اللواءُ الركن أحمد علي الناصر: العثمانيون ظالمون والبريطانيون شجّعوا آلَ سعود لتكفير المسلمين والإخوان حرّكوا القبائلَ ضد البدر
خلال حوارٍ ضافٍ مع برنامج “ساعة للتاريخ” عبر قناة المسيرة:
المسيرة – متابعات
أجرت قناةُ “المسيرة” وعبر برنامج “ساعة للتاريخ” حواراً ضافياً مع اللواء الركن أحمد علي الناصر، عضو تنظيم الضباط الأحرار الذي اقتحم مبنى الإذاعة في 26 سبتمبر سنة 1962م، وقاد معارك عدة في مواجهة القوات الملكية بعد الثورة، وتولى إدارة المعهد القومي للغات.
وكشف اللواء الناصر معلوماتٍ هامة عن تاريخٍ مضى، لا تزال أحداثه تعصف بنا حتى هذه اللحظة، مع سردٍ تاريخي لسيرته النضالية والكفاحية، والمسار الذي وصل إليه حتى يومناً، متطرقاً إلى الكثير من المحطات النضالية في تاريخه.
بدأ المناضل الناصر الدراسة في مدرسة شبام، فتعلم القرآن الكريم والتجويد، وعلوم الطهارة وكل علوم الدين التي نحتاجها، ومنها علوم الأخلاق، حَيثُ كان المدرس في المدرسة له هيبةً كبيرة في قلوب الطلاب، وكان يوجد عنده إخلاص في العمل كما يذكر خلال البرنامج.
ويواصل اللواء الناصر حديثه قائلاً: “كنا ندرس في الجامع الكبير في شبام من بعد الفجر، منها النحو وعلم المعاني والبيان، وذات يوم ذهب الحسن بن الإمام يحيى إلى الخارج فرأى الطلبة اليمنيين متأثرين بالحزبية هناك فقرّر فتح المدرسة التحضيرية في صنعاء، كان عند الحسن بن الإمام يحيى قناعة بضرورة تعليم الطلبة اليمنيين الطب والهندسة وكل العلوم الحديثة”، لافتاً إلى أن الإمام الحسن جاء بطلبة من كُـلّ أنحاء اليمن ليدرسوا في المدرسة التحضيرية التي أنشأها في صنعاء”.
حكمٌ تركي ظالم
وفي ثنايا حديثه عن الحكم التركي واحتلاله لليمن، يؤكّـد اللواء الناصر أن الحكم العثماني لليمن كان ظالماً، حَيثُ كان يستغلُّ المواطنين بالضرائب، وكان يعاقب اليمنيين بخلس جلودهم ثم قتلهم، لكن اليمنيين لم يسكتوا على هذا الظلم، فدخلوا في مواجهةٍ مع الأتراك، وهزموهم في عهد “المنصور” والد الإمام يحيى، ثم قاد المعارك الإمام يحيى بنفسه بعد أن بايعه الناس بعد وفاة والده، وحقّق انتصارات كبيرة عليهم، وطردهم من شهارة ومن عمران.
ويقول اللواء الناصر: إن الإمام يحيى حميد الدين وبتسامحٍ منه أبقى كثيراً من العثمانيين، حتى أن وزيرَ خارجية الإمام يحيى “راغب” كان عثمانياً.
وفي ظل عهد الإمام يحيى حميد الدين، يشير اللواء الناصر إلى أن الإمام يحيى فتح مدارس لتعليم القرآن الكريم والكتابة في كُـلّ قرية؛ لأَنَّه كان مهتماً بالدين، واستطاع أن يؤسس لدولة حقيقية في اليمن بعد خروج الغزاة الأتراك، وأن الإمام يحيى كان يحب المواطنين جميعاً، ولم يكن هناك أعدل ولا أشهم منه، وقد استطاع أن يبني اليمن، وفتح المدارس وأسس جيشاً دخلت اليمن به التاريخ.
ويؤكّـد اللواء الناصر أن الإمام يحيى استطاع أن يبني اليمن، وفتح المدارس، وأسس جيشاً قوياً، وأنه “عندما قيل بأن الإمام يحيى اغتيل كأنها قامت القيامة من شدة هول الحادثة وحب الناس له”، حَيثُ لم يكن الناس متوقعين أن يتم اغتيالُ الإمام يحيى وهو بذلك السن والعلم والعدل وحب الناس له، حتى أن الزبيري أنشد فيه شعراً وقال كلاماً كَثيراً في مدح الإمام يحيى وله بيت يقول: من أين يأتيك العدوّ وأنت في بلدٍ تكاد صخورُها تتشيع.
ويتطرق اللواء الناصر إلى الدور الخبيث للاستعمار البريطاني في الجزيرة العربية، وخططهم الجهنمية في إنشاء دولتين في المنطقة العربية (دولة يهودية، ودولة آل سعود)، موضحًا أن بريطانيا شجعت ابن سعود لأن يكفر المسلمين جميعاً، ودعمته بالسيارات والمرتبات، وأن البريطاني شجع الأدارسة للتمرد على الإمام يحيى، لكن اليمنيين نكفوا وقاوموا بعد أن وصلوا إلى حفاش وملحان في المحويت، كما أن البريطاني كان يستعين بالسلاطين -مثلاً في لحج وأبين- للتمرد على الإمام يحيى، ولم تنس بريطانيا أن تنشر التفرقة بين اليمنيين، مثلاً هذا زيدي وهذا شافعي، ولم يكن للتفرقة أي وجود، منوِّهًا إلى أن بريطانيا كانت تدعم الإدريسي وتدعم السلاطين، والإمام يحيى وحيد فحين يحارب هنا وحين يحارب هناك، لكنه استطاع أن يتغلب على السلاطين، وحينها كانت بريطانيا تتدخل بطائراتها.
ولفت اللواء الناصر إلى أن بريطانيا فتحت مراكز في عدن لإيواء من يعارض الإمام يحيى، كما أن اليمن كان في عهد الإمام يحيى يملك من الغذاء ما يكفي الجزيرة العربية بالكامل، ولم يكن يحتاج اليمنيون أَيَّـام الحرب العالمية الثانية سوى مادة “القاز” فقط.
مرحلةُ ما بعد الإمام يحيى
ويستمرُّ اللواءُ الركن أحمد علي الناصر في سرد جزءٍ من التاريخ المغيب، أَو بالأصح التاريخ الذي حُرفِّت الكثير من تفاصيله، مُشيراً إلى أن الإمام أحمد لم يكن أحد يقدرُ على معارضته أَو مصادمته، لكن بعد موته تغيَّرت الأمور وخرجت عن السيطرة، وأن الإخوان المسلمين هم الذين كانوا يحرّكون القبائل الذين ثاروا ضد البدر بعد موت الإمام أحمد، مؤكّـداً أن من بث الخلاف بين حكومة العمري والسلال هم الإخوان المسلمون.
وأشَارَ إلى أن مشايخ من خولان نزلت إلى الإمام أحمد في الحديدة للتوسط للشيخ حسين بن ناصر الأحمر، وأن الإمام أحمد انضم إلى “الاتّحاد العربي” بعد إعلانهم الوحدة ضد الاستعمار وتنمية الشعوب العربية وتحقيق استقلالها، وأن ميناء الحديدة كان من إنجازات الإمام أحمد وكان يسمى بـ”الميناء الأحمدي”، إضافة إلى طريق الحديدة – صنعاء، ومصنع الغزل والنسيج، لافتاً إلى أن البدر افتتح عدد من الكليات، منها الكلية الحربية، وكلية الشرطة، وكلية الطيران، وكان بيت حميد الدين متسامحين جِـدًّا، فمرةً من المرات قام أحد الطلاب المتخرجين من الكلية الحربية وانتقد الحكم ولم يصدر بحقه شيء، وأن العداء والمناوءة للأئمة أتت من الخارج، لكنهم استعانوا بالإخوان المسلمين في اليمن الذين قاموا بالثورة على البدر هم الذين ربّاهم ودرّسهم وابتعثهم إلى الخارج.
مصر والرغبةُ في استبدال الحكم
ويتطرقُ اللواءُ الركن أحمد علي الناصر، عضو تنظيم الضباط الأحرار، إلى الدورِ المصري في تلك الحقبة، مُشيراً إلى أن إذاعة “صوت العرب” في عهد عبدالناصر في مصر، كان المذيعون فيها يعملون برنامجاً ضد الهاشميين في اليمن بأنهم متخلفون، وأن الإذاعة كانت تدعو إلى التفرقة بين اليمنيين، وكان لدى مصر رغبة في استبدال الحكم بعناصرَ موالية لهم، وهذه العناصر تربَّت كلها في عدن.
وأوضح أنه لم يكن أحد يجرؤ أن يتحَرّك أَيَّـام الإمام أحمد، لكن بعد موته بدأنا نعمل تشكيلاً للضباط الأحرار، حَيثُ تكون الضباط الأحرار من طلبة المدارس، من المدرسة الثانوية والمتوسطة والتحضيرية والعلمية، وهؤلاء كان البدر بنفسه هو الذي أدخلهم في المدارس، لكنهم تخرجوا وبدأوا يعملون تشكيلات ضده.
ونوّه إلى أن البدر حاول الاتصال بالمصريين واتصل أَيْـضاً بالاتّحاد السوفيتي؛ مِن أجلِ التطوير والتقدم والتحرّر من العالم الغربي، وأن البدر استورد حوالي 15 إلى 20 طائرة من الاتّحاد السوفيتي؛ مِن أجلِ تدريب اليمنيين عليها، وعقد اتّفاقيات مع الجانب الصيني وتم شق طريق صنعاء – الحديدة، وبناء مصنع الغزل والنسيج، مؤكّـداً أن فكرة الانقلاب على البدر كانت مستوردة من الخارج؛ لأَنَّنا كنا متأثرين بالدعايات الخارجية.
ومن الذين ثاروا على الإمام البدر كما يقول اللواء أحمد علي الناصر “أحمد الدفعي”، لكن الإمام لم يحاول أن يزحزح أخاه “حسين الدفعي” من منصبه، وأن الضباط الأحرار لم يكن لديهم مشروع لما بعد الانقلاب على البدر، بل كان المهم هو تغيير الحكم وليكن ما كان.
ويتحدث عن تلك الليلة التي تم فيها الخروج على البدر، موضحًا أنه خرجت بعض الدبابات من مدرسة الأسلحة ومدرسة الضباط وهجموا على البدر في داره، وأن البدر خرج من بيته وذهب إلى “البونية”، ثم تحَرّك إلى “ضِلاع”، ومن بعدها إلى “عَمْران”، وعند وصوله إلى عمران قال للناس بأن يُجَمْهروا، ثم ذهب بعدها إلى المحابشة في محافظة حجّـة، وأنه عندما سمع البدر طلقات الرصاص في بيته، أرسل رسولاً إلى السلال يخبره بأنه مستعد أن يترك الحكم بشرط تأمين الخروج له.
ويواصل اللواء الناصر حديثه بالقول: كنت من ضمن المجموعة التي اقتحمت الإذاعة ونحن فوق مدرعة، وتبعنا بعد ذلك الشيخ علي أبو لحوم مع مجاميع من أصحابه، حَيثُ التقانا حسن العمري ليلة اقتحام الإذاعة وقال لنا: “أهلاً وسهلاً، تفضلوا، كلنا ضباط”، ودخلنا الإذاعة، مُشيراً إلى أنه كان هناك حارس في مبنى الإذاعة اسمه “الحرازي” ضرب رصاصاً على “علي أبو لحوم” وأصابه، وقال لنا حسن العَمْري ونحن في مبنى الإذاعة بأن “نذهب لدعوة المذيعين لإعلان بيان الثورة”.
ويتابع سرد الأحداث قائلاً: “مشينا بالمدرعة بجانب السفارة المصرية، وَإذَا بمحمد عبدالواحد -القائم بأعمال السفارة المصرية- في الشارع يحيينا ونحن حييناه، ومن الذين كانوا يكتبون بيانات الثورة “محمد الفُسَيِّل” و”عبدالله حُمْران” و”محمد المَسْوري”، مؤكّـداً أنه لم تكن “ثورة” بل “انقلاب”؛ لأَنَّ الشعب لم يشارك ووقف ضدها، خَاصَّةً بعد الإعدامات العشوائية التي حدثت.
ويقول اللواء الناصر إن القبائل في خولان الطيال وفي بني مطر وهمدان ثارت، وكان على رأس من أعدم من شكل الكلية الحربية، وهو العقيد محمد صالح العلفي، وعلي عبد الكريم الفضيل مدير المدرسة التحضيرية، لكن بعد أن رأى أن الثورة عنصرية اضطر أن يتخلى ورجع إلى بلاده.
ويشير إلى أن الإعدامات بدأت من الليلة الأولى، وَمنها ما حدث لرئيس الاستئناف الذي استدعوه وأعدموه بالرصاص مباشرة، وأن الإعدامات كانت عشوائية بدون أحكام قضائية، بل كانت انتقامية؛ لذلك الشعب عندما سمع بهذا ثار في عدة مناطق، لافتاً إلى أن السلال كان يقول للضباط الأحرار بالمفتوح “أنتم نثرتوها ونحن جئنا نلفلها”، وكانت كُـلّ فئة لها أهدافها وخططها الخَاصَّة المرتبطة بالخارج؛ لذلك تم استخدام الضباط الأحرار كأدَاة تنفيذية فقط.
أشرفْتُ -اللواء الناصر كما يقول- على تنظيم “الحرس الوطني”، وكان يقوم بتدريبهم لمدة أسبوع أَو أسبوعين ثم يرسلهم إلى المعارك، لافتاً إلى أن من قاد الانقلاب ليس شخصاً معيناً، بل كانوا عبارة عن فئةٍ وفريقٍ واحد، وكان محمد مطهر زيد هو من كان يقود الدبابة التي ضربت منزل دار البدر، وقد أرسل إلى الحدود في محافظة حجّـة وقتل هناك، مثله مثل محمد الوادعي الذي قتل كذلك.
وأكّـد أن الثوار الحقيقيين لم يعجبهم ما حصل بعدُ؛ لأَنَّها ليست الثورة التي كانوا يتصورونها، فالثورة قامت على كُـلّ شيء، على الدين وعلى الأخلاق وعلى الإنسانية.
السعوديّة تحكم
ولفت اللواء الناصر إلى أن تنظيم ضباط الأحرار تلاشى، وأتت المملكة العربية السعوديّة لتقود البلد عبر الملحق العسكري صالح الهُدَيَّان، وأنه وبعد أن اكتمل تنظيم ضباط الأحرار، أرسل علي عبد المغني إلى الجانب المصري للتأكّـد من دعمهم، وعرض الجانب المصري على تنظيم ضباط الأحرار التواصل مع فريق تعز ممثلاً بالتجار وبعبدالرحمن البيضاني، وطرح المصريون موضوع الاتصال بفريق تعز؛ لأَنَّه كان لديهم الإمْكَانيات المالية والعسكرية متوفرة، منوِّهًا إلى أن الهدف من إرسال الجنود المصريين هو الاستيلاء على المنطقة بالكامل؛ لأَنَّه كان توجد مشاحنات بين مصر والسعوديّة، مؤكّـداً أن مصر هي من فرضت عبدالرحمن البيضاني، وجعلته المتحدث باسم ثوار اليمن، وأنه يمثل الكل، وأن الجيش المصري أتى إلى صنعاء وأراد التقدم إلى مأرب، لكنه تحاصر في خولان بمنطقة “جِحانة”.
وبيّن أن المصريين عملوا ميزانية في صنعاء اسمها “شؤون القبائل” لاستدراج القبائل اليمنية بالمال، وأن السلال أرسل مجموعة من الضباط إلى مأرب بقيادة علي عبد المغني، لكنهم وصلوا إلى وادٍ هناك وقتلوا فيه، كما أن محمد محمود الزبيري وصل من الخارج وأهمل، فأراد أن ينشئ فكراً يمنياً مستقلاً، لكن الجمهوريين جهّزوا له كميناً فقُتل، وأن المصريين قتلوا الكثير من الضباط منهم “الرُّعَيْني” و”هادي عيسى” و”ابن هارون”.