رقمنةُ الصراع (الفلسطيني-الإسرائيلي)
المسيرة | تمارا حداد*
بعد توالي العمليات الفردية الفلسطينية غير المُنظمة ضد الاحتلال “الإسرائيلي” بات الاحتلال يُفكر باستخدام أدوات مُتطورة لإعادة ضبط الأمن داخل الضفة الغربية وإعادة الردع الأمني لدى دولة الاحتلال من خلال استخدام الطائرات المسيرة رقمياً واستثمار التكنولوجيا العسكرية لرصد الأنشطة الفردية والجماعية ومُجابهة التهديدات الأمنية على اختلاف أحجامها وأوقاتها.
رغم أن الاحتلال استخدم الطائرات المسيرة بدون طيار منذ السبعينيات إلا أن تلك الطائرات لم تكن بذات تطور اليوم؛ بسَببِ النمو التقني السريع واستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي التي أصبحت الطائرات المسيرة بتطورها الحالي تلعب وظيفة عسكرية حقيقية فهي تمكّن الجيش من سد أوجه القصور لدى جيشها، حَيثُ يمكن للمسيرات في هذا الإطار أن تقوم بمهام جيش سلاح الجو وبكُلفة منخفضة تمكّن مسؤولي الجيش من تعويض التأخر على مستوى المعدات أَو الموارد البشرية سريعاً.
يتجلى استخدام المُسيرات بدون طيار في الآونة الأخيرة، حَيثُ بات العديد من الدول المتطورة يستخدمها لتقليل التكلفة البشرية والمادية لمستخدميها وباتت تقوم بمهام الإنسان البشري بشكل أكبر ونتائج أفضل ولهذا الاستخدام عدة أسباب:
- التسارع المُستمرّ في طبيعة الصراع الحالي بين الكيان والأفراد الفلسطينيين المقاومين والذي أصبح الاحتلال لا يستطيع ردعه كونه يأتي ضمن سياق العمل الفردي السري وعنصر المُباغتة لا يستطيع الاحتلال ردعه بصورة سريعة.
- تعزيز الردع من خلال استخدام الكاميرات وشاشات المراقبة الرقمية المتواجدة على رؤوس وأذرع الطائرات المسيرة.
- ترسيخ الاستقرار الأمني في مناطق الضفة الغربية بعد تصاعد الهجمات ضد الاحتلال.
- استخدام الطائرات المسيرة لتقييم نشاط المقاومة في المنطقة من ناحية ومن ناحية أُخرى تقديم رؤية أفضل لجغرافية الأرض وديمُغرافيتها.
- إظهار إسرائيل بأنها تستخدم الطائرات المسيرة بدون طيار بعد تدشين إيران أول وحدة بحرية للطائرات المسيرة في شهر يوليو هذا العام والتي من مهامها أغراض قتالية ضمن مهام الكشف والتدمير والقتل عن بُعد.
- الطائرات المسيرة لها القدرة على تمديد مسافات الاستطلاع باستخدام الأجهزة الحديثة والأتمتة الرقمية عبر استخدام الذكاء الاصطناعي والتحكم عن بُعد.
- تحديد الأهداف لمحاصرتها قبل المُباغتة في القيام بالعمليات الفردية وردع التهديدات عبر شبكة مترابطة من المركبات المسيرة.
- الطائرات المسيرة مُجهزة تكنولوجياً لتنفيذ مهام متعددة مثل إرسال صور مُفصلة وبيانات متناهية الدقة وجلب معلومات استخبارية دقيقة.
- تستطيع الطائرات بدون طيار أن تحمل متفجرات صغيرة الحجم بتقنية “النانو” ولها قدرة تدميرية أكثر من المتفجرات التقليدية.
- لها القدرة على اغتيال قيادات عسكرية بعد جمع المعلومات عنها وقصف منصات إطلاق الصواريخ ومواقع التدريبات العسكرية.
- الاعتماد على تلك الطائرات ذات الطاقة المنخفضة لما لها قدرة الهروب من الرادارات وهذا يعني القيام بمهامها بكل سهولة.
- تمكّن جيش الاحتلال اعتماد عنصر المُباغتة بتنفيذ العمليات الاستباقية قبل العملية الهجومية.
تُعد التغييرات في الثورة الرقمية ضمن المجال العسكري ثورية غير مسبوقة ليس تطوراً من سرعة إلى سرعة أَو من جيل إلى جيل هو إعلان جديد لاستخدام تطور حديث والمتمثل “بالروبوتات العسكرية” بدل الجنس البشري لتفادي الخسائر البشرية وهذا ما يقوم به الاحتلال لاستخدامها بدل عناصر جيش الاحتلال وهذا الروبوت يعمل ضمن السياق “الذكاء الاصطناعي” وهو علم هندسة الآلات الذكية، حَيثُ أنه يقوم على إنشاء أجهزة وبرامج حاسوبية قادرة على التفكير بالطريقة نفسها التي يعمل بها الدماغ البشري وتُحاكي تصرفات البشر وَإذَا تم تدريبه على قتل الفلسطينيين فَـإنَّه سيقوم بذات جهد الجيش فهو يُحاكي الذكاء البشري عبر أنظمة الكمبيوتر ويُحاول تقليد سلوك الجيش ويتخذ ذات تفكيرهم وطريقة اتِّخاذ قراراتهم، وقادراً على جمع المعلومات واتِّخاذ قرارات عند تحليل المعلومات وتفكيك الروابط بين تلك المعلومات ومن ثم تسديد الهدف بصورة تُحاكي البشر.
أن أتمتة المجال العسكري من أخطر الحروب على الواقع الفلسطيني وبالتحديد إذَا خرج الروبوت عن مساره أَو الطائرة المسيرة عن مسارها فمهما كان التطور التكنولوجي فالتهديدات الأمنية قد تحصل نتيجة خلل تقني ما ومن أبرز تلك التهديدات:
التهديد البشري وبالتحديد الأجهزة الرقمية التي تستخدم الأنظمة القتالية مثل الدرونز التي تحمل الأسلحة والروبوتات المقاتلة المدربة على القتل البشري فالخطورة أنها أجهزة مُصممة؛ مِن أجلِ التدمير فإذا وقعت في يد الخطأ أَو اختراقها أَو قصور نتيجة الخطأ البشري من خلال التلاعب في الخوارزميات وهذا من المُحتمل أن يحدث في الواقع الفلسطيني للخلاص من الفلسطينيين بطريقة تقنية وهنا كارثية استخدام هذا التقنيات.
ناهيك عن استخدام الاحتلال وتطوراته عبر توفير شبكة الانترنت عبر الفضاء بدون محطات أرضية تتولى عملية استقبال إشارة البث الفضائي وإعادة إرسالها أرضياً وهذا له دور في تخطي سيادة الدول وتصبح دول بلا سيادة ولها القدرة على إيقاف الانترنت العادي للدول واختراق كافة الأجهزة المقصودة لصالح الاحتلال ولها دور في العمل على فقدان الدول السيطرة على قطاع الاتصالات وهذا يعني تهديد الأمن الجمعي من خلال “انترنت الأشياء”.
ناهيك عن قدرة الاحتلال على قرصنة المؤسّسات عبر الأمن السيبراني لتدمير المعلومات والاتصالات على أوسع نطاق من خلال الحرب السيبرانية وممارسة النفوذ عبر توظيف البرمجيات الخبيثة بصورة سياسية ووظيفة قتالية وتحقيق وظائف التخريب والتجسس والتدمير من خلال وحدة 8200 المسؤولة عن العمليات العسكرية في الفضاء السيبراني، فالوحدة تابعة لشعبة الاستخبارات الإسرائيلية وتشكل تحالفاً مع وكالة الأمن القومي الأمريكي وقيادة الفضاء الإلكتروني فهي تتنصت على المكالمات الهاتفية والبث الاذاعي والبريد الإلكتروني.
ختاما: سيتصاعد استخدام الطائرات بدون طيار للقيام بمهام عوضاً عن الوجود البشري، وأن مُستقبل الردع ضد العمليات الفردية مرهوناً بمدى تطوير تلك المسيرات بدون طيار ومدى القدرة على تخطي وجودها من خلال استخدام أُسلُـوب التخفي والتمويه.
* كاتبة وباحثة فلسطينية