التوسُّعُ في زراعة القمح بالجوف خطوةٌ هامةٌ نحو الاكتفاء الذاتي .. بقلم/ عمار محمد شملان
كم نشعُرُ باعتزاز وسعادة بالغة ونحن نشاهد صدق التوجّـه والتضافر بين القيادة ومجتمع المزارعين نحو الاهتمام بالزراعة بمحافظة الجوف فمنذُ بداية الموسم الزراعي الشتوي للقمح إلى هذه الأيّام هناك توجّـه كبير وغير مسبوق من قبل المزارعين للتوسع في زراعة القمح وهذا ما لاحظناه خلال تواجدنا معهم في ميدان الجبهة الزراعية، إضافةً إلى أن كَثيراً من المزارعين لم يكتفوا بزراعة أراضيهم الجاهزة التي يزرعونها كُـلّ موسم بل سعوا إلى استصلاح أراضٍ زراعية جديدة وزراعتها قمحاً؛ بهَدفِ تأمين احتياجهم من الغذاء، ورغبتهم بتحسين مستواهم المعيشي من خلال الاعتماد على الحبوب وخُصُوصاً القمح كمصدر رئيسي للدخل، وهي خطوة هامة في إطار التوجه الصحيح نحو الاكتفاء الذاتي من الحبوب، وهذا إن دل على شيء فَـإِنَّما يدل على مستوى الوعي المجتمعي فحينما يصل الوعي لدى المواطنين إلى المستوى الذي يجعلهم يدركون أهميّة دورهم في تحقيق النهضة الزراعية كواجبٍ وطني؛ باعتبَار أن المصلحة الخَاصَّة جزء من المصلحة العامة وأن تحقيق المنفعة الفردية يجب أن تكون مصحوبة بتحقيق المنفعة الجماعية.
فعلى سبيل المثال التركيز على زراعة القمح يتحقّق من خلاله مصلحة خَاصَّة ومصلحة عامة وطنية بمعني أن المزارع يحقّق الاكتفاء الذاتي له ولأسرته ويحصل على مصدر دخل من فائض منتوجه وهذا هو الهدف الأول تحقيق مصلحته الخَاصَّة، والهدف الثاني هو أنه كلما ارتفع إنتاج القمح المحلي كلما انخفضت كمية الاستيراد من الخارج وهنا يكون المزارع قد ساهم في تحقيق المصلحة العامة، فنشد على أيدي المزارعين في الجوف للاستمرار في العطاء والإنتاج وحشد كُـلّ الإمْكَانيات المتاحة وتكاتف الدولة ومجتمع المزارعين وجعل محافظة الجوف محافظة زراعية بامتيَاز، فالمزارعين بالجوف يتجهون للزراعة والتوسع الزراعي مسخرين في سبيل ذلك كُـلّ إمْكَانياتهم وقدراتهم ويسعون لاستغلال أراضيهم وزراعة أهم المحاصيل الأَسَاسية والذي يأتي في مقدمتها القمح والحمد لله كما ذكرنا، هناك مساحات شاسعة تم زراعتها هذا الموسم، وهذه تعطي مؤشرات قوية تبعث الأمل في النفوس وشجعت الجميع للتوجّـه للزراعة بالمحافظة، وكما أشرنا إلى أهميّة الوعي المجتمعي وَبناء الإنسان وتهيئة الأرض واستغلال الموارد الاستغلال الأمثل وهي القاعدة الصلبة والمتينة التي نستطيع من خلالها الوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي والذي يعتبر تحقيقه حلماً لكل اليمنين، وهدفاً استراتيجيًا وضعته القيادة الثورية والسياسية في مقدمة الأولويات، ومحافظة الجوف هي من ستحقّق ذلك الهدف ويحول الحلم إلى واقع؛ كونها محافظة زراعية بامتيَاز تمتد على مساحات واسعة خصبة وغنية بمواردها الطبيعية ومخزونها المائي الوفير، وأوديتها التي تعتبر من أهم الأودية في اليمن حَيثُ تمتد على طول المحافظة ومنها وادي مذاب الذي تتجمع فيه السيول من محافظة صعدة ويصب عبر مديريات الجوف الأسفل إلى أن يصل الصحراء شرق الجوف، وكذلك وادي الخارد وتتجمع فيه السيول الآتية من صنعاء وأجزاء من عمران ويمر عبر الجوف حتى الصحراء، كذلك تشتهر المحافظة قديمًا بالعديد من الأنهار الجارية ومنها نهر الخارد والذي لا زال إلى يومنا هذا، حَيثُ كان قد انقطع أَو خف تدفق هذا النهر لسنوات ولكنه بدأ يتعافى ويزيد بعد أمطار وسيول الموسم الماضي الذي منّ الله بها على محافظة الجوف واليمن كلها.
فعندما نتحدث عن الاكتفاء الذاتي والزراعة في اليمن تجد محافظة الجوف تتصدر المشهد والجميع يعول عليها، الكثير والكثير خُصُوصاً في الجانب الزراعي فهي سلة اليمن الغذائية خُصُوصاً للحبوب، وقد عاش الإنسان اليمني القديم فيها معتمدًا على الزراعة وجعل من ذلك مصدر قوته واقتصاده فبنى بها أعظم الدول، وشيد ممالك عظمى ما زالت معالمها قائمة منذ آلاف السنين حتى اليوم، وكأن تلك المعالم ظلت شامخة لتخبرنا بأن من يهتم بأرضه هو من يسود العالم ويصنع تاريخاً مجيِّدًا، ومحافظة الجوف طوال الفترات الماضية رغم مواردها وخيراتها المتاحة إلا أنها عانت من الحرمان والتهميش والحروب والثارات والفرقة طوال حقبة زمنية مؤلمة ما زالت آثارها وجروحها لم تنته للآن لذلك جميعنا اليوم معني للملمة تلك الجراح وتوحيد الجهود لما فيه الخير والصلاح لنا ولمحافظتنا ووطنا بشكلٍ عام، فقد وهبنا الله بلاداً طيبة لو تم استغلالها بشكلٍ صحيح لعمت خيراتها اليمن كله، وقد آن الأوان لتحقيق ذلك في ظل القيادة الحكيمة لقائد المسيرة القرآنية السيد العلم عبدالملك بدر الدين الحوثي، والذي يولي الجوف اهتماماً كبيراً ويوصي الحكومة دائماً بالاهتمام بها لا سِـيَّـما في المجال الزراعي ودعم المزارعين، وكذلك توجيهات فخامة الرئيس مهدي المشاط، للحكومة واللجنة الزراعية والسمكية العليا للتوسع في الزراعة وزراعة الحبوب وخُصُوصاً القمح وتقديم في سبيل ذلك ما يمكن تقديمه من إمْكَانيات متاحة بما يتناسب مع ظروف المرحلة، وهذا ما بدأ يلمسه الجميع بالميدان الزراعي بالجوف فالاهتمام بالمواطن وتعزيز العمل التعاوني المشترك بين الدولة والمجتمع يولد الثقة والشعور بالرضا لدى المجتمع فيندفع للمساهمة في البناء والتنمية من خلال العمل الجماعي، والمساهمة في الأعمال التطوعية والمبادرات المجتمعية، وهو ما نسعى إلى تحقيقه في محافظة الجوف وفق خطط وبرامج منتظمة وبشكلٍ مُستمرّ وفي إطار الرؤية الوطنية لبناء الدولة المدنية الحديثة.
وبالعودة إلى موضوعنا الرئيسي، واستجابةً لموجهات السيد قائد الثورة، وبالتنسيق مع اللجنة الزراعية والسمكية العليا والجهات المعنية بوزارة الزراعة والمؤسّسة العامة لتنمية وإنتاج الحبوب ومكتب الزراعة والري بالمحافظة فقد قامت وحدة تمويل المشاريع والمبادرات الزراعية بمحافظة الجوف بتوفير أكثر من (12) ألف كيس من بذور القمح والعدد في تزايد وسيستمر حتى نهاية موعد البذر للقمح وقد وزعت للمزارعين في جميع مديريات المحافظة كقروضٍ بيضاء يتم إرجاعها بعد الحصاد بالإضافة إلى تقديم بعض التسهيلات لمزارعي القمح ضمن وحدة الديزل ووحدة الحراثة المجتمعية التابعة للجنة الزراعية والسمكية العليا، وللعلم أن ما تم توزيعه من بذور القمح هو لبعض المزارعين الذين لم يستطيعوا توفير البذور والذين قاموا بالتوسع في زراعة القمح هذا الموسم، يضاف لذلك أن هناك مساحات كبيرة زرعت خارج إطار هذا المشروع سواء كانت ملكية للمزارعين ضمن الزراعة التكافلية لتوفير البذور بين المزارعين أنفسهم أَو المزارع الأُخرى النموذجية الخَاصَّة لبعض القطاعات، وسيكون لجميع المساحات التي زرعت بالقمح بشكلٍ عام هذا الموسم عناية واهتمام كبير وستستمر الجهات المعنية بالميدان مع المزارعين في جميع المراحل للمتابعة والتوعية والإرشاد وتوفير كُـلّ ما يتطلب حسب المتاح والاستعداد لمكافحة الآفات والأمراض ضمن الوحدة المجتمعية لمكافحة الآفات ومتابعة كُـلّ العمليات الزراعية ومراحل نمو محصول القمح من الزراعة حتى عملية الحصاد والتسويق، وبالأخير نسأل من الله تعالى أن يبارك هذا التوجّـه وينصرنا في جبهتنا الزراعية والاقتصادية سعيًا لتحقيق الاكتفاء الذاتي بإذن الله تعالى.