إلى أجداث مقبرة جماعية تنتهي هجرةُ المئات بين قارتين
المسيرة| يحيى الشامي:
في رحلةِ بحثِهم عن الرزق، يلاقي الأثيوبيون المهاجرون أصنافَ العناء.. ومع وصولهم إلى حدود المملكة السعوديّة تنتهي الرحلة غالبًا بالموت خارج قواعد القانون الدولي، على يد حرس الحدود السعوديّ.. المسيرة تفتح الملف المسكوت عنه وتعرض مشاهد صادمة لمذابح الأفارقة.
كل الحديث كاد يكون مبالغة أَو من قبيل المكايدة لكن المشاهد وهي توثق مصير الأفارقة عند الحدود اليمن والسعوديّة تجعل من الحديث مُجَـرّد محاولة وصف لفظائع يرتكبها يوميًّا حرسُ الحدود السعوديّ بحق الإنسانية.
على نحوٍ مأساوي تجري القصة منذ بدايتها وفق ما يرسمه تجار البشر وتنتهي وفق توجيهات عليا “حاسمة” يتلقّاها حرس الحدود السعوديّ تقضي بمنع المهاجرين من دخول الأراضي السعوديّة بقوة النار لا بقواعد التوقيف والإعادة.
الهاربون من الجوع في بلدانهم يعبرون اليمنَ البلدَ المحاصرَ، وفي الحدود يصطاد الحرسُ السعوديّ العشراتِ منهم أسبوعياً.
في واحدة من المشاهد الموثقة بالقرب من الحدود داخل أحد الأودية اليمنية، يقيم الأفارقة حفلَ عزاءٍ لا يُفهم منه إلا البكاء، يقيمُونه على عشرات الجثامين التي تعود لرفاقهم ممن دخلوا الحدود دون علم بما سيلاقونه، هذه الجثث -وفق شهادات الأفارقة- تعود لأحدث مجزرة ارتكبها حرس الحدود السعوديّ بحق المهاجرين الأفارقة وهي فقط بعض ما تسنّى انتشاله من المجزرة التي يبلغ ضحايا زهاء 30 بينهم 8 يمنيين، ويروي الناجي الإثيوبي الوحيد تفاصيل ما جرى بعد ترجمة كلامه، يقول: “في المساء جمع العسكر السعوديّون عدداً من المهاجرين بعد بضع كيلومترات من اجتيازهم الحدود صوب الأراضي السعوديّة وجرى تجميعنا داخل غرفة صغيرة ملحقة بثكنة عسكرية قد تكون مخصصة لدورة المياه ولا تزيد مساحتها عن متر مربع شديدة الحرارة”.
الصادم في حديث الإثيوبي هو قيام الجنود السعوديّون باستخدام طريقة فظيعة ليس للتعذيب بل للقتل الفوري، حَيثُ يتحدث عن إفراغ كمية من المياه على قاع الحجرة الصغيرة، وهو ما ظنوّه خطوة عطوفة من الجند السعوديّ بغرض تبريد الجو، لكن المفاجئ أن الجميع بعد دقائق دخلوا في موتٍ جماعي في لحظة واحدة، وعند سؤاله عن سبب نجاته يقول الأفريقي إنه كان في طرف الحجرة بعيدًا عن الماء ما جعله معزولاً عن الكهرباء الصاعقة عبر الماء، يضيف مهاجر آخر من دفعة ثانية بالقول إنه يعرف الحجرة ولا يستبعد أن سلك الكهرباء المستخدم يعود لجهاز مكيف كهربائي جرى فصله وَوضعه في الماء الذي رُش على الحجرة من تحت المهاجرين المتكدسين في الداخل.
على هذا لنحو المستخف بكرامة الإنسان وحياته يُنهي الحرس السعوديّ حياة المئات من المهاجرين الأفارقة ممن تنتهي رحلتهم بموتٍ لا يحظى بعزاء، وجثث لا تلقى دفناً يليق بها، يقول أحدهم وهو مقيم في الجانب اليمني منذ أشهر إنهم يدفنون العديد يوميًّا.. وهو ما تؤكّـده مشاهد المقبرة الجماعية التي جرى مؤخّراً دفن العشرات من الضحايا الأفارقة فيها.
لا تنتهي فاجعة المهاجرين عند هذه الفظائع المسكوت عنها، مشاهد ليلية أُخرى تعرضُ لحظات ما قبل واحدة من مجازر حرس الحدود السعوديّ بحق مجموعة من المهاجرين الأفارقة، وهي الصور الأخيرة للمهاجرين بعد اجتيازهم رحلة بين قارتين.
لم يغب عن المشهد سوى سكين داعش وقد ناب عنها بنادق حرس الحدود السعوديّ الذين يظهر عدد من ضباطهم يشرفون على العملية الليلية بعيدًا عن ضوابط العرف الإنساني وقواعد القوانين الدولية في معاملة المهاجرين بل وحتى خارج تغطية القيم الإنسانية، فالمهاجر يقتل ولا يعاد والقاتل لا يكتفي باستخدام الرصاص وحسب بل وحتى الهاونات وفقَ شهاداتِ الأفارقة، أما المغلقة في وجوههم الحدود فقد فتحت لهم المقابر.
كثيرة هي أخبار القتل والموت القادمة من حدود المملكة، ونادرةٌ هي صور وَمشاهد الضحايا.