العدوُّ يصطدمُ بالواقع مجدداً: صنعاءُ تنفردُ بفرض المعادلات
العجري: الضجيجُ الغربي إزاء عملياتنا لا قيمةَ له وزمنُ الخطوط الحمراء الأمريكية قد ولّى
العزّي: تصديرُ الثروات الوطنية سيبقى مستحيلاً حتى يتم الاتّفاقُ على صرف المرتبات
المسيرة | خاص
مثّلت عمليةُ ميناء قنا التي نفّذتها القواتُ المسلحة، محطَّةً جديدةً من محطات الواقع الجديد الذي تمضي صنعاءُ في تثبيته على الأرض، وهو الواقع الذي تحاول دول العدوان الأمريكي السعوديّ الإماراتي ورعاتها في الغرب تقويضه بالضغوط والترهيب؛ كونه يمثل تهديدًا لأطماعهم ومشاريعهم الاستعمارية في اليمن والمنطقة، غير أن تلك المحاولات لم يعد لها تأثير يُذكَر بعد ثماني سنوات تمكّنت فيها صنعاء من تعزيز نقاط قوتها على أكثر من مستوى، بالتوازي مع تعطيل ما تبقى من أوراق وأسلحة العدوّ بشكل تدريجي.
العملية حقّقت نجاحاً كاملاً بكل المقاييس؛ لأَنَّها أجبرت السفينة النفطية على مغادرة ميناء قنا بدون أن تنهب برميلا واحدا من النفط الخام، والضجيج الذي افتعلته دول الغرب وسفراؤها عقب العملية لن يغيِّرَ من هذه الحقيقة شيئاً، بل إنه يكشفُ بوضوح أن معسكر العدوان يحاول فقط أن يوهم نفسَه بوجود إمْكَانية لإعادة العجلة إلى الوراء ومنع صنعاء من أن تفرض معادلة ميدانية استراتيجية بحجم “حظر تصدير النفط” كأمر واقع.
وفي هذا السياق، يؤكّـد عضو الوفد الوطني المفاوض، عبد الملك العجري، أن “البيانات الغربية تجاه عمليات القوات المسلحة فاقدة لأية قيمة سياسية”؛ لأَنَّ “الجيش اليمني أعلن خطوطَه الحُمْر” و”الزمن الذي يحدّد فيه الغرب هذه الخطوط في المنطقة والعالم قد ولّى“.
تأكيدٌ واضحٌ على أن معادلات صنعاء قد كسرت قيود نفوذ الهيمنة الغربية، وأن صنعاء ستدير معركتها مع العدوان وفقاً لحساباتها ومصالح الشعب اليمني وليس وفقاً لحسابات ومصالح الأمريكيين والفرنسيين والبريطانيين الذين يؤكّـد العجري أنهم “يحاولون الدفع نحو التصعيد واستئناف الحرب” مدفوعين بالانزعَـاج الشديد من نجاح صنعاء في فرض واقع جديد يقوض نفوذهم في المنطقة.
ويضيفُ العجري معزِّزًا هذا التأكيد أن: “أمريكا لم يعد لها الكلمة الفصل في المنطقة، وبالنسبة لليمن فَـإنَّ النفط خط أحمر حتى يتم حَـلّ مسألة المرتبات” مُشيراً إلى أن “القوات المسلحة قد حذرت السفن من الاقتراب من الموانئ المحتلّة حتى يتم الاتّفاق”.
هذا يعني أن الضجيج الغربي مهما بلغت درجته، لن يكون له تأثير على موقف صنعاء التفاوضي وعلى معادلاتها الميدانية؛ لأَنَّ الأمر مرهون باستحقاقات لا تخضع للمساومة، ولا بد من تحصيلها سواء بالقوة أَو بالسلام.
وبالتالي فَـإنَّ حديث الغرب عن “القانون الدولي وسلامة الممرات البحرية” لن يقدم أَو يؤخر شيئاً، وبحسب العجري فَـإنَّها مُجَـرّد “معزوفة” يتذكرها الغربيون فقط كلما سارت الأمور في اتّجاه يعارض مصالحهم، وهي لن تلغيَ الحقائقَ السابقة مثل استمرارِهم بفرض الحصار الإجرامي على اليمن ومنع دخول المواد الصحية والطبية إلى الشعب اليمني.
وحتى شعاراتُ “دعم الجهود الأممية” التي تغلِّفُ بها القوى الغربية مواقفَها، لم تعد لها قيمة، إذ يؤكّـد العجري أن “الأمم المتحدة قد فقدت التأثير الحقيقي في تحقيق السلام وأصبحت جزءاً من أدوات إدارة الصراع“، ما يعني أن هذه “الجهود” المزعومة لن تكون مرجعية ملزمة وسيفًا مُسْلَطًا على رقبة صنعاء فقط؛ لأَنَّ الغرب قال ذلك، إذ لا يزالُ المعيارُ لدى الجانب الوطني هو تلبيةَ المطالب الإنسانية وتحصيل الحقوق القانونية للشعب اليمني.
إن المواقفَ الغربية تبدو متمحورة بشكل أَسَاسي حول الخوف من أن تصبح صنعاء لاعبًا فاعلًا يفرض المعادلات والمعطيات وفقًا لمصلحة الشعب ولا يمتثِلُ للنفوذ الدولي والتصورات الغربية؛ لأَنَّ الإدارةَ الدولية للعدوان تسعى من خلال فرض حالة “اللا حرب واللا سلام” إلى إبقاء المِلف اليمني معلَّقًا وخاضعًا بالكامل إلى إرادتها بالشكل الذي يقيّد خيارات صنعاء تماماً، ونجاح الأخيرة في فرض معادلة حظر تصدير النفط يفرغ الخدعة الغربية من محتواها ويجعلُ زمامَ الأمور بيد صنعاء.
وفي هذا السياق أَيْـضاً، يوضح نائب وزير الخارجية بحكومة الإنقاذ، حسين العزي، أنه لا توجد أية صعوبات في معالجة ملف إيرادات النفط والغاز، وأن المشكلة كلها هي أن “سفراء الغرب يظنون ثروات اليمن إرثًا خاصًّا بالمرتزِق العليمي وبقية الفاسدين”.
ويؤكّـد العزي أن “الحَلَّ سهلٌ جِـدًّا، وهو توريدُ مبيعات النفط والغاز لحساب كُـلّ محافظة طبقًا لنسبتها من موازنة عام 2014، وتنتهي المشكلة”، لكن إلى أن يحدُثَ ذلك “سيبقى تصدير الثروات النفطية والغازية مستحيلًا”.
بعبارة أُخرى: إن معادلةَ حماية الثروات ومنع نهب الإيرادات لم تكن لتصبح “مشكلة” لو لم تكن قوى الغرب تعتبرُ السيطرة على الموارد السيادية للجمهورية اليمنية حقًّا خاصًّا بها تتصرف به وفق مصالحها وتستخدمُه كسلاح حرب وأدَاة نفوذ، وهو ما يعني أن مسارَ التهدئة لم يتعثر في الحقيقة؛ بسَببِ الخلاف على تفاصيل صرف المرتبات، بل بسَببِ رفض رعاة العدوان لفكرة تمكين الشعب اليمني من موارده وتخفيف معاناته؛ لأَنَّ معالجة المِلف الإنساني في حسابات الغرب تمثل “خسارةً” لورقة التجويع والحرب الاقتصادية.
هذا أَيْـضاً ما تؤكّـدُه حقيقةُ وصول صنعاء والرياض إلى تفاهمات جيدة خلال المفاوضات الأخيرة -بحسب الرئيس المشّاط- قبل أن يتدخل المبعوثُ الأمريكي ويفشل تلك التفاهمات.
وبالتالي، فَـإنَّ فرضَ معادلة حماية الثروات كرد على التعنت بخصوص استحقاقات الرواتب ودفع الحصار، يعبر عن دقة نظرة وقراءة صنعاء لموقف أعدائها، إذ أصبح واضحًا أن الرعاة الدوليين للعدوان كانوا يعلّقون الكثير من الآمال على تقييد حركة صنعاء وخياراتها من خلال الهُــدنة وفرض مصالحهم وتصوراتهم كثوابتَ ومرجعيات ملزمة على طاولة التفاوض، لكن حظر تصدير النفط أعاد ضبطَ المشهد وفقًا لميزان الواقع الذي تنفردُ فيه صنعاء بامتيَاز اتِّخاذ الخيارات الفاعلة والمؤثرة على الأرض.
لقد حاولت قوى العدوان ورعاتُها أن من خلال مسار التهدئة جذب صنعاء إلى مساحة “وهمية” صمّمها الأمريكيون بعناية لتمنحَهم فرصةَ الضغط على صنعاءَ والتحكم بخياراتها وابتزازها، لكنهم وجدوا أنفسَهم في نهاية الأمر أمام الواقعِ الأصلي الذي حاولوا الهروبَ منه، وقد أصبح هذا الواقع أكثر تعقيداً مما كان عليه بالنسبة إليهم؛ لأَنَّ خياراتِ صنعاء قد أصبح أكثرَ تنوعًا ولم تعد العملياتُ العسكرية الكبرى العابرة للحدود هي الورقة الوحيدة بيد القوات المسلحة والدولة في صنعاء.
ووفقاً لذلك، فَـإنَّ الرهانَ على مواصلة الضغوط أَو كسب الوقت، لن يؤديَ إلى نتائجَ مختلفة؛ لأَنَّ تحالُفَ العدوان ورعاته قد يجدون أنفسَهم فجأةً أمام خيارات ومعادلات أُخرى على غرار معادلة حماية الثروات وربما أوسع وأكثر تأثيراً، وهو ما حذّرت منه صنعاءُ بشكل صريح خلال الأيّام القليلة الماضية.