خطرُ أمريكا على الشعوب .. بقلم/ عبدالرحمن مراد
كان هدمُ النظام العام والطبيعي في المجتمعات العربية التي اجتاحتها ثوراتُ الربيع هو التمهيدَ الحقيقيَّ للوصولِ إلى الغايات والمقاصد التي رسمتها استراتيجية راند لعام 2007م -وهي مؤسّسةُ دراسات أمريكية- ومنها السيطرة على مصادر الطاقة؛ مِن أجلِ إخضاع الحكومات، والسيطرة على منافِذِ الغذاء؛ مِن أجلِ إخضاع الشعوب، وقد تحقّق ذلك في الكثير من البلدان، تحقّقت تلك الغاياتُ في العراق، وتحقّقت في اليمن، وفي ليبيا، وهي أكثرُ تحقّقاً في دول الخليج العربي التي في سبيلِ وَهْمِ الإصلاحات سعت إلى بيع أسهم الشركات النفطية، مثل شركة أرامكو بالسعوديّة التي باعت الكثيرَ من أسهمها لصالح شركات عالمية، ودولُ الخليج أكثرُ الدول العربية خُضُوعاً للبيت الأبيض كما هو شائع، وليس بخافٍ أن صراعَ الأسر المالكة في تلك الدول تفصِلُ فيه أمريكا وجهازُها الاستخباري كما حدث في موضوع محمد بن نايف ومحمد بن سلمان في السعوديّة مثلاً، وهو أمرٌ ليس ببعيدٍ عن الذاكرة، فخضوع ابن نايف لقرارِ إقالته من ولاية العهد لم يكن بالأمر الهَيِّن ولا العابر بل كان أمراً عصياً استخدمت فيه أمريكا العصا الغليظةَ لترويض المرحلةِ لما تريد، وقد حدث ما كانت ترسُمُه في مخيلتها، وتحقّق لها القدرُ الكافي من الاستقرار الاقتصادي بعد سنواتٍ من الحديث عن الأزمات الاقتصادية التي كان العالَمُ يتحدَّثُ عنها في أمريكا.
نجحت أمريكا في تنشيطِ سوق السلاح من خلال صناعة الحروب في المنطقة العربية، ووجدت في غباء ابن سلمان مساحة واسعة من السريالية السياسية؛ كي تتحَرّك فيها، فخاض حروباً مباشرة وغير مباشرة، وكان عدوانه على اليمن بمثابة القشة التي سوف تقصم ظهره في قابل الأيّام والأعوام.
ولذلك فالعربُ اليومَ أمام مفترق طرق إما الخضوع أَو صناعة واقع جديد يكون مؤثراً في السياسة الدولية، ومثل ذلك لن يتحقّقَ إلَّا من خلالِ قيادةٍ عربيةٍ تحملُ مشروعاً نهضوياً يسيرُ بخُطًى ثابتة نحو المستقبل بعددٍ من الإجراءات الإصلاحية التي تكون تعبيراً عن المستوى الحضاري الجديد الذي وصل إليه العالَمُ المتحَرِّكُ والمتجدِّدُ من حولنا.
العربُ لم يصلوا إلى هذا الشتات الذي وصلوا إليه اليوم، إلَّا بعد القضاءِ على حركات الفكر المتجدد من خلال الاجتياح، أَو الاغتيالات، أَو التغييب، أَو التهميش، أو من خلال القضاء على حركات التحرّر التي تتم بواسطةِ الحروب التي يشنها عدوُّهم ضدهم، أَو من خلال زعزعة المجتمعات بالحركات الإجرامية، ولن يستعيدوا أَلَقَهم ومجدَهم إلا من خلال عودة الاهتمام بحركة الفكرِ والتجديد والتحديث في المنظومة الثقافية، وفي مؤسّساتِ التكاثُر الثقافي، فالفكرةُ الجديدةُ هي أَسَاسُ النهضة وأَسَاسُ التأثير في السياسات الدولية.
فالإسلام لم يكُنْ إلا ثورةً حقيقيةً وعميقةً جاءت لتُحدِثَ تغييراً في البناءات النمطية سواءً منها الثقافي أَو الاجتماعي أَو الاقتصادي، وعليه أن يظل كذلك، فقد أحدث تبدلاً في قيم المجتمع وأخرجه من نمطية العهد والمعهود في الحياة إلى رحابة الفكرة، ليكسر جامداً أخذ حُكْمَ العادة والعبادة، حتى يتمكّنَ من التأسيس لحياة أكثرَ تفاعلاً مع المستويات الحضارية لعموم البشر، مع وجودِ الضابط الأخلاقي الذي كان جوهرَ الدعوة الإسلامية.
والمسلمون اليوم في مواجهةِ خطرٍ حقيقيٍّ، ولعلَّ أصغرَ هدف للغرب من تفكيك النظام العام والطبيعي للشعوب المسلمة هو عودةُ الشعوب إلى مرحلة اللا دولة؛ حتى يسهُلَ على المستعمر التحكُّمُ بمصادر الطاقة والتحكم بالسياسات ومصادر الغذاء؛ مِن أجلِ تركيعِ الشعوب لثُنائية الهيمنة والخضوع وهو أمرٌ أصبح واقعاً معاشاً في الكثيرِ من الدول العربية، ولا بُـدَّ من مقاومة هذا الأمر بكل الطرق والوسائل.