التاريخ يعيد نفسه.. ثورة الـ14 من أُكتوبر 1963م حروب بريطانيا في اليمن
متابعات إعلامية | ترجمة:
مخطئٌ مَن يظُنُّ بأن الولاياتِ المتحدة الأمريكية هي وحدَها المسؤوليةُ عن الحروب والصراعات في العالم، فبريطانيا هي الشريكة الأَسَاسية لأمريكا في ذلك، بل ويمكننا اعتبارها المملكة التي أسست النظام الاستعماري بشكله الحديث، لا سِـيَّـما ما بعد الحروب العالمية.
واليمن من أهم وأبرز الدول، التي كانت بريطانيا تسعى دائماً إلى إيجاد قواعد لها فيه، لما يمتلكه من موقع جيوستراتيجي ذو أهميّة عالمية. لذلك هي عضو أَسَاسي في تحالف العدوان الحالي على هذا البلد، كما كانت كذلك خلال ستينيات القرن الماضي، وهذا ما يبينه هذا المقال المترجم للكاتب الصحفي المتخصص “مارك كورتي”.
النَّصُّ المترجم:
ليست حرب المملكة المتحدة الحالية في اليمن هي المرة الأولى التي تساهم فيها بريطانيا في تدمير البلاد، قبل ستين عاماً، دفع انقلاب في شمال اليمن المسؤولين في المملكة المتحدة إلى بدء حرب سرية أَدَّت أَيْـضاً إلى مقتل عشرات الآلاف – وكما هو الحال الآن، لم يُحاسب أي وزير بريطاني على الإطلاق.
الحرب الوحشية في اليمن، التي اندلعت منذ عام 2015م، هي أسوأ كارثة إنسانية في العالم. هُــدنة دقيقة منذ نيسان / أبريل قللت من بعض الرعب، لكن يبدو أن هذه الصفقة تنهار.
يجب أن يكون الوقت قد حان للتفكير بشأن من جميع أطراف النزاع، بما في ذلك في بريطانيا، قد يتم توجيه الاتّهام إليه بارتكاب جرائم حرب، وقتل ما يقرب من تسعة آلاف مدني في أكثر من 25 ألف غارة جوية سعوديّة أغلبها سهلها سلاح الجو الملكي البريطاني، وقتل عشرات الآلاف في الصراع.
زعمت الأمم المتحدة مرارًا ارتكاب جرائم حرب، لكن لم تتم محاسبة أي سعوديّ أَو بريطاني أَو يمني، ولا يحتمل أن يتم ذلك. بشكل مأساوي، التاريخ يعيد نفسه، والثمن يدفعه اليمنيون العاديون مرة أُخرى.
قبل ستين عاماً، في أيلول / سبتمبر 1962م، أطيح بملك اليمن الشمالي محمد البدر في انقلاب شعبي، كان البدر في السلطة لمدة أسبوع فقط بعد أن خلف نظام والده، وهي مملكة إقطاعية يعيش فيها 80 % من السكان كفلاحين والتي كانت تسيطر عليها الرشوة ونظام ضريبي قسري وسياسة فرق تسد.
قاد الانقلاب العقيد عبد الله السلال، وهو قومي عربي داخل الجيش اليمني، أعلن الجمهورية العربية اليمنية وأقام علاقات وثيقة مع الحكومة المصرية في عهد جمال عبد الناصر.
ناصر، الزعيم الفعلي للقوى القومية في المنطقة، كان العدوّ الرئيسي للمملكة المتحدة، حَيثُ عزز سياسة خارجية مستقلة، والذي فشلت بريطانيا في تدميره في غزوها الفاشل لقناة السويس المصرية في عام 1956م.
نزلت القوات الملكية الداعمة للبدر إلى التلال وبدأت تمردًا، سرعان ما تدعمه المملكة العربية السعوديّة، ضد النظام الجمهوري الجديد، بينما نشر ناصر القوات المصرية في شمال اليمن لدعم الحكومة الجديدة.
اختارت بريطانيا، كما في الحرب الحالية، التحالف مع السعوديّين للإطاحة بالحكومة الجديدة واستعادة النظام الموالي للغرب.
ومن المفارقات أن الملكيين اليمنيين الذين دعموهم ينتمون إلى الجماعة الدينية الشيعية الزيدية – التي يتجمع معظم أتباعها الروحيين في الوقت الحاضر حول (حركة أنصار الله)، التي تسعى بريطانيا والمملكة العربية السعوديّة الآن إلى تدميرها.
“داهية، غير جديرة بالثقة وغادرة”
الملفات التي تم رفع السرية عنها رائعة في إظهار أن المسؤولين البريطانيين كانوا على علم بأنهم يدعمون الجانب “الخطأ”.
لاحظ كريستوفر غاندي، كبير المسؤولين البريطانيين في شمال اليمن، بعد فترة وجيزة من الانقلاب، أن حكم الإمام السابق “لا يحظى بشعبيّة مع وجود عناصر كبيرة” وأن “احتكاره للسلطة” كان “مستاءً للغاية”.
تم استغلال ذلك من قبل الحكومة الجمهورية الجديدة التي سرعان ما عينت أشخاصا في مناصب من “طبقات ومناطق وطوائف كانت مهملة في السابق في توزيع السلطة”.
كتب غاندي أنه على عكس “الاستبداد التعسفي” للإمام، كان الجمهوريون “أكثر انفتاحا على الاتصال وتقديم الحجج المنطقية”.
لذلك أوصى بأن تعترف المملكة المتحدة بالحكومة اليمنية الجديدة، معتبرًا أنها مهتمة بعلاقات ودية مع بريطانيا وأن هذه هي “أفضل طريقة لمنع زيادة” النفوذ المصري.
“لقد تركنا، باختيارنا، ندعم القوى التي ليست مُجَـرّد رجعية بل خادعة وغير موثوقة وخائنة”.
ومع ذلك، تم نقض غاندي من قبل أساتذته السياسيين في لندن والمسؤولين في عدن المجاورة. كانت هذه مستعمرة بريطانية آنذاك محاطة بـ “محمية” بريطانية تعرف باسم اتّحاد جنوب الجزيرة العربية (أصبح فيما بعد اليمن الجنوبي).
كان الاتّحاد عبارة عن مجموعة من الإقطاعيات الإقطاعية التي يرأسها زعماء استبداديون على غرار البدر الذي أطيح به للتو في اليمن، وظل لطيفًا؛ بسَببِ الرشاوى البريطانية.
أشار مسؤول في مكتب رئيس الوزراء هارولد ماكميلان إلى أن ناصر كان “قادرًا على الاستيلاء على معظم القوى الديناميكية والحديثة في المنطقة بينما تُركنا، باختيارنا، لدعم القوى التي ليست رجعية فقط (وهذا لن يهم كثيرا) ولكن ماكرة، لا يمكن الاعتماد عليها، وغدّارة”.
اعترف ماكميلان نفسه بأنه “أمر مثير للاشمئزاز للعدالة السياسية والحصافة على حَــدّ سواء أننا يجب أن نظهر في كثير من الأحيان أننا ندعم الأنظمة البالية والاستبدادية وأن نعارض نمو أشكال الحكم الحديثة والأكثر ديمقراطية”.
التهديد بقُدوة حسنة
كانت القضية الكبرى بالنسبة إلى وايتهول هي الاحتفاظ بالقاعدة العسكرية للمملكة المتحدة في مدينة عدن الساحلية. كان هذا هو حجر الزاوية للسياسة العسكرية البريطانية في منطقة الخليج، حَيثُ كانت المملكة المتحدة في ذلك الوقت القوة الرئيسية، وتسيطر بشكل مباشر على مشيخات الخليج ولها مصالح نفطية ضخمة في الكويت وأماكن أُخرى.
كان يُخشى أن يكون شمال اليمن العربي القومي التقدمي الجمهوري بمثابة نموذج للمشيخات الإقطاعية في جميع أنحاء الخليج والشرق الأوسط الأوسع وكذلك في عدن نفسها.
صرح وزير الخارجية أليك دوغلاس هوم بعد فترة وجيزة من الانقلاب الجمهوري أن عدن لا يمكن أن تكون آمنة من “نظام جمهوري راسخ في اليمن”.
وخلص اجتماع وزاري بالمثل إلى أنه إذَا تم إجبار بريطانيا على الخروج من عدن فسيكون ذلك “ضربة مدمّـرة لهيبتنا وسلطتنا” في المنطقة.
حتى الاعتراف بالحكومة اليمنية الجديدة قد يؤدي إلى “انهيار معنويات حكام المحمية الموالين لبريطانيا”، مما يعرض “الموقف البريطاني بأكمله في المنطقة… للخطر”.
هذه المخاوف كانت مشتركة بين المملكة العربية السعوديّة في العصور الوسطى، والتي كانت تخشى، كما هو الحال الآن، من الإطاحة بالنظام الملكي من قبل القوى القومية، أدرك المخطّطون البريطانيون أن السعوديّين “لم يكونوا قلقين للغاية بشأن شكل الحكومة التي سيتم إنشاؤها في اليمن، بشرط ألا تكون تحت سيطرة” مصر – كما تفعل أي حكومة أُخرى.
تصاعد هذا التهديد مع قيام عبد الناصر والسلال بتقديم الدعم الدبلوماسي والمادي للقوات الجمهورية المناهضة لبريطانيا في عدن والاتّحاد وقاما بحملة عامة لحث البريطانيين على الانسحاب من ممتلكاتهم الإمبراطورية.
أشار السير كينيدي تريفاسكيس، المفوض السامي البريطاني في عدن، إلى أنه إذَا تمكّن اليمنيون من تأمين السيطرة على عدن “فَـإنَّه سيوفر لليمن لأول مرة مدينة حديثة كبيرة وميناء ذا تداعيات دولية”.
والأهم من ذلك، “من الناحية الاقتصادية، من شأنه أن يوفر أعظم المزايا لبلد فقير وغير متطور للغاية” – وهو اعتبار، رغم ذلك، لا علاقة له بالتخطيط البريطاني.
“حكومة ضعيفة في اليمن”
قرّر المسؤولون البريطانيون الانخراط في حملة سرية للترويج للقوى التي اعترفوا بأنها “خائنة” وَ”استبدادية” لتقويض تلك المعترف بها على أنها “شعبيّة” وَ”أكثر ديمقراطية”؛ مِن أجلِ ضمان عدم انتشار تهديد الأخيرة.
لقد فعلوا ذلك بشكل حاسم وهم يعلمون أن فرصة عملائهم للفوز ضئيلة. تم شن الحملة ببساطة لإثارة المتاعب للجمهوريين والمصريين، بينما كانوا يسيطرون على غالبية البلاد والمراكز السكانية.
لاحظ هارولد ماكميلان في فبراير 1963م، أن “النصر الجمهوري على المدى الطويل كان حتميًا”، قال للرئيس الأمريكي كينيدي: “إنني أدرك تماماً أن الموالين [كذا] لن يفوزوا على الأرجح في اليمن في النهاية، لكن ذلك لن يناسبنا كَثيراً إذَا كان النظام اليمني الجديد مشغولاً بشؤونهم الداخلية خلال السنوات القليلة المقبلة”.
ما أرادته بريطانيا، إذن، هو “حكومة ضعيفة في اليمن غير قادرة على إثارة المشاكل”، كما كتب.
ذكرت ملاحظة مماثلة إلى ماكميلان من أحد مسؤوليه: “يبدو أن جميع الإدارات متفقة على أن المأزق الحالي في اليمن حَيثُ يتقاتل الجمهوريون والملكيون مع بعضهم البعض، وبالتالي ليس لديهم وقت أَو طاقة متبقية لإثارة المتاعب لنا في عدن، تناسب مصالحنا بشكل جيد للغاية”.
الحملةُ السرية
من الصعب تجميع تسلسل زمني للعمل السري البريطاني في ضوء الرقابة على الملفات البريطانية. لكن المهمة ساعدها خبير MI6، تحليل ستيفن دوريل في كتابه الشامل عن MI6، الذي أنتج بشكل أَسَاسي من مصادر ومقابلات ثانوية، كان هناك كتابان بارزان آخران لكلايف جونز ودوف هارت ديفيس.
بعد وقت قصير من انقلاب سبتمبر 1962م، زار العاهل الأردني الملك حسين لندن، حَيثُ التقى وزير الطيران جوليان العامري وحث حكومة ماكميلان على عدم الاعتراف بالنظام اليمني الجديد. كلاهما اتفقا على أن أحد الأصول MI6، نيل “بيلي” ماكلين، نائب محافظ، يقوم بجولة في المنطقة وتقديم تقرير إلى رئيس الوزراء.
يشير دوريل إلى أن نائب رئيس MI6 السابق، جورج يونغ، الذي كان وقتها مصرفيًا مع كلاينوورت بنسون، اتصل به جهاز المخابرات الإسرائيلي، الموساد، للعثور على بريطاني مقبول لدى السعوديّين لشن حرب عصابات ضد الجمهوريين، ثم قدم يونغ ماكلين إلى دان هيرام، الملحق العسكري “الإسرائيلي” الذي وعد بتزويده بالأسلحة والمال والتدريب، وهو ما استوعبه السعوديّون بشغف.
في أُكتوبر، زار ماكلين المملكة العربية السعوديّة كضيف شخصي للملك سعود، الذي دعا بريطانيا إلى تقديم المساعدة للملكيين، وخَاصَّة “الدعم الجوي… إذَا كان ذلك ممكنًا بشكل علني، ولكن إذَا لم يكن ذلك ممكنًا، فسرًا”.
بحلول أوائل تشرين الثاني / نوفمبر، كانت الأسلحة والأموال السعوديّة تتدفق على الملكيين وفي نفس الشهر أصدرت وزارة الخارجية ورقة سياسية تحدّد الخيارات المفتوحة للحكومة، بما في ذلك المساعدات السرية.
في 7 كانون الثاني / يناير 1963م، دعت لجنة الخارجية والدفاع التابعة لمجلس الوزراء إلى عدم الاعتراف بالنظام الجديد في اليمن وأنه إذَا كانت بريطانيا ستقدم المساعدة للملكيين، فيجب أن تكون بعيدة وليس مباشرة.
في الشهر التالي، تعرضت مواقع في اتّحاد جنوب الجزيرة العربية لهجوم من قبل رجال القبائل اليمنيين وبدأت القوات المصرية هجومًا على الجبال التي يسيطر عليها الملكيون في اليمن، عيّن ماكميلان جوليان العامري وزيرًا له في عدن بصلاحية تنظيم الدعم البريطاني سِرًّا للملكيين، والعمل من مكتبه في وزارة الطيران.
إمدَاداتُ الأسلحة
زار ماكلين اليمن للمرة الثالثة في 1 آذار / مارس 1963م، بعد ذلك بوقت قصير زار وفد ملكي إسرائيل، وبعد ذلك قامت طائرات إسرائيلية لا تحمل أي علامات برحلات جوية من جيبوتي لإسقاط الأسلحة على المناطق الملكية.
وبحلول أوائل آذار / مارس، أكّـدت الملفات أن بريطانيا متورطة بالفعل في إمدَاد الملكيين بالسلاح، عبر شريف بن حسين، الزعيم القبلي في بيحان في الاتّحاد.
وفقًا لدوريل، تم إطلاق عدة ملايين من الجنيهات الاسترلينية من الأسلحة الخفيفة، بما في ذلك 50 ألف بندقية، سرا من قاعدة سلاح الجو الملكي البريطاني في ويلتشير، لإخفاء أصلهم، تم إنزالهم في الأردن لمواصلة النقل، بحلول نهاية الشهر، استعاد الملكيون بعض أراضيهم المفقودة.
في اجتماع عقد في أواخر نيسان / أبريل 1963م – شارك فيه رئيس MI6 ديك وايت ماكلين، مؤسّس SAS (القوات الخَاصَّة الجوية) ديفيد ستيرلنغ، ضابط SAS السابق بريان فرانكس، دوغلاس هوم وأميري – تم إخبار ستيرلنغ وفرانكس بأنه لا يمكن أن يكون هناك تدخل رسمي في SAS وطُلب منهم ذلك أوصي بشخص يمكنه تنظيم عملية مرتزِقة.
ويشير دوريل إلى أنهم تواصلوا مع جيم جونسون، وهو قائد متقاعد مؤخّراً من SAS، واللفتنانت كولونيل جون وودهاوس، قائد 22 SAS، قدم العامري ماكلين وجونسون وستيرلنغ إلى وزير الخارجية الملكي، أحمد الشامي، الذي كتب شيكًا للعملية بمبلغ 5000 جنيه إسترليني.
كانت خطة اليمن المقترحة موضوع نقاش حاد في وايتهول ولكن رئيس الوزراء تم إقناعه في النهاية بدعمها وأصدر تعليماته إلى MI6 لمساعدة الملكيين، تم تشكيل فرقة عمل MI6 التي نسقت توريد الأسلحة والأفراد، تم تنظيم ذلك من قبل جون دا سيلفا، الرئيس السابق لمحطة MI6 في البحرين.
في تشرين الأول / تشرين الأول، استقال ماكميلان ليحل محله دوغلاس هوم كرئيس للوزراء، الأمر الذي أوقف مؤقتًا الخطط منذ أن عارض وزير الخارجية الجديد، راب بتلر، دعم الملكيين سرًا.
عمليةُ الحقد
بحلول أوائل العام 1964م، شارك ضابط SAS جوني كوبر في أنشطة استخباراتية ضد القوات المصرية، حَيثُ قام فريقه بتدريب الجيش الملكي، في شباط (فبراير)، قام فريق كوبر بتسيير مناطق الإنزال التي تم فيها إنزال الأسلحة والذخيرة بالمظلات، بدعم سري من MI6 ووكالة المخابرات المركزية.
دعا وزير الدفاع بيتر ثورنيكروفت في جلسة خَاصَّة بريطانيا إلى تنظيم “ثورات قبلية” في المناطق الحدودية، يجب أن يشمل ذلك “عمل يمكن إنكاره.. لتخريب مراكز المخابرات وقتل الأفراد المتورطين في أنشطة معادية لبريطانيا”، بما في ذلك مقر المخابرات المصرية في تعز، و”أنشطة الدعاية السرية المناهضة لمصر في اليمن”.
كما دعا إلى “مزيد من المساعدة” للملكيين بما في ذلك “إما المال أَو السلاح أَو كليهما”.
بحلول نيسان / أبريل 1964م، كان البريطانيون قد سمحوا بالفعل بزرع الألغام (تسمى عملية قشر البيض)، وإصدار الأسلحة والذخيرة لرجال القبائل في المنطقة الحدودية (عملية الرِّكاب) والتخريب في المنطقة الحدودية (عملية بانغل).
وبحسب مذكرة وزارة الدفاع، فَـإنَّ أعمال “التخريب في الأراضي اليمنية ضد أهداف فردية” كانت تنفذ “تحت سيطرة ضباط بريطانيين داخل الاتّحاد”، وهؤلاء الضباط “يستطيعون توزيع السلاح والمال على أقساط حسب الوضع المحلي وبما يتناسب مع النجاحات المحقّقة”.
كانت عملية الحقد هي الكلمة السرية التي أعطيت لـ “العمليات السرية الحالية لاستغلال [كذا] القبائل المنشقة على مسافة تصل إلى 20 ميلاً داخل اليمن لتحييد العمل التخريبي المصري ضد عدن”.
استراتيجيةُ الاغتيال
ذهبت وثيقةٌ غير عادية للغاية في غاية السرية في الملفات الحكومية إلى أبعد من ذلك في النظر في الخيارات المفتوحة لبريطانيا.
وكان عنوانه “اليمن: نطاق الإجراءات الممكنة المفتوحة أمامنا” واعتبر “اغتيالاً أَو غير ذلك من الإجراءات ضد الموظفين الرئيسيين” المتورطين في التخريب في الاتّحاد، “وخَاصَّة ضباط المخابرات المصرية”.
كما حدّدت “إجراءات لتحفيز حملة حرب العصابات” في المنطقة الحدودية من خلال توفير الأسلحة والمال و”التخريب غير الانتقامي” بما في ذلك في صنعاء، المدينة الرئيسية في شمال اليمن.
واقترحت “إغماض أعيننا” عن إمدَادات الأسلحة السعوديّة للملكيين والقيام بكتيبات “سوداء” في المناطق التي يسيطر عليها الجمهوريون في اليمن وبث إذاعي “أسود” من الاتّحاد.
أثناء مناقشة هذه الخيارات على انفراد، في 14 مايو / أيار 1964م، كذب رئيس الوزراء دوغلاس هوم على البرلمان قائلاً: “سياستنا تجاه اليمن هي سياسة عدم التدخل في شؤون ذلك البلد، لذلك فليس من سياستنا تزويد الملكيين في اليمن بالسلاح”.
في نهاية تموز / يوليو، اتخذ الوزراء قرارًا لتعزيز “الإجراءات الإضافية” لدعم الملكيين، بمعنى “إعطاء كُـلّ التسهيلات اللازمة” للسعوديّين لتأمين الأسلحة من بريطانيا.
ثم التقى السفير البريطاني في المملكة العربية السعوديّة، كولين كرو، مع ولي العهد الأمير فيصل وأخبره عن استعداد المملكة المتحدة لتقديم أسلحة للسعوديّين لاستخدامها في اليمن، لكنه قال إن لندن لا يمكنها تقديم مساعدة مباشرة إلى الملكيين.
وفي ذلك الوقت، كما هو الحال الآن، كانت الحكومة البريطانية تعمل مع السعوديّين كوكلاء لهم لخوض حرب إقليمية.
دعمٌ كاملٌ
يشير دوريل إلى أن ديك وايت، رئيس MI6، فاز برئيس الوزراء الجديد دوغلاس هوم لدعم “عملية مرتزِقة سرية” وتمت الموافقة على الموافقة على الدعم الكامل للملكيين في صيف عام 1964م.
تم توظيف حوالي 48 من العسكريين السابقين كمرتزِقة في ذلك العام، بما في ذلك عشرات من رجال SAS السابقين، قدم ضباط MI6 دعمًا استخباريًا ولوجستيًا، بينما حدّد GCHQ موقع الوحدات الجمهورية.
كما نسق عملاء MI6 عبور رجال القبائل عبر الحدود من الاتّحاد إلى اليمن حَيثُ تعقبوا ضباط الجيش المصري.
“فيما اتضح أنها حرب قذرة، تلاعب ضباط MI6 برجال القبائل وساعدوا في توجيه زرع القنابل” في المواقع العسكرية المصرية على طول الحدود، بينما تم” إطلاق النار “على مدن الحامية و” قتل “الشخصيات السياسية، ملاحظات Dorril.
تمت كتابة إحدى الرسائل الواردة في ملفات الحكومة في آب / أغسطُس 1964م، من قبل مرتزِق، العقيد مايكل ويب، الذي يقول إنه تقاعد مؤخّراً من الجيش، إلى جوليان العامري، قال ويب: إنه كان يقاتل مع قوات الإمام خلال الأسابيع القليلة الماضية وكان غلافه كصحفي مستقل، “لقد أبقيت السفارة البريطانية على اطلاع كامل بتحَرّكاتي وأعطاهم جميع المعلومات التي حصلت عليها”.
في الشهر التالي، أوصت مذكرة إلى رئيس الوزراء بتوريد البازوكا والذخيرة لشريف بيحان “لاستخدامها من قبل جماعة معارضة في تعز”، أي اليمن.
في الوقت نفسه، التقى ستيرلنغ بوزير الخارجية الملكي الشامي في عدن، حَيثُ انضم إليهم ضابط من MI6 ووضعوا خططًا لإنشاء إمدَادات منتظمة من الأسلحة والذخيرة للقوات الملكية.
الحكومة وحزب العمال
في تشرين الأول / أُكتوبر 1964م، لا يبدو أن انتخاب حكومة حزب العمال برئاسة هارولد ويلسون قد أزعج بشكل ملحوظ العملية السرية، وأشَارَ دوريل إلى أن سلاح الجو الملكي البريطاني قام بتفجير سري ردا على الهجمات المصرية على قطارات الجمال التي تزود المرتزِقة الفرنسيين والبريطانيين بالسلاح.
كجزء من صفقة أسلحة مع المملكة العربية السعوديّة، وافقت بريطانيا على عقد بقيمة 26 مليون جنيه إسترليني مع شركة خَاصَّة، Airwork، لتوفير موظفين لتدريب الطيارين السعوديّين والطاقم الأرضي، كما جندت شركة Airwork طيارين سابقين في سلاح الجو الملكي كمرتزِقة للقيام بمهام تشغيلية ضد أهداف مصرية وجمهورية على طول الحدود اليمنية.
بحلول عام 1965م، كانت MI6 تستأجر طائرات مع طيارين متحفظين وحصلت على موافقة إسرائيل على استخدام أراضيها لعمليات تصعيد، واستمرت هذه العمليات حتى عام 1967م، بحسب الملفات.
تنص مذكرة وزارة الخارجية في آذار / مارس 1967م، على أن الطيارين البريطانيين قد تم تجنيدهم بواسطة Airwork ليطيروا بخمسة برق وخمسة صيادين قدمتهم بريطانيا بالفعل، وقالت: “لم نبد أي اعتراض على توظيفهم في العمليات، على الرغم من أننا أوضحنا للسعوديّين أنه لا يمكننا الإذعان علنًا لأي من هذه الترتيبات”.
بعد إعلان وقف إطلاق النار في آب / أغسطُس 1965م، عاد المرتزِقة المدعومون من بريطانيا إلى تقديم المساعدة الطبية والحفاظ على الاتصالات، بحلول أواخر عام 1966م، استؤنفت الحرب ووصل القتال إلى طريق مسدود لكن البريطانيين كانوا لا يزالون يديرون عملية مرتزِقة واسعة النطاق في اليمن.
نهايةُ الحرب
بعد هزيمة مصر على يد “إسرائيل” في حرب 1967م، قرّر ناصر سحب قواته من اليمن، وفي تشرين الثاني (نوفمبر)، اضطرت بريطانيا إلى الانسحاب من عدن، ومع ذلك، تشير ملفات من آذار / مارس 1967م، إلى “العمليات السرية الجارية في جنوب الجزيرة العربية” وإلى “عمليات Rancor II”.
لاحظت ورقة في حزيران / يونيو 1967م، أن “عمليات الحقد في اليمن كانت ناجحة للغاية في إعادة المصريين من أجزاء من الحدود وتقييدهم”.
على الرغم من الانسحاب المصري استمرت الحرب الأهلية في اليمن، في عام 1969م، قُتل اثنان من المرتزِقة من شركة خَاصَّة أُخرى، Watchguard، أثناء قيادتهما لمجموعة من العصابات الملكية في الشمال.
في آذار / مارس 1969م، قطع السعوديّون إمدَاداتهم عن الملكيين، وبعد ذلك تم توقيع معاهدة إنهاء الأعمال العدائية مع الدولة التي تولد من جديد باسم اليمن الشمالي، وكان البدر قد فر الآن إلى إنجلترا، حَيثُ مكث حتى وفاته في عام 1996م.
ولم يتم تحديد عدد الذين ماتوا في اليمن طوال الستينيات بدقة، ولكن ربما كان يصل إلى 200 ألف.
تم تعيين العقيد جيم جونسون، الذي قاد المرتزِقة البريطانيين في اليمن، فيما بعد مساعدًا للملكة إليزابيث، ثم أسس شركة مرتزِقة أُخرى، كيني ميني سيرفيسز، التي حاربت في نيكاراغوا وسريلانكا، تخضع أنشطتها في سريلانكا حَـاليًّا للتحقيق من قبل فريق جرائم الحرب التابع لشرطة العاصمة.