تقريرٌ جديدٌ لمعهد الخليج للديمقراطية وحقوق الإنسان بالتزامن مع اليوم العالمي لحقوق الإنسان: معتقلاتٌ خارج أسوار الإنسانية
المسيرة| عباس القاعدي
كشف تقريرٌ جديدٌ أصدره معهدُ الخليج للديمقراطية وحقوق الإنسان عن رصده معلوماتٍ موثَّقةً توضح أبرزَ الانتهاكات التي يمارسها الاحتلالُ الإماراتي السعوديّ في المحافظات اليمنية المحتلّة.
وأوضح التقريرُ الذي جاء بعنوان: “معتقلاتٌ خارج حدود الإنسانية” وبالتزامن مع اليوم العالمي لحقوق الإنسان قوات الاحتلال تنفِّذُ حملاتِ مداهمة لمنـــازل المواطنين الآمنين في أوقات مختلفة حتى وهم نيام، مما تسبب في نشر الخوف والذعر لدى عدد من الأسر خَاصَّة الأطفال والنســـاء الذين تمت مداهمة مساكنهم واختطاب أحد أفراد أسرهم خَاصَّة الشباب العاملين في المجال الحقوقي.
وذكر التقرير أنه يتم إيداع هؤلاء السجون دون إجراءات قانونية وقضائية، حَيثُ يودعون لفترات قصيرة في معتقلات المرتزِقة، ومن ثم يتم نقلهم إلى سجون سرية داخل المناطق اليمنية المحتلّة، والبعض يتم نقلهم إلى خارج اليمن والزج بهم في معتقلات في أبها وأرتيريا وجيبوتي.
وبحسب التقرير فَـإنَّ القواتِ العســـكريةَ السعوديّة والإماراتية قامت بإنشاء عشرات المعتقلات والسجون السرية في المحافظات المحتلّة (عدنَ ومأرب وشـــبوة وحضرمـــوت والمهرة وأبـــين والمخاء وكذلك جزيرة ســـقطرى) والتي يتولى ضباط وقادة عســـكريون سعوديّون وإماراتيون إدارتها بشـــكل كامل، منها ثمانية سجون ومعتقلات سرية في محافظة عدن “معتقل خور مكسر، ومعتقل معسكر الحزام الأمني في منطقة البريقة، ومعتقل بئر أحمد، ومعتقل معســـكر الإنشاءات، ومعتقل معســـكر الإســـناد والدعم، ومعتقل في منطقة البريقة، ومعتقل في قرية الظلمات بمنطقة خلف البريقة، ومعتقل معسكر العشرين في كريتر”، لافتاً إلى أنه تم الكشفُ عن وجود سجن سري في قاعدة أقامتهـــا دويلة الاحتلال الإماراتي منتصف عـــام 2017 على جزء من حقـــلٍ للغاز في مدينة بلحـــاف بمحافظة شبوة، كما تم رصد معتقل داخل مطار الغيضة الذي تسيطر عليه قوات الاحتلال منذ أواخر عـــام 2017 وحوّلته إلى مركَز اعتقـــال تابع لقواتها العســـكرية.
ويقول رئيسُ معهد الخليج للديمقراطية وحقوق الإنسان يحيى الحديد: “إننا نضع هذا التقرير برسم المجتمع الدولي لاتِّخاذ خطوات جدية وعاجلة وإيقاف هذه الجرائم التي ترتكب بحق اليمنيين تحت غطاء الصمت العربي والدولي، فسياسة غض الطرف التي تتعامل بها الدول الحليفة للحكومتين السعوديّة والإماراتية أعطتهما الضوءَ الأخضرَ للمضي قُدُماً والاستمرار بالتنكيل باليمنيين وسفك دمائهم وإرهابهم”.
وأكّـد الحديد أن “الحكوماتِ التي تتابع ما يجري في اليمن بصمتٍ هي شريكة مباشرة في الانتهاكات التي ترتكبها القوات السعوديّة والإماراتية في اليمن، ويجب أن تتحمل مسؤوليات وتبعات سياساتها وتضع حدًا لنهر الدماء الذي ما زال يسيل في اليمن منذ آذار/مارس 2015″.
تهمةٌ واحدةٌ عقابُها الإخفاءُ والتعــذيب
وتوجَّه للمعتقلين -بحسب تقرير المعهد- تهمةُ مناهضة الوجود السعوديّ والإماراتي في الأراضي اليمنية ويتم اســـتجوابُهم وتعذيبهم؛ بناءً على تلك التهم ومن قبل عناصرَ سعوديّة، كما يتم احتجازُهم في ســـجون غير رســـمية من بينها مطار الغيضـــة الذي يُشرف عليه ضباط سعوديّون، كما أن عائلات بعض المعتقلين أكّـدت أن القوات السعوديّة قد أخفت أقاربهم قسراً لمدة تتراوح بين ثلاثة وخمســـة أشهر، بينما نقلت عدداً منهم بشكل غير قانوني إلى السعوديّة ولم تُقدِّم أية معلومات عن أماكنهم.
وعن أنواعِ أساليب التعذيب وفـــق المعلومـــات الـــتي رصدها تحقيقُ المعهـــد وتحقّق منهـــا فَـإنَّ المعتقلين في ســـجون دول العدوان السعوديّ والإماراتي يواجهون أسوأ حـــالات القهـــر والمعاملة المهينـــة والمحاطة بالكرامـــة والتعذيـــب الـــذي لا يتصـــوره عقل بـــشر، من ضمنهـــا، الركل بالأرجل والصفع على الوجه، الحرمـــان مـــن المـــاء والأكل لفـــترات طويلة، الـــضرب بالســـياط والعصي وأســـلاك الكهرباء، الحرق بالسجائر، التعليق رأساً على عقب، والتكبيـــل والتعليـــق مـــن الأيـــدي والأرجل لساعات – ضرب الأطراف بالمطارق، الحرمان من النوم، الحرمان من دخول دورات المياه- استخدام الألفـــاظ المهينـــة “النابيـــة والجنسية، الإغراق في أحواض الماء، الإجبار على شرب البول، الإجبار على التعري، المنع من ممارسة الشعائر، الســـــــــــجود للعلـــم السعوديّ والإماراتي، الاعتداء الجنسي والاغتصاب، إدخَال العـــصي والأدوات الحديدية في الأجساد، التهديد بالاعتقـــــــال والاعتداء الجنسي على الأقارب؛ ولهذا فَـإنَّ فـــترات الاعتقـــال تمثل للمعتقلـــين رحلـــةً طويلةً من الألم والمعاناة النفســـية والجســـدية الـــتي لا يحتملها إنسانٌ، حَيثُ تبدأ من لحظة الاعتقال وتنتهي برمي العشرات منهم شـــبه موتى أمام المستشفيات أَو بالإفراج دون أن يفهموا ما هو الذنب الذي اقترفوه لينالوا كُـلَّ هذا العنف النفسي والجســـدي الذي يقضي على ما تبقى من ســـنوات حياتهم وينعكس مأساة على أهاليهم ومن حولهم.
اعتداءاتٌ جنسية
ويؤكّـد معتقلـــون ســـابقون أن العنفَ الجنسيَّ هو الأدَاة الأَسَاســـية التي اســـتخدمها الضبـــاط الإماراتيون لإلحـــاق العقوبة بالمعتقلـــين لاســـتخلاص “الاعترافات”، وقد شـــهد العام 2018م الفضيحة الكبرى للإمارات وما يحدث في ســـجونها من تعذيب واغتصاب للمعتقلـــين، وكانـــت وكالة “أسوشـــيتد برس” قد نـــشرت تحقيقاً عن اعتداءات جنسية على السجناء، بطرق وحشية، وبدعم من أمريكيين، حَيثُ تُمارَسُ في هذه السجون أشكال مختلفة من الانتهاكات والتعذيب الوحشي، وكشفت أن حالاتِ التعذيب التي يتعرض لها السجناء داخل معتقل يمني بإدارة إماراتية تصل إلى حَــدِّ الاعتداءات الجسدية والاغتصابات.
وبحســـب ما نشرتـــه الوكالة فَـإنَّ أحَدَ المعتقلين اليمنيـــين الذين احتُجزوا من دون تهم، كان رسّـــاماً استطاع تفصيل سبل التعذيب والاعتداء الجنسي الذي تعرض له من خلال رســـوماته التي هُرِّبت من ســـجن “بئر أحمد” في مدينة عدن جنوبي البلاد، حاملـــةً معها لمحةً قاتمةً لعالـَــمٍ خفي من انتهاكات حقوق.
وكشفت المنظمةُ اليمنية “مواطنة” لحقوقِ الإنسان عن عدد من وقائع التعذيب في معتقل مطار الريَّان الذي تســـيطر عليه القواتُ الإماراتية، وأشَارَت -نقلاً عن محتجزين سابقين- إلى “أنهم احتُجزوا في مستودعات ضيقة ومظلمة ولاقوا ضُرُوباً مـــن التعذيـــب والمعاملـــة المســـيئة، منها الحرمـــانُ من الطعـــام والمـــاء والصعق بالكهرباء والركل والضرب بالســـياط والحرق بأعقاب الســـجائر”، فيما قال آخرون “إنهم تعرضَّوا لأشـــكال مهينة من المعاملة القاســـية كالحرمان من أداء الشعائر الدينية والإجبار على التعري والسجود لعلم دولة الإمارات”.
وتشـــير التقاريـــرُ والمعلوماتُ التي تحقّق منها معهد الخليج أن الســـكان يواجهون الكثـــيرَ مـــن الانتهاكات بـــدءاً من الاعتقالات التعســـفية والاحتجاز في أماكنَ غير قانونية وممارسة التعذيب على المعتقلين، وُصُـولاً إلى إخفاء الكثيرين في أماكن ما تزالُ مجهولة، ونقل بعض المعتقلين إلى معتقلات داخل السعوديّة بشـــكل غير قانـــوني، أَو إلى ســـجون تديرهـــا قـــواتُ التحالف السعوديّ الإماراتي خـــارج اليمن وخُصُوصاً السجون التي تم رصدها في دول القرن الأفريقي.
وشـــملت التحقيقـــاتُ الـــتي أجراهـــا المعهـــدُ عـــن المعتقلـــين اليمنيين في ســـجون السعوديّة والإمارات نـــوعاً آخر مـــن المعتقلـــين في تلك الســـجون، فـــإلى جانب المعتقلـــين مـــن ســُـكان المـــدن والمناطـــق التي تنتـــشرُ فيهـــا القواتُ السعوديّة والإماراتيـــة، “رصدنـــا وجودَ عشرات المدنيين من ســـكان المـــدن والمناطق اليمنية الخارجة عن ســـيطرتها الذين تعرضوا للاختطاف من الطرقات أَو اعتقلوا من نقاطٍ أمنية تابعة، ورمُوا في ســـجون السعوديّة والإمارات المنتشرة داخل اليمن وخارج حدودها”!.