة ولأنصار الله، من جهة أُخرى.
وحيث أشار السيد عبد الملك الحوثي إلى أنّ “العروض العسكرية في مختلف المناطق اليمنية تقدّم رسالة بشأن الاستمرار في العمل الجاد على بناء القدرات اليمنية”، وحيث أوضح أَيْـضاً أنّ “الهدف من كُـلّ العروض العسكرية طمأنةُ الشعب اليمني وإيصالُ رسالة إلى الأعداء الطامعين والمعتدين”، يبقى لرسائل العرض ذات الطابع العسكري البحت، من إمْكَانيات ومناورات وقدرات، والتي يمكن استخلاصُها من أنواع الأسلحة التي تم الكشف عنها، الكثير من الأبعاد الحساسة، ذات الطابع الاستراتيجي، والتي يمكن تحديدها بالتالي:
١- أن يتجاوزَ عدد المشاركين بالعرض الـ ٢٥ ألفاً من الجنود والرتباء والضباط، لَهو أمرٌ لافتٌ ومعبّر وربما يكون صادماً لأعداء اليمن، وهو أَيْـضاً أمرٌ يدعو إلى التعجب والتقدير بنفس الوقت، لهذا الجيش، والذي رغم الحصار ورغم ما عاناه ولثماني سنوات خلت من ضغوط، ولما قدّمه من شهداء ومن مصابين، استطاع تطويعَ وتدريبَ وتجهيز هذه الأعداد الضخمة من العسكريين، والتي تؤمّن كامل العديد المطلوب على مختلف الجبهات التي تنتشرُ عليها وحداتُ الجيش اليمني، وعلى كامل مساحة اليمن غير البسيطة، والتي من المفترض أن تأخذ جهوداً وأعداداً ضخمةً من هذه الوحدات، لتصبح معها قدرةُ الجيش واللجان على فصل هذا العدد الضخم وتخصيصه وتدريبه لتنفيذِ عرض عسكري ضخم، أمراً شبهَ مستحيل، وتعجز عنه أغلبُ الجيوش العالمية وأقواها، والقادرة على خوض الحروب الواسعة والمتشعبة، جغرافيا وميدانيًّا.
٢- أن يتم استعراضُ قوة كبيرة من المدرعات والدبابات والألغام البرية، كالتي شاهدناها، أَيْـضاً هو أمر يدعو للدهشة والاستغراب والتقدير أَيْـضاً بنفس الوقت؛ بسَببِ هذه القدرة الاستثنائية لهذا الجيش، بان يفصل هذا العدد الضخم من الاليات المدرعة لعرض عسكري على البحر الأحمر، في وقت يحتاج سلاح البر لهذه المدرعات بقوة، لدعم معركة وحداته المنتشرة على عشرات الجبهات البعيدة مئات الكيلومترات عن الحديدة، مكان العرض.
البعد الآخر والذي يمكن استنتاجه من عرض هذا العدد الكبير من المدرعات، أن في ذلك رسالة، بالإضافة لقدرة وإمْكَانية فصل هذه المدرعات للعرض، بان المعركة البرية ومناورة تحرير الجغرافية المحتلّة من العدوان ومرتزِقته، هي مناورة مفروضة وتدخل في أَسَاس استراتيجية الجيش واللجان اليمنية المحضّرة، وبحيث سيكون سلاح المدرعات عنصرا أَسَاسيا ورأس السهم في عمليات التحرير المرتقبة.
٣- لناحية ما تم الكشفُ عنه من منظومات دفاع جوي أَو من مسيرات، يبقى أمرًا عاديًّا بتقديري، ورغم أهميته، والسبب أن قدرات هذه الأسلحة النوعية، فرضت نفسَها سابقًا، وخلال مسار كامل من المواجهات، بالنسبة للدفاع الجوي، وبالنسبة للمسيرات، والتي كان لها دور فاعل ومؤثر وصادم، فرض نفسه في معادلات الردع الاستراتيجي، في العمقين السعوديّ والإماراتي، وربما لذلك، لم تأخذ حيزا فوق العادي في العرض العسكري.
البُعدُ الأخيرُ والمهمُّ يبقى لما تم الكشفُ عنه من صواريخ بحرية أَو صواريخ بر – بحر، حَيثُ تم الكشفُ عن صواريخ جديدة لم يتم الكشف عنها من قبل وهي “مندب 2″ و”فالق1″، و”روبيج” الروسية، بالإضافة إلى “مندب1” الذي عرض من قبل.
أهميّةُ وحساسيةُ رسالة الكشف عن هذه الصواريخ، أنها مخصصةٌ للمعركة الاستراتيجية في مياه البحر الأحمر وبالتحديد في محيط باب المندب، والذي يمثّل العُقدةَ البحرية الأهم والأخطر والأكثر حساسيةً في معركة الردع البحري الاستراتيجية، والتي يحضّر لها الجيش واللجان اليمنية، كرَدٍّ منطقي وطبيعي فيما لو بقي الحصارُ الإقليمي والدولي على اليمن، وفيما لو بقي العدوان وداعموه يناورون خِداعاً عبر هُــدنة كاذبة وفي غير مصلحة أبناء اليمن.
* محلِّلٌ عسكري لبناني