ثورة 14 أُكتوبر.. وسؤالُ الاستقلال .. بقلم/ عبدالرحمن مراد
تمر الذكرى الجديدة لثورة أُكتوبر 63م وهي تفرض سؤالاً وطنياً كَبيراً، وسؤالاً حضارياً وثقافيًّا بالغ الأهميّة، بعد أن تحول المفهوم عن مضمونه الثقافي والاجتماعي والحضاري ليصبح تبريراً لغازٍ جديد يلبس شعار التحرّر ويمارس غواية الاستغلال الذي كان يمارسه المستعمر القديم من خلال فرض هيمنته العسكرية والسلطوية على مقدرات اليمن ومواردها الطبيعية ومنافذها، ومن خلال جرف الحياة الطبيعية في سقطرى وزرع القواعد العسكرية، ومن خلال استغلال حالة الفوضى في إقامة مشاريع حيوية في الموانئ كما يحصل ذلك في المهرة.
من محاسن كُـلّ التموجات التي حدثت خلال السنوات الماضية أنها حاولت أن تعيد الحقيقة إلى مكانها الطبيعي، وأن تقول للناس: إن العبودية لن تكون هي الحرية التي يستلذ بوجودها الانتهازي، وقالت تفاصيل الأحداث للمستعمر الجديد: إن فرض الهيمنة على الشعوب الحرة من الصعوبة بالمكان الذي تعجز عنه الأسلحة المتطورة والحديثة، وأن وعي الشعوب لم يعد بالمستوى الذي يمكن النفاذ من خلاله فقد تجاوز مراحل السذاجة وعدم الفهم إلى مراحل متقدمة بدليل أن كُـلّ خبراء علم النفس وعلم الاجتماع وعلم الاجتماع السياسي فشلوا في تسويق فكرة التحرير التي يضمر المستعمر الجديد تحت شعارها أهدافه منها، وهذا الفشل الذي تحطم على صخرة الحرية الثورية كان نتاج الوعي الثوري الذي أحدثته الثورة اليمنية الجديدة أي ثورة 21سبتمبر التي كانت رؤية تصحيحية لمسار ثورتي: سبتمبر / وأُكتوبر ولذلك سيكون المستعمر الجديد عاجزاً عن بلوغ أهدافه.
فالمهرة التي كانت بمنأى عن الصراع السياسي وعن شعارات التحرّر لم تستسلم وها هي تثور، والحناجر التي رفعت شعار “اضرب اضرب يا سلمان” اليوم تهتف بكل جبروتها ضد التحالف الذي يقوده سلمان، فالموضوع ليس سهلاً بحيث يمكن تمرير الأجندات من خلاله، فالجماهير التي خرجت برؤية منظمة وبهدف حزبي مضمر في 2015م في تظاهرات تؤيد التحالف دون وعي وتحت شعارات تضليل مبتكرة، أدركت الحقيقة اليوم، وها هي تخرج وما تفتأ تخرج بعفوية الرافض وبدون تنظيم حزبي، تقودها ثقافة ثورية من غرس سبتمبر وأُكتوبر ولن تسكت حتى تبلغ مناها وتعيش واقعها كما تريد هي لا كما يريد المستعمر الجديد.
فكل ذكرى لحركة ثورية تمر في وجدان الناس في عموم اليمن من أقصاه إلى أدناه تبعث سؤالاً ثورياً يحشر الذين يتغنون بأمجاد المستعمر اليوم في زوايا ثورية ضيقة، والشعوب التي تثور ضد الضيم من المحال أن تقبل الضيم، قد يطول الزمن وقد يقصر لكن الثورة تظل حالة متجددة غير قابلة للمساومة.
ما يحدث اليوم في عدن وفي الجنوب المحتلّ تحت شعارات زائفة يعيد ترتيب النسق الثوري في الوجدان وقد بدأت رموزه وإشاراته تخرج للعلن في شبكة التواصل الاجتماعي؛ لأَنَّ العاجز لا يمكنه أن يصنع حدثاً تحولياً مهما تشدق وبالغ في شعاراته، كما أن الزائف والمضلل تنكشف عورته وإن تشدق بمفردات الدين وركب موجة الإسلام السياسي أَو موجة حركات التحرّر وهو يعاني من عبودية مزمنة ما تنفك تلازمه منذ تم التأسيس لها في الزمن السفياني / الأموي.
فعدن التي شهدت فترة عصية من عمرها تحت نير المستعمر لا يمكنها أن تذل له مجدّدًا حتى ولو أقبل إليها اليوم يحمل مسوح الرهبان فهي تعرف ماذا يريد؟ وماذا تريد هي؟ ولعل المستعمر سارع بالكشف عن نواياه في الجزر وفي الموانئ بما لا يدع لمرتاب مجالاً يخوض فيه جدالاً عقيماً غير صالح للاستهلاك وقد قالت التموجات الأخيرة في عدن شيئاً كَثيراً للذين يفرشون وجوههم تحت نعال الغازي الجديد.
سوف تظل ثورة أُكتوبر ثورة ملهمة لكل أحرار اليمن ضد أي غاز أَو مستعمر أجنبي، وربما تكون ثورة أُكتوبر في عامها هذا غيرها في كُـلّ الأعوام فهي ثورة ملهمة لحركة التحرّر ولن يهنأ غاز فكر في أذية اليمن أَو حاول فرض هيمنته عليه.