الشهيدُ قدَّم نفسَه..بقلم/ عبدالخالق القاسمي
في كُـلِّ عام تأتي سنوية الشهداء ومعها التذكير بأهميّة الوفاء لأهل الوفاء وذلك بتخليد مآثرهم الجهادية وزيارة الروضات وإقامة المعارض وصناعة الوثائقيات وغير ذلك، كما يأتي التأكيد على ضرورة رعاية أسرهم الرعاية الشاملة.
إلى هنا لا يختلف اثنان، ولكن يطيب لي تسليط الضوء على جزئية معينة بسيطة ولن أقول توضيحاً؛ لأَنَّ السيد القائد -يحفظه الله- اختصر الرد بالقول: (إن كُـلّ أسرة قدمت شهيدًا فقد بنت لها لبنةً في بنيان وصرح الإسلام الشامخ).
اللفتةُ هنا بخصوصِ الرد الشائع لدى البعض عند الحديث عن تقديم عوائل الشهداء فلذات الأكباد في سبيل الله وصوناً للأرض والعرض، فلطالما سمعنا الرد الغليظ الفظ في موقعه لا تستحق خُصُوصاً أن كانت أسرة الشهيد على وعي كبير ومعظمها كذلك، الرد القائل: (هيييه الشهيد قدم نفسه) الله يقول: (ومن جاهد فَـإنَّما يجاهد لنفسه).
وبالطبع بعد قول الله سنصمت جميعاً، بل ربما سنكون ممن يرد بهذا القول مباشرةً على الآخرين إذَا ما سمعنا جملة أسرة كذا قدمت شهيدًا.. وهنا مهلًا لنقف قليلًا على المصطلحات.
أولًا: الحديثُ عن تقديمِ أسر الشهداء أبنائها في سبيل الله لا يعني بالطبع أن أسر الشهداء قد جاهدت الجهاد المطلوب خُصُوصاً من الذكور والذي قام به الشهيد، الحديث هنا عن مرحلة ما قبل انطلاقة الشهيد، فربما كانت أختًا قالت لأخيها: “شاهد هذه المجزرة المروعة لطيران تحالف العدوان والتي صوّرَتها العدسات”، أَو قد تكون أُماً قالت لابنها: “أشعر بالعار وأنت في المنزل بينما شباب المنطقة قد تحَرّكوا إلى الجبهات لردع المحتلّ”، أَو شيخاً كَبيراً ألقى موعظة لأبنائه بخصوص الجهاد ومكاسبه.
ثانيًا: فيما يتعلق بالآية ومن جاهد فَـإنَّما يجاهد لنفسه نذكر بالحقيقة المرة المتمثلة في تحَرّك البعض إما رغبة في دنيويات أَو رياء الناس أَو غيرها من الأسباب التي بالطبع لن تجعله يبذل المجهود الذي يبذله صاحب القناعة التامة والمندفع اندفاعة حقيقية قد يكون سببها أحد الأمثلة التي ذكرنا من تشجيع أُم أَو موعظة أب أَو غير ذلك.
أخيراً: إلَّا ينبغي هنا التورع عن الفظاظة أحياناً خُصُوصاً والمنطق يجانب أصحاب المقولة هذه، فمن قدم ودفع الشهداء هم عوائلهم بالدرجة الأَسَاس، وعندما نتحدث عن الشهداء نتحدث عن الغالبية العظمى التي اتخذها واختصها الله نتيجة التفاني في الجهاد والاستبسال والإحسان للآخرين بالتضحية حتى بالنفس، وهذا كله في الغالب يقف خلفه أسرة دعمت الفرد المجاهد بالمال وبالدعاء وبالاستقبال الذي يليق بالأبطال في حال المزاورة وغيره، أَو قد يكون خلفه ثقافة عظيمة تحَصّل عليها المجاهد بطريقة أَو بأُخرى وبالتالي يؤثر هو على أسرته أَو قبيلته ويحرك معه أَو من بعده العشرات.
بل ما يؤكّـد ضرورة الحذر من الفظاظة -إن صحت التسمية- مقاطع الفيديو الكثيرة للأُمهات والأبناء والإخوة والأخوات والزوجات وأبناء العمومة لحظة استقبال جثامين الشهداء بكل عظمة وفخر واعتزاز وبتأكيد على المضي في ذات الدرب وحث البقية على ذلك.
وبالعودة إلى الحقيقة المرة نذكر كذلك مع كامل الأسف أن البعض لم يتحَرّك مع رجال الله نتيجةَ عواملَ متعددةٍ من المثبطات ذكرها الله سبحانه وتعالى وأبرزها الأسرة، وهذا دليل على دفع معظم أسر الشهداء للشهداء قبل الفوز الشخصي.