المجاهدُ الجريحُ أمين العرمزة يروي لصحيفة “المسيرة” رحلة جهاده في الجبهات: نبحثُ عن رضا الله لا مكاسب شخصية وانطلاقتي بدأت غيرةً وحميةً لما شاهدته من أشلاء الأطفال والنساء
جُرحت 5 مرات بإصاباتٍ مختلفةً وكلما أجرح تزدادُ معنوياتي أكثر للمواجهة
في ظل العدوان الأمريكي السعوديّ على بلادنا، برزت مواقف الأبطال الأُسطورية وسجل التاريخ في أنصع صفحاته مواقف خالدة تجسدت خلال كُـلّ مرحلة من مراحل الكفاح والنضال؛ مِن أجلِ نيل الحرية والكرامة، تلك الحرية التي كان يراد لها أن تسلب.
فلم تكن الجراح مبرّراً للقعود والتخلف عن مسيرة الجهاد ومواجهة العدوان الغاشم، وبهذا فقد صُدِم الأخير بصخرةٍ صلبة وجدها أمامه حينما حاول وضع قدمه على تراب اليمن الطاهر، حَيثُ شكل المجاهدون وعلى رأسهم الجرحى سياجاً منيعاً بأجسادهم حال دون وصول قوى الاحتلال لآمالهم التي تحولت إلى آلام وخيبة وانكسار.
وهنا نقف مع تضحيات الجرحى الذين كلما أُصيبوا في سبيل الله ازدادوا معنوية وثقة بالله حتى وإن بذل أعضائه في طريق الحق والدفاع المقدس.
بدورها صحيفة “المسيرة” زارت الجريح أمين أحمد زيد علي العرمزة أحد الأبطال المجاهدين من أبناء محافظة حجّـة، وأجرت معه هذا الحوار:
المسيرة: حاوره أيمن قائد
– بدايةً حبذا لو تحدثنا عن بداية انطلاقتك في مسيرة القرآن والجهاد في سبيل الله؟
في الحقيقة كانت أول انطلاقتي نتيجة لما شاهدته من قصف لطيران العدوان الأمريكي السعوديّ على بلادنا، وفي البداية خرجت نتيجة للغيرة والحمية التي كانت تنتابني عند مشاهدتي أشلاء الأطفال والنساء والأبرياء، فقرّرت الذهاب للقتال قبل أن يصل العدوّ إلى عقر ديارنا، فتوكلت على الله بعد أن اتّفقت مع رفاقي للالتحاق مع المجاهدين ووصلنا إلى محافظة صعدة، أخبرناهم بأن يذهبوا بنا للقتال، فقالوا لنا هل سبق وأخذتم دوراتٍ فأجبناهم بـ لا، فقالوا: تفضّلوا معنا ندخلكم دورات؛ كونكم ستصلون إلى عيارات ثقيلة وخفيفة ومختلف الأسلحة، فمن الضروري التعلُّمُ والتدريب على مختلف الأسلحة، ثم تدربنا لمدة شهرين فلم نخرج من تلك الدورة إلَّا ونحن كالصواريخ على أتم الاستعداد والرجولة، بعدها انطلقنا إلى جبهات الحدود ومن ثم توجّـهنا إلى جبهاتٍ أُخرى وكلنا تسليمٌ لله ولرسوله وللذين آمنوا التسليم المطلق، بعدها انطلقنا إلى جبهة كهبوب في باب المندب لصد زحوف العدوّ استمرينا فترة زمنية ومن ثم تحَرّكنا إلى جبهة الوازعية وكلنا معنويات وثقة بالله مطلقة، وكل هذا بفضل الله وقوته وليست من قوتنا فلله الحمد والمنة، لقد تحدينا الأعداء بكل ما يمتلكونه من طائرات حديثة ومدرعات متطورة بقوة الله تعالى: (وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى).
– كيف كانت معنوياتكم عندما وجدتم الزحوف الكبيرة سواءً في كهبوب أَو في بقية الجبهات؟
والله أن المعنويات لدينا عالية من فوق السحاب وأن العدوّ منهار مولي الأدبار؛ كونه لا يمتلك القضية ولا المبدأ، فكانت وما زالت معنوياتنا عالية بفضل الله، فقد كان يسقط بجواري شهيد أَو جريح فترتفع معنوياتنا ولا تضعف، بل كنت أتمنى لو كنت شهيداً بجواره فهذه من أفضل النعم كوننا خرجنا لنقاتل على أرضنا وعرضنا وعزتنا وكرامتنا، بدلاً من أن نسمح للعدو أن يخضعنا ويذلنا فلدينا حريتنا وكرامتنا حتى وإن تقطعنا وتحولنا إلى ذرات تبعثر في الهواء.
– الجريح أبو رعد.. هل لك أن تحدثنا عن كواليس أبرز المواقف التي تعرضت فيها للجرح؟
بفضل الله كانت أول جراحاتي في جبهة كهبوب أثناء صد زحف للعدو، أصابتني طلقة اخترقت ضلعي وخرجت من ظهري والحمد لله وكان رفاقي يقولون لي هيَّا لنذهبَ بك إلى المستشفى فقلت لهم اربطوا جراحي والحافظ الله، فربطوا جراحي وكانوا يقولون هل تشعر بكتمة أَو أي شيء آخر فقلت لهم لا، فقالوا: الحمد لله لا يوجد نزيف داخلي فكان معنا إسعافات أولية ربطنا الجرح وتوكلت على الله.
ومن ثم جاء توجيه للذهاب إلى جبهة الوازعية لكي يتم صد زحف للمنافقين فانطلقت مع المجاهدين وكانوا يقولون لي أنت جريح لا تأتي معنا، لكنني أصررت بالدخول للوازعية فاشتبكنا مع العدوّ وأصابتني طلقة أُخرى في يدي بعدها تعالجت في المستشفى وعملوا لي صفائح ومن ثم عدت مجدّدًا إلى الجبهة ولم أمكث في البيت سوى ثلاثة أَيَّـام فقط بعدها عدت إلى الميدان ومعي أدوات المجارحة لجراحاتي، فعندما أكون داخل الجبهة فَـإنَّ جراحي تلتَئِمُ بسرعة ولا أشعر بألمها؛ كوني بالقرب من الله مسبِّحاً مستغفراً وتقضي كُـلّ وقتك بالدعاء والعبادة.
ومن ثم أتى طلب للتعزيز إلى جبهة بير باشا فوصلنا هناك والمعركة تشتعل والزحوف مكثّـفة، بالرغم أن عددنا كان قليلاً جِـدًّا ولكننا بقوة الله لم نخف ولم ننهزم بالرغم من امتلاك العدوّ الطائرات والدبابات والمدرعات ومختلف الأسلحة الثقيلة والغارات الجوية كانت من كُـلّ جانب، وكانوا يضربون بجميع الأسلحة خلال الزحف ونحن نستعين بالله، وخلال ذلك الزحف جرحت الجرح الثالث متمثل بإصابتي في ساقي برصاصة، بعدها تم إسعافي إلى صنعاء للعلاج وتركيب عملية المسامير لقدمي، ثم عملت زيارة للبيت لمدة ثلاثة أَيَّـام فقط بعدها توكلت على الله إلى الجبهة والمسامير لا زالت في قدمي، توجّـهت حينها لمقدمة الجبهة لكن المجاهدين رفضوا دخولي المقدمة، حَيثُ اشتداد المواجهة مع أعداء الله رغم إصراري عليهم بذلك وإلحاحي الشديد لكنهم رفضوا رفضاً قاطعاً، فهذا الشيء أحزنني حزنًا شديدًا؛ لأَنَّ مقدمة الجبهة هي بالنسبة لي العزة والكرامة.
بعدها قمت بفك المسامير في أحد المستشفيات وعدت من جديد إلى الجبهة، حَيثُ تزامن نزولي مع طلب تعزيز إلى جبل هيلان بصرواح مأرب، توجّـهنا إلى تلك الجبهة والمعارك شرسة هناك، وكنا ثلاثة أشخاص فقط نمتلك معدل شيكي وبعون الله وقوته كنا نصد زحف المنافقين.
فكنا نلاحظ بعض المجاهدين الذين يريدون المزاورة “زيارة البيت” كان الطيران يستهدفهم، فمكثت مرابطاً في هيلان ثمانية أشهر دون انقطاع، لكن المشرف أصر عليّ حينها أن أزور الأهل فقلت له أن الشرف الكبير بالنسبة لي هو أن استشهد وأنا في مقدمة الجبهة في مواجهة مباشرة مع العدوّ ولا أريد أن استشهد وأنا في طريق العودة إلى البيت والأولاد.
– ماذا عن إصابتك الرابعة؟
بالنسبة لإصابتي الرابعة فكانت في جبهة صرواح بمأرب، حَيثُ أصبت في قدمي اليسرى، وكان لدينا إسعاف أولي هناك فقمنا بالمجارحة لكن المجاهدين أصروا أن أذهب إلى صنعاء للعلاج لكنني رفضت وأخبرتهم بأني في أَتَمِّ الصحة والعافية، فقمت بمجارحة الإصابة واستمريت في جهادي وكل هذا بفضل الله وتأييده وعونه ونصره وعنايته بنا.
بعدها ألح القائد الميداني “المشرف” عليَّ بأن أذهب لأزور أهلي؛ كوني لم أذهب لمدة ثمانية أشهر، فقلت له سأذهب لكن بشرط واحد وهو أن أمشي مترجلاً دون وسيلة نقل، فوافق، ثم قطعت المسافة من مقدمة جبهة صرواح إلى نهاية المديرية مشياً على الأقدام كون الطيران يستهدف أية وسيلة، بعدها لم أمكث في البيت سوى خمسة أَيَّـام فقط، وكانت أسرتي على مستوى عالٍ من الوعي بأهميّة الجبهة والدفاع المقدس فلم يكونوا منزعجين لمكوثي عندهم فترة قصيرة جِـدًّا وهذه كانت نعمة عظيمة من الله، فعدت من جديد إلى ميادين البطولة والقرب من الله بحثاً عن رضاه ولم نكن نسعى وراء المناصب ولا المكاسب الشخصية والدنيوية.
– ماذا عن إصابتك الخامسة؟
بعد أن عدت مجدّدًا إلى جبهة مأرب ومكثت فيها خمسة أشهر، وفي إحدى الليالي كنا في مواجهة مع العدوّ، حَيثُ كان الطيران المعادي يحلق من فوقنا بكثافة عالية، فجأة أصبتُ إصابةً بالغةً بأحد الألغام المزروعة من قبل العدوّ، حينها كانت الغارات تحيط بنا من كُـلّ جانب إضافة إلى قذائف المدفعيات والهاونات والدبابات ومختلف الأسلحة، مع كُـلّ هذا لم يحقّق العدوّ أي تقدم يذكر وبفضل الله لم يسقط منا سوى شهيدٍ واحدٍ وجريحين، فكل ضربات العدوّ المختلفة باءت بالفشل.
كلّ هذه الموازين للأحداث مع فشل العدوّ الذريع هو ناتج عن توليهم لليهود والنصارى، أما نصرُنا وتأييدُنا فهو نتيجة تولينا لله ولرسوله وللإمام علي ولأعلام الهدى من أهل البيت -عليهم السلام-.
وبالنسبة لجراحي نتيجة اللغم المزروع فقد تسبب في إحراق جسدي بالكامل مما أَدَّى ذلك إلى بتر قدمي اليسرى وهشاشة قدمي اليمنى، بالإضافة إلى إصابة كتفي الأيمن بشظية، وكنت أطلب من الله حينها أن يصطفيني شهيداً لأفوز فوزاً عظيماً، لكنني أدركت أن ربي مؤخر لي ذلك؛ مِن أجلِ أن أشارك في الفتوحات والانتصارات مع رفاقي المجاهدين والحمد لله، فلم استيقظ بعدها إلا بعد خمسة عشر يوماً.
– الجريح أبو رعد كلمة أخيرة تريد أن تقولها عبر صحيفة “المسيرة”؟
أوجِّهُ رسالتي إلى سيدي ومولاي السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، نقول له: نحن سيوفك البتارة فاضْرِبْ بنا أينما شئت، والله لن يتخلف منا رجلٌ واحدٌ.
كما أقول لإخواني المجاهدين المرابطين في الثغور بأن يصبروا ويرابطوا فنحن عائدون إليهم فور تعافينا، وأشكركم على إتاحة الفرصة لنا في هذا اللقاء والتحية لكل أبناء الشعب اليمني الصامد الصابر.