العمليةُ العسكرية التحذيرية للجيش اليمني.. بين التكتيك والاستراتيجية
المسيرة| عبد القوي السباعي:
أكثرُ من سبعة أشهر مرّت على بدء سريان الهُــدنة الأممية الإنسانية والعسكرية في اليمن، والتي جاءت في إطار استجابة عاجلةٍ لتهديداتٍ أمنية طرأت على أرضية الاستقرار الاقتصادي الأُورُوبي جراء الحرب الروسية – الأوكرانية، وخَاصَّةً في ظل الدفع الأمريكي والتجييش ضد روسيا ومحاولات خنقها ومحاصرتها وفرض عقوبات اقتصادية عليها؛ بهَدفِ تحقيق أهداف جيوسياسية توسعية، وإنهاك الدولة الروسية وتدميرها؛ باعتبَارها قطباً دولياً صاعداً يذهب نحو إعادة هيكلة النظام الدولي تجاه التعددية القطبية مع شركائها.
الهُــدنةُ الأممية واستغلالُها أمريكياً
بحسب إفادات صحيفة أمريكية فإنَّ البنتاغون يخطِّطُ لتوسيع وترسيخ تواجده العسكري في اليمن والمنطقة، مهمتهُ الأَسَاسية الإشراف على تقديم الدعم العسكري واللوجستي لحلفائه أولاً، ولحماية منابع النفط والتأكّـد من سلامة وصولها وتدفقها إلى أُورُوبا وأمريكا بكمياتٍ تفي بالحاجة وتغطي النقص بعد الاستغناء عن الصادرات النفطية الروسية. لهذا الغرض وعن طريق الأمم المتحدة تحاول الإدارة الأمريكية فرض إيقاف مؤقت للحرب على اليمن، ومنع حدوث أية صراعات عسكرية في المنطقة في الوقت الراهن على الأقل، وتأتي هذه الخطوة بعد إقرارها بالعمل على إطالة أمد العمليات العسكرية الروسية الاستنزافية في أوكرانيا، لا سِـيَّـما أن هذه العمليات باتت تأخذ في مضمونها طابع حرب عالمية ثالثة، لذلك أمريكا لا يمكنها أن تخاطرَ بمواجهة حربٍ محتمَلةٍ أُخرى في هذه النقطة من العالم. في المقابل تحقّق القيادةُ اليمنية وفي ظل الهُــدنة الراهنة العديدَ من الأهداف الاستراتيجية التي وضعتها القيادة السياسية والعسكرية في صنعاء، لبناء وتطوير قدراتها العسكرية، ومضاعفة إمْكَاناتها الاستراتيجية الرادعة، كما أنها أعلنت استعدادها التام لحماية محيطها الحيوي وثروات اليمن السيادية المتعرضة للنهب والسلب على مدى السنوات الماضية.
صنعاءُ من التهديد إلى التنفيذ
الملاحَظُ أن هذه الهُــدنةَ وصلت إلى طريقٍ مسدود؛ بسَببِ شعور حلفاء أمريكا بالهزيمة العسكرية والسياسية أمام صنعاء، ناهيك عن الهزائم الأخلاقية المتتالية، بعد تمسك صنعاء بالشروط الإنسانية لتمديد الهُــدنة والمتمثلة بفتح المطارات والموانئ وصرف مرتبات الموظفين من عائدات نفطهم المنهوب، والتي على إثرها أصدرت القيادة الثورية والسياسية والعسكرية في صنعاء العديد من التحذيرات للشركات الأجنبية المتورطة في عمليات النهب للثروات، ولم تغفل هذه القيادة جانب تقديم النصح للشركات الأجنبية العاملة في دول العدوان لسرعة ترتيب أوراقها ووضعها للمغادرة؛ كونها تضع استثماراتها في بيئةٍ غير آمنة. وترجمةً لتلك التهديدات التي لم تأتِ عبثية أَو من قبيل الهرطقات الإعلامية، أطلقت القوات المسلحة اليمنية عملية تحذيرية لناقلة نفط حاولت اختراق المياه الإقليمية اليمنية بالتوجّـه إلى ميناء الضبة لنهب ما يقارب مليوني برميل من النفط الخام اليمني، عصر الجمعة، 21 أُكتوبر الجاري، وبناءً على تقاريرٍ استخبارية دقيقة، ومهارةٍ فائقة في استخدام الوسائط التكنولوجية، استطاعت صنعاء فرض قواعد جديدة للاشتباك، عكست مدى قدرتها على المناورة وعلى تفوق قواتها في تحييد الأهداف المعادية في أية نقطةٍ على خارطة العمليات.
النفط مقابل الرضوخ للمطالب الشعبيّة المحقة
العمليةُ التحذيرية كما أسمتها صنعاء، وفي إطار تداعياتها على الصعيد السياسيّ والاقتصاديّ خَاصَّةً على الوضع المتأزم أَسَاساً في أُورُوبا، لخّصت فيها القوات المسلحة اليمنية على لسان ناطقها العميد يحيى سريع، بعض الخيارات التي قد تستخدمها في حالة عدم تمكّن المنظومة الأممية من ضبط إيقاع التحَرّكات البريطانية والأمريكية ومن أمامها دول تحالف العدوان المتجهة نحو التصعيد. ويتمثّل الخيارُ الأول: في تفعيل استراتيجية النفط اليمني مقابل المرتبات، والذي يزيد من مفاعيل هذه الاستراتيجية الرّد التكتيكي المناسب في حال عدم الاستجابة، وفشل الهُــدنة؛ بسَببِ تعنت وتنصل قوى العدوان من التزاماتها وشروطها، واستمرار نهب الثروات، وبالتالي فالقيام باستهداف كُـلّ السفن التي لم ترضخ لتحذيرات صنعاء في المياه الإقليمية اليمنية، وُصُـولاً إلى توسيع دوائر الاستهداف للواقعة في البحر والخليج والمحيط، وهذا الخيار من شأنه الذهاب نحو نتائج مروعة ومرعبة لقوى العدوان ورعاته الدوليين. أما الخيار الثاني: ويتمثل في نظريةٍ منطقيةٍ مفادها “المعاملة بالمثل”، وهو الخيار الذي قد يكون الأفضل والعادل بالنسبة لصنعاء، التي عانت وتعاني ليس قليلاً وطأة الحصار والخنق، وبالتالي بإمْكَان صنعاء في ظلّ طبيعة الظروف العالمية الناشئة والعمليات القائمة في البوابة الشرقية لأُورُوبا، القيام بتوجيه أقسى الضربات التأديبية الباليستية والطيران المسيّر للمنشآت والمواقع الحيوية والاقتصادية في عمق دول العدوان، لتجعل العدوّ الأصيل والوكيل يتجرّعُ بعض تلك المرارات، في الوقت الذي تعاني فيه الإدارة الأمريكيّة والبريطانية على حَــدٍّ سواء من تراجعٍ في منسوب قوتها وهيمنتها ولا سيما في خضمّ الترتيبات التي عملت على تكوينها منذُ أكثر من سبع سنوات، والتي أساءت فيها التقديرَ باشتراكها ولو بصورةٍ غير مباشرة في العدوان على اليمن.
قوةٌ جيوسياسية مضافة لصنعاء العاصمة التاريخية لليمن
لقد فشلت أكثر من محاولةٍ لجأت إليها قوى العدوان ورعاتها إلى الاستفادة من عامل الوقت بتمرير مشاريع ومخطّطات لاستهداف الداخل اليمني في مناطق سيطرة حكومة صنعاء وتفجير محيطه بالفوضى وضرب تماسك الجبهة الداخلية، من خلال زعزعة الاستقرار واستخدام أساليب الحروب غير التقليدية في هذه المعركة، لكنها عجزت عن تحقيق أدنى اختراق في مداميك بنيانها الراسخ، وجاءت العروضُ العسكرية والاحتفالات الجماهيرية، لتؤكّـد على عمق الارتباط بين ثلاثي المعادلة (الشعب، القيادة، الجيش)، والتي أفضت إلى توسيع عديد الجيش اليمني وشكّلت أهم الركائز والتطورات التي حصلت لجهة اختلاف طبيعة العمليات القتالية مستقبلاً، وُصُـولاً إلى اتساع دائرة الأسلحة المستخدمة في العمليات القادمة، إضافةً إلى جميع الأسلحة التي ستُستخدم لحماية الأراضي اليمنية. ولعل العدوَّ يدركُ أن جميعَ الخيارات مفتوحة أمام صنعاء، خَاصَّةً للأسلحة الاستراتيجية إضافةً إلى العمليات التكتيكية البرية المتمثلة بتفعيل نظرية الاجتياح الشامل،
والتي يراهن عليها القادة الميدانيين في صنعاء، في حال زيادة التصعيد من قبل قوى العدوان، والتي تتفوق فيها صنعاء بطبيعة الحال على غيرها، كما أن الواقع اليوم يفرض قوة جيوسياسية لصنعاء العاصمة التاريخية لليمن للتحكّم بالممرات المائيّة والطرق البحرية لصالحها. وعليه، فَـإنَّ معركة حاسمة تلوح بالأفق، لن يتراجع عنها أيًّ من الأطراف، وصنعاء على وجه التحديد تُدرك تماماً أن العملية القادمة والنتائج المتمخّضة عنها لا بد أن تساهم في بلورة نظام إقليمي جديد في ظل امتلاكها للعديد من الأوراق الرّابحة التي لم يتم استخدامها بعد، ولا أعتقد أن ثمة خشيةً عند الانتقال من الحرب بالوكالة من قبل الولايات المتحدة إلى المواجهة المباشرة معها؛ لأَنَّ ذلك لن يؤثرَ على قدرات صنعاء في شيء، بل قد يؤدي لتحوُّلٍ في قواعد المعركة، والتي ربما تشهد دخول قوى مناهضة لأمريكا ولقوى الهيمنة الأُورُوبية، نحو إعادة هيكلة النظام الدولي تجاه التعددية القطبية، ليكون لليمن السبق بالاشتراك فيه، وهذا ما سيتضح بشكلٍ أكبر خلال الفترة القليلة القادمة، وسط هذا التصعيد المحتّم بين مختلف الفواعل.