مَن هم الشهداء؟! بقلم/ يحيى المحطوري
بقلوبٍ يعتصرُها ألَمُ فقدانِ الأحبة والشوق إلى لقائهم، ونفوسٍ يثِّبتها اليقينُ بما وعد اللهُ الصابرين، وأرواحٍ تتطلَّعُ إلى نصر الله القادم مفتخرةً بمواقفها الراسخة وقضيتها العادلة التي تموت وتحيا دفاعاً عنها وانتصاراً لها.
ونحن نعيشُ هذه الأيّام الذكرى السنوية للشهيد، وما من أسرة إلَّا ويحضُرُها طيفُ شهيد رحل إلى رضوانِ الله، تتذكرُ مآثرَه وتعيش لحظات ذكرياته التي لا تغيب.
ونحن نزورُ روضاتِ الشهداء، فنجدُ نجومَها من كُـلّ أبناء هذا الشعب ومن مختلف انتماءاتهم، تجدُ فيها المعلِّمَ والطالبَ والمهندس والمواطن البسيط والمزارع والشيخ الكبير والشباب اليافعين من مختلف الأعمار
في لوحة إبداعية تعكس عظمة هذا الشعب وعظمة مواقفه وقوة إيمَـان أبنائه، إذ لم يكونوا جيشاً منظَّماً، أَو مليشيا حزبية أَو فئوية، بل يعكسون تنوُّعَ هذا الشعب ومن كُـلّ أطياف نسيجه الاجتماعي، وهذا يمثل شاهدا يلجم أفواه أعدائهم ويملأها بالتراب.
وحين نتأمل صورهم وابتسامات آمالهم، ونقرأ خلفَها دوافعَهم التي استسهلوا؛ مِن أجلِها ركوبَ الأخطار، واستعذبوا في سبيلها المعاناة والجراح، وتعب المرابطة والقتال.
كيف كانت الجبهات ميدان تجارتهم الرابح، رغم انعدام الدوافع المادية الدنيوية، وكيف رأوا في خسارة أرواحهم ربحا لا نظير له، فوهبوها بكل عشق وإيمَـان وتضحية وفداء.
كيف كان صبرهم رغم ضراوة الحرب وشراسة القتال، إذ لم يذهبوا إلى نزهة يرفهون فيها عن أنفسهم، بل قذفوها في لهوات حرب كونية لا مثيل لها في عصرنا الحاضر، واحتملوا معاناةَ ظروف الحرب القاسية وتحملوا بأس الأعداء الذين لم يبقوا في سبيل احتلال بلادنا جهدا، ولم يوفّروا في سبيل قهرنا سلاحاً ولا حشداً.
كيف كان إيمَـانهم ويقينهم وثباتهم الذي لم تزعزعه الأهوال أَو تقهره الشدائد؟
كيف كان عزمُهم منذ الأيّام الأولى للعدوان، وهم يواجهون ضربات الأعداء وطعنات غدر الأصدقاء، وخذلان الرفاق، وصمت العالم المنافق عن مظلوميتهم، وتحالف الطغاة والمستكبرين على وطنهم ودينهم وقضيتهم؟
إن حقهم علينا كبير، في تخليد ذكراهم، وفي التأسي والاقتدَاء بهم، والسير على خُطاهم، وفي إحياء مآثرهم وبطولاتهم، وفي العناية بأهلهم وذويهم وأطفالهم.
ونحن أمام مسؤولياتنا تجاههم، نسأل أنفسنا:
هل نظرنا إلى عيون أُولئك الأطفال التي تفيض شوقاً إلى آبائهم، لنرى فيها عظيم تضحيتهم عندما تركوا أطفالهم وقدموا أرواحهم، لنحيا نحن وأنت في عزة وكرامة؟
هل سألنا عن أحوال أسرهم، وتفقدنا احتياجَ مَن يحيطون بنا منهم؟
قد يكون الجواب على هذه الأسئلة محرِجاً، لفداحة تقصيرنا وإهمالنا في هذا الواجب الذي نتحمَّـلُ جميعاً -دولةً ومجتمعاً ومؤسّساتِ- دَينَ الوفاءِ به والالتزام بأدائه، وليس أحدٌ منا بمنأًى عن المسؤولية ولا عذرَ له في التقصير.
نسألُ اللهَ التوفيقَ لنا ولكم جميعاً.
ولا حول ولا قوة إلَّا بالله العلي العظيم.