المشهدُ الداخلي “الإسرائيلي”.. من الاستعصاء إلى الاستقطاب..بقلم/ وسام أبو شمالة*
المشهد السياسي الداخلي في مجتمع العدوّ لا يعكس نهاية أزمته السياسية الاجتماعية، رغم تمكّن كتلة اليمين بزعامة نتنياهو من حسم المعركة الانتخابية لمصلحته، وقدرته على تأليف حكومة يمينية ضيقة بزعامته.
على الرغم من تمكّن كتلة اليمين بزعامة بيبي نتنياهو من حسم المعركة الانتخابية لمصلحته، وقدرته على تأليف حكومة يمينية ضيقة بزعامته، يسعى لتكون أكثر الحكومات استقراراً منذ أربع سنوات، لتنهي الانتخابات الخامسة في غضون ثلاث سنوات ونصف حال الاستعصاء والفراغ السياسي الإسرائيلي، إلا أن المشهد السياسي الداخلي في مجتمع العدوّ، لا يعكس نهاية أزمته السياسية الاجتماعية، بل ربما العكس هو الصحيح، إذ إن حال الاستقطاب الداخلي أكبر وأعمق، فهي لن تنتهي بمُجَـرّد فوز كتلة اليمين الذي سيزيد الشرخ الداخلي، ما يشكل تحدياً داخلياً، بات يؤرق أغلب القيادات والنخب الإسرائيلية.
تتشكل مكونات كتلة نتنياهو من تحالف حزب الليكود مع الأحزاب الدينية المتشدّدة والصهيونية الدينية، وغابت عن التحالف شخصيات مصنفة (يمين وسط)، ومن المفارقات أن يصنّف نتنياهو إلى جانب آريه درعي رئيس حزب شاس، في يسار الائتلاف الذي سيشكل حكومة العدوّ المرتقبة!
ستشهد عملية تأليف حكومة العدوّ صراعاً على الوزارات المهمة، سواء داخل حزب الليكود، أَو بين الأخير وباقي أحزاب الائتلاف اليميني، وسيحرص نتنياهو على إسناد الحقائب الوزارية السيادية كالدفاع والخارجية والمالية إلى شخصيات من حزبه “الليكود”، وسيتغلب على مطلب بتسلئيل سموتريتش تولي وزارة الدفاع، وفي حال أسندت إليه سيقلص صلاحياتها، كما سيسند وزارة الأمن الداخلي إلى بن غفير بصلاحيات محدّدة كذلك، وسيبذل نتنياهو قصارى جهده لتأليف الحكومة في أسرع وقت ممكن، حتى يجري تنصيبها في يوم أداء كنيسيت العدوّ القسم في 15 تشرين الأول/نوفمبر الجاري، ولكن يبدو أن المفاوضات الائتلافية ستؤخر إعلان تأليف الحكومة إلى ما بعد يوم التنصيب.
في المقابل، تفتقر كتلة أحزاب المعارضة إلى الانسجام، بعد حال الحنق داخلها على يائير لبيد رئيس مجلس وزراء العدوّ الحالي؛ بسَببِ فشله في توحيد صفوفها قبل الانتخابات، ونظراً إلى التنافر الأيديولوجي والسياسي بين مكوناتها.
إنّ عمق الأزمة السياسية والاجتماعية داخل مجتمع العدوّ سيتجلى على نحو أكثر وضوحاً بعد فوز الائتلاف اليميني بزعامة نتنياهو، فالسياسات المتوقعة التي ستتبناها حكومته المقبلة، ستفضي إلى تفاقم مظاهر الاستقطاب السياسي والاجتماعي، ومن بين تلك السياسات، اعتزام سن قانون سيقوض صلاحيات المحكمة العليا، ويعرف بقانون التغلب على المحكمة العليا، وتغيير آلية تعيين القضاة في تلك المحاكم، وإقالة المستشارة القضائية للحكومة الحالية، التي يتهمها أقطاب اليمين بأنها ذات توجّـهات يسارية، وجرى تعيينها من قبل حكومة لبيد.
يعتزم الائتلاف اليميني تغيير شكل السلك القضائي وإحلال قضاة أصحاب توجّـهات يمينية خالصة، وتشريع قوانين ستلغي لوائح الاتّهام ضد نتنياهو، ما يؤكّـد أن الائتلاف اليميني سيسعى لحملة منهجية للقضاء على نفوذ اليسار في المؤسّسة القضائية، ما يؤدي إلى زيادة حدة الاستقطاب والتنافر داخل مجتمع العدوّ حول منظومة القضاء والقانون، وهو ما يؤدي إلى تراجع حاد في ثقة مجتمع العدوّ في مؤسّساته.
إن إقدام حكومة نتنياهو على سن قوانين لتقليص صلاحيات السلطة القضائية، قد يفضي إلى استقالات عدد من القضاة وخروج احتجاجات شعبيّة حاشدة، ما يزيد من مخاطر تحول الاحتجاجات إلى تصادمات في الشارع الصهيوني بين المؤيدين لسياسات حكومة اليمين والمعارضين لها.
أثارت عودة اليمين إلى الحكم مخاوف جمهور اليسار ويسار الوسط داخل مجتمع العدوّ، وقد أشار استطلاع معهد البحوث التابع لكنيست العدوّ أجري في شهر تشرين الأول/أُكتوبر المنصرم، أن نسبة التفاؤل بمستقبل الديمقراطية داخل الكيان، تنخفض لتصل إلى 18 % من جمهور اليسار، و36 % لدى معسكر الوسط، وفي المجمل أعرب ما يقارب 73 % من مجموع المستطلعين عن ضعف ثقتهم بمستقبل الديمقراطية، ما يشير أن النتائج ستتعزز أكثر بعد فوز الائتلاف اليميني.
ومن اللافت، أنه بعد إعلان نتائج انتخابات العدوّ، وبحسب معطيات محرك البحث google تصدرت خيارات البحث عن استصدار تأشيرات الإقامة والهجرة إلى دول أُورُوبا وكندا، واحتلت المرتبة الأولى في الكيان، وهو ما يدلل على إقبال شريحة واسعة من اليهود على الهجرة العكسية؛ بسَببِ تولي اليمين الحكم.
وتجدر الإشارة كذلك، إلى أن غالبية الشرائح التي تفكر في الهجرة من داخل مجتمع العدوّ، هي أكثر الشرائح إنتاجية في الكيان، فضلاً عن الطبقات المتعلمة وأرباب الاقتصاد والتكنولوجيا.
من معالم حال الاستقطاب الداخلي لمجتمع العدوّ، تغليب الأهواء والمصالح الشخصية لقادته على حساب الأبعاد الأيديولوجية و”القومية” لا سِـيَّـما بعد أن تجلت شخصية بنيامين نتنياهو كعنوان وبوصلة تحدّد مسار الأحزاب والتحالفات الداخلية، فقد انقسمت الخريطة السياسية للعدو في السنوات الأخيرة بين معسكري نتنياهو وخصومه، الذين تجمعوا فقط كتيار مناوئ لشخص نتنياهو، المتهم الأول في نظرهم، بالسعي لتقويض أسس الكيان؛ مِن أجلِ مآربه الشخصية.
إضافة إلى الأزمات السياسية والحزبية والأيديولوجية والاجتماعية والشخصية، التي ستتفاقم مع تولي الائتلاف اليميني الحكم، يعاني العدوّ أزمات متراكمة في الجهاز التعليمي والصحي، وارتفاعاً في الأسعار وغلاءً في المعيشة، خُصُوصاً ارتفاع أجور السكن وأسعار الشقق، وهو ما دفع وسيدفع مزيداً من فئة الشباب إلى الهجرة، علماً أنهم يشكلون العمود الفقري للنشاطات الاقتصادية، كما تشكل
زيادة نسبة المتدينين “الحريديم” التي تصل إلى 13 %، عبئاً اقتصاديًّا، فهم يحصلون على مخصصات من الحكومة، وستعمد حكومة نتنياهو إلى زيادة مخصصاتهم، وكل ذلك يترافق وزيادة في الشعور بفقدان الأمن الشخصي في ظل ارتفاع معدلات الجريمة، وضعف جهاز الشرطة، وغيرها من الأزمات المرشحة للتفاقم؛ بسَببِ حال الاستقطاب التي شملت كُـلّ مكونات مجتمع العدوّ، وقد أشار استطلاع للرأي العام نشر بعد إعلان نتائج الانتخابات أن ما يقارب نصف اليهود داخل الكيان يرغب في الهجرة منه.
تؤكّـد أغلب المؤشرات أن بيئة العدوّ الداخلية مرشحة لمزيد من الاحتقان، وأن التهديد الداخلي الذي حذّر منه عدد من قادة العدوّ ورموزه ومفكريه، بات مرئياً وواقعاً، وهو لم تنشئه حال الفراغ السياسي في السنوات الأربع الأخيرة، بل كشفته وأزاحت الغطاء عنه.
* كاتب ومحلل سياسي فلسطيني